تتجمع في سماء مصر نذر لمواجهة، يعتبرها كثيرون حتمية، بين المجلس العسكري وجماعة 'الاخوان المسلمين' فيما تقترب ساعة الحقيقة، عندما تعلن اللجنة الانتخابية العليا نتيجة الجولة الثانية بعد غد الاحد وسط توقعات وتكهنات متضاربة حول اسم الرئيس الجديد. وتجمع المئات في ميدان التحرير مساء الخميس استعدادا لمليونية جديدة اليوم الجمعة دعت اليها جماعة 'الاخوان' احتجاجا على الاعلان الدستوري المكمل الذي اصدره المجلس العسكري. وكانت الجماعة اعلنت اعتصاما مفتوحا في الميدان حتى اعلان نتائج الانتخابات. واتخذ المجلس العسكري اجراءات امنية مشددة تحسبا لتفجر اعمال العنف في اعقاب اعلان النتيجة. وشملت استعدادات لمواجهة هجمات متزامنة على اقسام الشرطة ومقرات امنية وحكومية في عدد من المحافظات. وقال مصدر عسكري إن عناصر القوات المسلحة بتشكيلاتها التي شاركت في تأمين العملية الانتخابية ما زالت موجودة بمحافظات الصعيد السبع، وجاهزة للتعامل مع أي أحداث من شأنها المساس بسلامة الوطن. وأضاف أن المطارات والسجون ومديريات الأمن من المناطق الحيوية التي سيتم تأمينها، وأن هناك خطة كردون واسعة سيتم تنفيذها في حالة الطوارئ القصوى. وفي تصريح نشره موقع الاخوان، حذر عضو مكتب ارشاد الجماعة محمود غزلان من 'مواجهة بين الجيش والشعب' اذا ما اعلن فوز شفيق. واكد غزلان ان 'اصرار حملة شفيق على القول بأنه فاز يوضح النوايا السيئة للمجلس العسكري واللجنة العليا للانتخابات'. ووصف نائب المرشد العام للجماعة المهندس خيرت الشاطر الوضع الحالي في مصر ب'المتوتر للغاية'، قائلا إنه سيبقى كذلك طالما لم يتم التراجع عن القرارين (حل البرلمان والاعلان الدستوري المكمل). واستطرد نائب المرشد العام للإخوان المسلمين قائلا ' لا بد من أن تكون للرئيس المقبل سلطات حقيقية'.. محذرًا من 'استقرار مصر على المحك'. واعتبر مراقبون ان 'امتلاء ميدان التحرير بأعضاء جماعة الاخوان وبعض القوى السياسية الاخرى ربما يخفي ورءاه فجوتين كبيرتين: الاولى بين النخبة السياسية والشارع المصري الذي فقد الثقة فيها، ما يجعله مستعدا لقبول نتيجة الانتخابات مهما كانت، بل والتعايش مع انقلاب عسكري ناعم ومؤقت، في مقابل عودة الامن والاستقرار، والثانية بين الاخوان وبعض القوى السياسية التي اعلنت تأييدها للاعلان الدستوري المكمل وحل البرلمان، حفاظا على كيان الدولة من الانهيار'. ووصف السعيد كامل، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية الليبرالي اعتراض بعض القوى السياسية على الإعلان الدستوري المكمل بأنه 'غير مبرر'. وقال كامل إن هذا الرفض يعكس الرغبة في الاستحواذ ويمثل بداية غير مطمئنة لطريقة إدارة الخلاف السياسي، ويعكر صفو التجربة الديمقراطية، التي وضعت مصر في مصاف الدول المحترمة. وتابع في بيان الخميس أن 'الإعلان الدستوري المكمل، لا ينتقص من صلاحيات الرئيس الجديد، بل أعطاه مزيداً من الصلاحيات، فله الحق في تعيين رئيس الوزراء والوزراء وعزلهم، وتعيين السفراء والمحافظين، ومناقشة موازنة الدولة مع الحكومة وإقرارها وإصدار جميع القرارات والاعتراض عليها'. وقال القيادي السابق في جماعة 'الاخوان' الدكتور كمال الهلباوي ل'القدس العربي' امس'ان الامور ستزداد تعقيدا اذا اعلن فوز شفيق، ولا استبعد حدوث اعمال عنف، وحل جماعة الاخوان'. يذكر ان محكمة مصرية اجلت قبل يومين دعوى قضائية لحل جماعة 'الاخوان' وحزب الحرية والعدالة، باعتبار ان الجماعة غير مسجلة حسب قانون الجمعيات الاهلية، وان الحزب قائم على اساس ديني. وتشير السيناريوهات على تعددها الى ان الجماعة تواجه مأزقا خطيرا في مواجهة المجلس العسكري، في ظل علاقتها الصعبة بالقوى السياسية، والرأي العام الذي فقدت جزءا كبيرا من ثقته، وهو ما تمثل بوضوح في الاغلبية الضئيلة التي حققتها بالانتخابات الرئاسية حسب الارقام التي اعلنتها هي نفسها. ويمكن اجمالها فيما يلي: اولا: اعلان فوز شفيق بالرئاسة سيجعل جماعة 'الاخوان' تشعر انها خسرت كل شيء، بعد الحكم بحل البرلمان، ما قد يدفعها الى خوض مواجهة شاملة مع العسكر، وهو ما قد يقود الى اعمال عنف واسعة، خاصة في ضغوط من القوى السياسية بالاستمرار في الاحتجاجات، وهو ما سيعارضه جناح داخل الجماعة يحذر من الانزلاق الى الهاوية خشية تكرار سيناريو العام 1954 عندما تم حل الجماعة. ثانيا: اعلان فوز مرسي سيضع الجماعة امام اختيار صعب، اذ ان استمرار رفضها الاعلان الدستوري قد يستفز انقلابا عسكريا بعد افتعال احداث امنية، بدعوى الحفاظ على الامن القومي، خاصة في ظل توترات امنية في سيناء. اما التعايش مع الاعلان الدستوري في صفقة لتقاسم السلطة، فسيعرض الجماعة لغضب سياسي كبير، واتهامات جديدة ببيع الثورة من اجل السلطة. ومن شأن هذا السيناريو ان يسهل على المجلس العسكري ان يتخلص من مرسي كرئيس ضعيف، ومن ثم القضاء على مصداقية الجماعة وربما تيار الاسلام السياسي. وايا كان السيناريو، فإن الشارع غير المسيس الذي ارهقه التدهور الامني والسياسي والاقتصادي خلال العام ونصف العام الماضي، ما زال يرى في الجيش المصري، شبكة الامان الاخيرة، ولا يريد ان يرى انفجارا للعنف، ما يعني ضرورة ان تراجع كافة القوى السياسية حساباتها خلال هذه الساعات الحاسمة التي تعيشها البلاد.