يتجه اليمن إلى تشكيل حكومة كفاءات، بعد فشل الأحزاب السياسية الموقعة على اتفاقية السلم والشراكة أواخر سبتمبر في التوصل إلى اتفاق، بشأن آلية تقاسم السلطة، في وقت يعزز فيه المتمردون الحوثيون حضورهم داخل مؤسسات الدولة في صنعاء، التي من المتوقع أن تحتضن اليوم الجمعة لقاء موسعا لزعماء قبائل ووجهاء وتجار استجابة لدعوة زعيم التمرد الشيعي، عبدالملك الحوثي. واتفقت الأحزاب والمكونات السياسية الموقعة على اتفاقية «السلم والشراكة» في اجتماع عقد مساء الأربعاء في صنعاء برئاسة مبعوث الأممالمتحدة لليمن جمال بن عمر، على خيارين لتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن رفض تكتل «اللقاء المشترك» صيغة تقاسم الحقائب الوزارية التي اقترحها رئيس الوزراء المكلف، خالد محفوظ بحاج. وقال أمين عام حزب التنمية والبناء، عبدالعزيز جباري، الذي حضر الاجتماع، ل(الاتحاد) :»اتفقنا على خيارين إما تشكيل حكومة محاصصة حزبية وفق تمثيل متساو للأحزاب الموقعة على اتفاقية السلم، أو حكومة كفاءات على أن يفوض الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الحكومة، بحاج، باختيار الوزراء وفق معايير الكفاءة والنزاهة». وذكر أن الأحزاب السياسية فوضت الرئيس هادي باختيار أحد الخيارين، «وأن هناك توجها لتشكيل حكومة كفاءات»، وهو ما نصت عليه اتفاقية السلم التي تم التوصل إليها في 21 سبتمبر بعد ساعات من اجتياح المتمردين الحوثيين العاصمة صنعاء إثر مواجهات مسلحة مع قوات في الجيش مدعومة بمليشيا قبلية سنية استمرت ستة أيام وخلفت 400 قتيل على الأقل. وقال مبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر، في بيان أصدره مكتبه الإعلامي أمس الخميس، إن تنفيذ الاتفاق «هو الوسيلة الوحيدة لتجاوز الأزمة» الحالية، مشيرا إلى أن ترؤسه مساء الأربعاء اجتماعا لممثلي الأحزاب والمكونات السياسية يأتي «في إطار جهود الأممالمتحدة الرامية إلى مساعدة جميع الأطراف في تنفيذ بنود اتفاق السلم والشراكة الوطنية بشكل كامل وبدون انتقائية».وأضاف أن الأممالمتحدة «ستعمل مع جميع الأطراف لتذليل العقوبات والوصول إلى التنفيذ الكامل لاتفاق السلم والشراكة الوطنية». وأعاقت خلافات سياسية بشأن نسب تمثيل المكونات في الحكومة الجديدة إعلانها في 21 أكتوبر الجاري بموجب الاتفاق الأخير الذي منح المتمردين الشيعة في الشمال والمعارضة الانفصالية في الجنوب جزءا من السلطة. وقال الناطق الرسمي باسم تكتل «اللقاء المشترك»، محمد القباطي، إن أحزاب المشترك أيدت تشكيل حكومة كفاءات بدلا عن حكومة محاصصة حزبية، وهو الخيار الذي أيده الحوثيون الذين يواصلون تعزيز تواجدهم داخل مؤسسات الدولة المدنية في صنعاء في ظل انتشارهم المسلح في المدينة وغياب السلطات الأمنية عن المشهد. وفرض المتمردون الحوثيون أمس مزيدا من الإجراءات الأمنية المشددة في شوارع العاصمة صنعاء قبل يوم واحد من انعقاد مؤتمر «حكماء اليمن» الذي دعا له زعيم التمرد، عبدالملك الحوثي، يوم الجمعة الماضي. وسيشارك في المؤتمر «زعماء قبائل وعشائر ووجهاء وتجار ومسؤولون» حسبما ذكرت ل(الاتحاد) مصادر في الجماعة المتمردة في محافظة صعدة الشمالية منذ 2004 ومتهمة حكوميا بالارتباط بدولة إيران. وأشارت المصادر إلى تكتم إعلامي شديد بشأن مكان انعقاد المؤتمر والشخصيات التي ستشارك فيه، وعزت ذلك إلى دواع أمنية بسبب مخاوف من وقوع هجمات انتحارية لتنظيم القاعدة الذي نفذ في الآونة الأخيرة سلسلة هجمات على تجمعات ونقاط تفتيش الجماعة في صنعاء، أبرزها الهجوم الانتحاري الذي استهدف في التاسع من أكتوبر تجمعا لمؤيدي الجماعة وسط العاصمة موقعا 50 قتيلا على الأقل بينهم أطفال. وأفاد تلفزيون المسيرة التابع للحوثيين أن المؤتمر سيناقش أهم التطورات في اليمن لافتا إلى أن موكبا لأبناء محافظة تعز (جنوب) انطلق مساء الخميس باتجاه العاصمة صنعاء للمشاركة في المؤتمر، فيما أكدت وسائل إعلام محلية امتنع الكثير من الزعماء القبائل في اليمن عن حضور المؤتمر. وأكد نواب ووجهاء قبليون ل(الاتحاد) امتناعهم عن حضور مؤتمر الحوثيين الذي، بحسب قناة العربية الإخبارية، سيفضي إلى تشكيل مجلس «حكماء» على غرار مجلس الخبراء الإيراني، وأن صلاحياته ستعادل صلاحيات رئيس الجمهورية. في غضون ذلك، عزز المتمردون الحوثيون حضورهم داخل مؤسسات الدولة ووزارات الحكومة، فيما اتهم مناهضو الحوثيين باقتحام أربع وزارات والاستيلاء على وثائق هامة ومصادرة أختامها الرسمية. والتقى مسلحون حوثيون، أمس الخميس، وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، وبحثوا معه «عددا من الملفات»، بحسب تلفزيون المسيرة الذي أكد أن عناصر مسلحة تابعة للجماعة أحبطت «عملية إحراق وثائق تابعة للجنة العليا للمناقصات ومشتروات الدولة تهربا من فضح قضايا» فساد. ووجهت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، أمس، القائم بأعمال رئيس حكومة تصريف الأعمال، المهندس عبدالله الأكوع، ب»توجيه الجهات المعنية بعدم اعتماد اي قرارات تُصدر بالتعيين أو بالعزل أثناء فترة حكومة تصريف الأعمال». وتزامنت هذه التطورات مع استحداث الحوثيين حواجز تفتيش في الشوارع الفرعية في العاصمة صنعاء بعد أن كانت مقتصرة في بعض الشوارع الرئيسية وقرب منشآت حكومية وعسكرية. وقضت توجيهات رئاسية أخيرة بإنزال صفقة أسلحة روسية كبيرة في ميناء عدن (جنوب) بعد كان مقررا وصولها إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر (غرب)، ويبعد نحو 230 كم إلى الغرب من العاصمة. وكان الحوثيون اجتاحوا ميناء الحديدة ومدن رئيسية في وسط البلاد منتصف أكتوبر دون مقاومة تذكر من الإدارة الهشة للرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي. ودعا البرلمان اليمني أمس الخميس اللجنة الأمنية العسكرية العليا إلى «القيام بواجبها في نشر القوات المسلحة والأمن في العاصمة والمحافظات للمحافظة على الأمن والاستقرار في البلاد وفقاً لمسؤوليتها الدستورية والقانونية»، حسبما أفادت وكالة الأنباء اليمنية الحكومية «سبأ». وأكد البرلمان تأييده لدعوة الرئيس هادي يوم الأحد الماضي إلى إخلاء صنعاء ومدن البلاد من المليشيات المسلحة، مشددا على ضرورة أن «تتحمل الدولة مسؤوليتها في حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة ومكافحة الإرهاب واستئصاله والقيام بسلطاتها ووظائفها». ودعا البرلمان إلى تنفيذ الملحق الأمني لاتفاقية السلم والشراكة الوطنية والإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة.