عناصر الانتقالي تقتحم مخبزا خيريا وتختطف موظفا في العاصمة الموقتة عدن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    تقرير... مخطط الحرب واحتلال الجنوب سبق إعلان الوحدة    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    التعاون الدولي والنمو والطاقة.. انطلاق فعاليات منتدى دافوس في السعودية    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العائلة اليمنية اليهودية التي هزت اليمن وإسرائيل.. تروي لماذا هاجرت وكيف تشعر وإلى من تنتمي

«أي سؤال هو هذا؟ نحن بالطبع يمنيون. يمنيون يهود.. وأيضاً إسرائيليون»، هكذا، في البداية باستغراب، ثم بتفهم، ثم بشيء من الحيرة.. ولكنه في النهاية وجدها. سعيد بن إسرائيل دهاري، المواطن اليهودي اليمني الذي هاجر من اليمن إلى إسرائيل بعملية سرية عسكرية حدد هويته المركبة ل«الشرق الأوسط» قائلا: «أنا وزوجتي وأولادي إسرائيليون يمنيون. أما أحفادي فلا أدري، ربما إسرائيليون فقط. لا أعتقد أنهم سينسون أصلنا اليمني. لكن لا أدري».
وبعد صمت غير قليل، عاد ورتب أفكاره أكثر. فهو خلال الأسبوع المنصرم تكلم مع عشرات الصحافيين الإسرائيليين، لكنه لم يواجه بأسئلة عن جذوره اليمنية. فقد اهتموا أكثر بالاعتداءات التي تعرض لها عدد من اليهود في اليمن في الفترة الأخيرة. اهتموا بمعرفة ماذا تعني له إسرائيل. وكيف يشعر بالطمأنينة هو وأطفاله اليوم بعد شهور طويلة من القلق والخوف. «ينبغي فهم شيء عن اليهود اليمنيين»، يقول سعيد بن إسرائيل وكأنه يعطي درساً لطلابه: «نحن لسنا أبناء اليوم في اليمن. اليهود موجودون في هذا البلد الطيب منذ عشرات القرون. نحن يمنيون منذ خراب البيت الأول (هيكل سليمان) قبل أكثر من ألفي سنة. وعلى الرغم من المضايقات التي تعرضنا لها من فترة إلى أخرى، لكن هذا لا يغير شيئاً من يمنيتنا. بل إن الانتماء إلى اليمن يسري في عروقنا مثل الدم، غلاوة هذا الانتماء مثل غلاوة يهوديتنا. نحن لنا حضور بارز في تاريخ اليمن وحضارته، منذ مملكة سبأ. فلا يمكن شطب هذا التاريخ».
أوقفنا حديثه حول التاريخ، وعدنا به إلى الحاضر. فهو قد وصل لتوه من اليمن. هو (31 عاماً) وزوجته سمحا (30 عاماً) وأولاده السبعة الذين تتراوح أعمارهم ما بين أربعة شهور واثني عشر عاماً، ومعهم شاب أعزب من يهود اليمن حظر نشر اسمه. كان من سكان بلدة رايدة، الواقعة شمال غربي صنعاء العاصمة، التي يتجمع فيها ما تبقى من يهود اليمن (حوالي 280 شخصاً). لم أخطط للرحيل عن اليمن، رغم شوقي الدفين لأرض إسرائيل. فنحن نصلي للقدس ولإسرائيل في كل يوم، ولكنني نذرت نفسي لخدمة التوراة في اليمن. هناك تراث عريق لنا في اليمن، ووجودنا فيه ضروري للحفاظ عليه. ولكن، عندما بدأت المضايقات ضدنا، تسرب لي الشعور بالهجرة. كان ذلك قبل سنتين ونصف السنة، مع نشوب الحرب على لبنان. «الناس العاديون في ريدة لم يضايقونا. بالعكس، فنحن نقيم علاقات ممتازة مع جيراننا المسلمين. أنا لا أمتلك جهاز تلفزيون في بيتي، وخلال الحرب كنت أضطر إلى مشاهدة التلفزيون لدى الجيران. وكنا نتناقش مع بعضنا البعض حول الحرب مثل الإخوة. كنت أقول لهم إن هذه حرب وأنا مثلهم لا دخل لي فيها. وكان النقاش ينتهي بسلام. ولكن في الشارع بدأنا نشعر بسيطرة الأصوليين الإسلاميين وكراهيتهم لنا. يشتمون اليهود. نسمع كلمات التهديد. يقذفون علينا الحجارة. يهينوننا. يقاطعون حوانيتنا. فصرنا نمضي غالبية الوقت في البيت. وبدأت أوضاعنا الاقتصادية تتراجع. ولكن بعد الحرب بدأت تعود الأمور إلى طبيعتها. ولم ترحل سوى عائلة يمنية واحدة». ويصمت سعيد بن إسرائيل قليلا، ويأخذ نفساً عميقاً، ثم يروي كيف جاءت الصدمة التي حسمت أمر قراره بالهجرة: «عندما قتلوا موشيه». (قتل على يد طيار سابق في القوات الجوية اليمنية ومن المتوقع أن تصدر المحكمة قرارها في قضيته الشهر المقبل).
يقصد موشيه نهاري، وهو رجل دين يهودي من الولايات المتحدة. عمره 35 عاماً وأب لتسعة أولاد. في إسرائيل يقولون إنه قتل لكونه يهودياً. وفي اليمن يقولون إن قاتله قال في التحقيق معه إنه قتله بسبب الحسد، لأنه رآه يبني بيتاً كبيراً وجميلا في ريدة، مع أن اليهود ليسوا أغنياء. موشيه نهاري درس التوراة في إسرائيل في شبابه، وكان مبعوثاً من جماعة تعرف باسم «ساتمريم»، وهي فئة من اليهود المتدينين الذين يكفرون بالصهيونية ويحاربون ضد الهجرة إلى إسرائيل. لهم جماعة حليفة في إسرائيل تدعى «نتوري كارتا»، وتقيم لنفسها دولة خاصة بها، لها حكومة ووزير خارجية ووزير تموين، وتقول هذه الجماعة إن إقامة دولة إسرائيل سنة 1948 مخالف للتوراة. فإسرائيل لا تقوم إلا عند قدوم المسيح المخلص. تلك الحركة تساعد يهود اليمن في ترتيب حياتهم الدينية وتقدم لهم دعماً مالياً وروحانياً كبيراً.
هذه الجماعة تتبنى يهود اليمن، وتسعى لترحيلهم إلى الولايات المتحدة، ولذلك يحاربونها في إسرائيل، وتهجير عائلة دهاري إلى إسرائيل ترافق مع صراع عليها بين الوكالة اليهودية من ناحية وتلك الجماعة من ناحية أخرى. موشيه نهاري، أُرسل في حينه لهذا الغرض، ولكنه استقر في اليمن. وحصل على الجنسية اليمنية. وأصبح زعيماً دينياً واجتماعياً ليهود اليمن. وفي 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أي قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، قتل موشيه بالرصاص بيد مواطن يمني. وألقت السلطات اليمنية القبض على القاتل، وبعد أيام من التحقيق معه أعلنت أن القاتل معتوه ولم يرتكب جريمته على خلفية عنصرية. ونظمت عملية صلح تم خلالها دفع الدية لعائلته وأغلقت الملف. ولكن يهود اليمن لم يقتنعوا بذلك، واعتبروا القتل بداية جولة جديدة من التنكيل بهم ستؤدي إلى قتل جماعي، خصوصاً بعد أن اشتعلت الحرب على غزة وبدأ الناس يرون نتائج القصف العدواني وجرائم الحرب الإسرائيلية على المدنيين عموماً والأطفال خصوصاً – «حتى جيراني قالوا لي: أترى ما يفعله أهلك اليهود بالفلسطينيين؟»، كما يوضح سعيد بن إسرائيل ل«الشرق الأوسط». قتل نهاري أثار موجة من الخوف والقلق لدى اليهود، فحضر إليهم وزير يمني كبير يطمئنهم وقال إن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بنفسه يأخذ على عاتقه حمايتهم، وعرض على كل من يريد منهم أن ينتقل إلى صنعاء فوراً للعيش فيها على حساب الدولة. وبالفعل انتقل خمسون يهودياً من ريدة إلى صنعاء، فأُنزلوا على حساب الدولة في أحد الفنادق. وما زالوا هناك حتى اليوم، بينما بقي 230 يهودياً في ريدة نفسها. ويتابع سعيد بن إسرائيل: «أنا من الذين ترددوا كثيراً. فالوزير بعث في نفوسنا الطمأنينة حقاً. ونحن نثق بصدق الرئيس علي عبد الله صالح عندما يقول إنه يحمينا. فهذه هي شيم اليمنيين. وهذا هو الإسلام الحقيقي. ولكن عندما ألقيت القنبلة على بيتي تغير الوضع. كان ذلك بعد شهر من قتل موشيه نهاري. تم إلقاء القنبلة على ساحة البيت وانفجرت تحت شباك غرفة الأطفال. بأعجوبة لم يقتل أي من أولادي، حسمت أمري وقررت الهجرة». هنا يصمت سعيد بن إسرائيل، لأن الكلام عن التفاصيل محظور تماماً. فالرقابة العسكرية الإسرائيلية تمنع أي نشر عن الطريقة التي وصلت فيها العائلة إلى إسرائيل. ما قاله فقط هو أن زوجته أبلغته أنها لن تبقى في اليمن يوماً بعد هذه الحادثة. وأنه بعد يوم واحد فقط أبلغها بأنه رتب أموره وسيرحلون إلى إسرائيل. وطلب منها ومن ابنته البكر «استر» أن لا تفصحا عن ذلك وأن تقولا في حالة سؤالهما إنهم جميعاً مسافرون إلى الولايات المتحدة لزيارة الأهل هناك. باع سعيد بن إسرائيل سيارته بنصف السعر، حسب قوله، واشترى فرناً يمنياً جديداً للخبيز وجمع ما قل وزنه وخف حمله وترك وراءه كل شيء، وانتقل إلى ذلك الفندق في صنعاء بانتظار إشارة الوكالة اليهودية. وعندما وصلت، انطلق نحو إسرائيل في رحلة شاقة. في «مطار بن غوريون» الإسرائيلي صدم هو وأفراد العائلة من الاستقبال – مسؤولون كثيرون من الوكالة اليهودية والحكومة ينقضون على الأطفال يقبلونهم وصحافة وتلفزيونات وأسئلة كثيرة: «الحمد لله أننا وصلنا بسلام. نحن مرتاحون الآن. لا شكوى عندنا على الحكومة اليمنية. مشكلتنا فقط مع المتطرفين»، بهذه الإجابات القصيرة رد على الأسئلة هو وابنته. أما زوجته فهي محجبة على الطريقة الإسلامية ورفضت الكلام بأدب ولطف، «فلا توجد للمرأة كلمة».
من المطار نقلوا العائلة على الفور إلى مركز تجمع لليهود الجدد في مدينة بئر السبع، تمهيداً لتأهيلهم على أساليب الحياة الإسرائيلية. هنا يأكلون ويشربون ويقبضون مصاريف جيب ويتعلمون العبرية ويشاركون في برامج ترفيه وصلوات، ويستمعون إلى محاضرات حول إسرائيل وطبيعة الحياة فيها ومشاكلها، وأهم من كل ذلك يتلقون الدروس في الصهيونية. هذه الدروس، تكون في بعض الأحيان عملية غسل دماغ. اليهود الروس مثلا لا يعرفون شيئاً عن العرب، ولكنهم عندما يتخرجون في هذا المركز ستسمعهم يتحدثون بكراهية شديدة. ولذلك، فليس صدفة أنهم يعتبرون من أشد الشرائح الاجتماعية في إسرائيل كُرهاً للعرب. واليمنيون اليهود هنا سيتعلمون عن تاريخهم أشياء لا يعرفونها. بعد ثلاثة شهور، ستنتقل هذه العائلة إلى بلدة بيت شيمش (على الطريق ما بين القدس وبئر السبع)، حيث يعيش أقاربهم الذين سبقوهم في الهجرة وبينهم ابن عم سعيد الذي جاء لاستقباله في المطار. الدولة تمنحه 15 ألف دولار مساهمة في سعر البيت، إضافة إلى قرض إسكان بشروط سهلة. ويفتشون للأب عن عمل مناسب يوفر له دخلا يعيل به عائلته. «انظر كم هي فرحة الأولاد كبيرة هنا. كانوا في اليمن محصورين حتى الاختناق، فقد حظرت عليهم أمهم الخروج إلى الشارع. ومنذ غادرنا، وهم يركضون في كل اتجاه، في المطار وحتى في الطائرة وهنا، لا يريدون الجلوس أو النوم» يقول لنا سعيد بأسى. لكن ابنته استر تقول إنها مشتاقة لجدها وجدتها اللذين بقيا في اليمن. «ستغير رأيها عندما تبدأ غداً في الدراسة في المدرسة»، يقول مسؤول في المركز. وهم يعدون لها ولأشقائها دروساً في العبرية تمهيداً للالتحاق بمدرسة إسرائيلية عادية في بيت شيمش. لكن وفيما تسود مشاعر الارتياح داخل إسرائيل لتهجير العائلة اليمنية في تلك العملية التي نفذتها القوات الخاصة الإسرائيلية، فإن المشاعر مختلفة في اليمن. فقد أثارت العملية جدلا واسعاً في الساحة اليمنية في ظل صمت حكومي. وبحسب الوقائع وشهود العيان وادعاءات عدد من أبناء الطائفة، فإن اليهود اليمنيين الذين يقطنون في منطقة ريدة بمحافظة عمران (شمال صنعاء)، تعرضوا لمضايقات من قبل أشخاص يعتقد أن بعضهم متطرفون حتى قبل أن تقع حرب غزة الأخيرة التي ربما كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير»، إن جاز التعبير. وقد اتصلت «الشرق الأوسط» برئيس مصلحة الهجرة والجوازات اليمني العميد محمد الرملي الذي رفض التعليق على هجرة اليهود العشرة وربط أمر أي تعليق بمكتب وزير الداخلية. أما مدير عام مطار صنعاء ومدير الأمن هناك أيضاً فقد رد كل منهما بشكل مقتضب مبدياً عدم معرفته بالأمر جملة وتفصيلا وذلك عندما سألت «الشرق الأوسط» عما إذا كانت الأسرة اليهودية التي هاجرت إلى إسرائيل خرجت عبر مطار صنعاء وعلى أية خطوط جوية وإلى أي وجهة.
وقد أحدثت «العملية الخاصة» التي نقلت سعيد بن إسرائيل وأسرته من صنعاء إلى إسرائيل، جدلا واسع النطاق في اليمن وهناك من سماها ب «بساط ريح» جديد، في إشارة إلى عملية «بساط الريح» التي هاجر فيها عشرات الآلاف من اليهود اليمنيين إلى إسرائيل عقب عام 1948.
ويعتقد المهندس حاتم أبو حاتم، رئيس لجنة مقاومة التطبيع في اليمن أن «الوكالة اليهودية تقوم بكل الجهود لتجميع اليهود في فلسطين وعلى حساب الشعب الفلسطيني» وأن «الحركة الصهيونية أصبحت قوية جداً الآن في الغرب وبالأخص في أميركا وتعمل على تهجير اليهود وبشتى الوسائل» كما يعتقد أن للمخابرات الإسرائيلية (موساد) «دوراً كبيراً في هذه الأمور».
ويتهم أبو حاتم في تصريحات ل «الشرق الأوسط» من سماهم ب «الشخصيات ذات النفوذ» بالعمل على تهجير اليهود اليمنيين مطلع التسعينات، و«الأنظمة المتلاحقة» في اليمن بالمساهمة في ذلك. ويقول «بعد قيام الوحدة اليمنية مايو 1990 تحديداً تسرب الكثير من اليهود بواسطة شخصيات ذات نفوذ». أما بشأن عملية هجرة اليهود اليمنيين إلى إسرائيل فيقول: «من حق المواطن اليمني الخروج والسفر إلى حيث يريد، والذين هاجروا من قبل يسافرون إلى دولة أخرى، ثم ينتقلون إلى فلسطين المحتلة، ومن الصعب منعهم من السفر».
وعن علاقة اليمنيين، مسلمين ويهود، ببعضهم البعض، يقول الدكتور خالد الفهد، أستاذ الصهيونية واليهودية في جامعة صنعاء ل«الشرق الأوسط»: «ما يربط اليهود اليمنيين هو نفسه ما يربط المسلمين اليمنيين. يربطهم أصل وأرض وتاريخ وهوية، وكانت العلاقة محكومة بين اليمنيين بمختلف دياناتهم، قديماً ووسيطاً وحديثاً، علاقة احترام متبادل. زيارات متبادلة، يتداينون فيما بينهم، يتعاملون بصدق وإخلاص. وفي الوقت الراهن هناك قانون ودستور يحكمهم في حالة الخلاف».
ويعتقد الفهد أن المضايقات التي تعرض لها يهود اليمن مؤخراً «خرجت عن القاعدة» و«مصطنعة» ومن بنات أفكار المنظمة الصهيونية أو الوكالة اليهودية. أما لماذا؟. فيوضح الفهد: «لأن الكيان الصهيوني حالياً يعاني من إشكالية هجرة معاكسة، فالمهاجرون إلى إسرائيل بدأوا يعودون إلى أراضيهم الأصلية، بسبب عدم ارتياحهم في إسرائيل. وهنالك أيضاً رفض يهود الغرب أو اليهود الأشكناز للهجرة إلى إسرائيل. فكيف يمكن حل مثل هذه المشكلة؟ عبر تهجير ما بقي من يهود العالم العربي أو يهود الشرق عامة إلى الكيان الصهيوني والذين - بحسب الدراسات - يعانون من الاضطهاد في إسرائيل».
ويتهم الأستاذ الجامعي بعض منظمات المجتمع المدني في اليمن بأنها تعمل لصالح الصهيونية ويوضح ل«الشرق الأوسط»: في الوقت الراهن هناك فعلاً بعض الإشكالات، كانت من ورائها منظمات صهيونية، لأننا نعرف أنه في ظل الديمقراطية وإعلان التعددية السياسية والحزبية هناك تواصل بين كثير من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات التي ترفع شعار حقوق الإنسان وبعضها قد تكون منظمات صهيونية ولها مسميات أميركية أو غربية. فكانت هذه المنظمات وراء تأجيج هذه الخلافات حتى يكون هناك مسوغ ومبرر لهجرة اليهود اليمنيين». ويرجع الفهد استمرار محاولات الوكالة اليهودية لتهجير اليهود في العالم إلى إسرائيل إلى «تعويض النقص في الميزان الديموغرافي، لأنه يتوقف على وجود عنصر بشري لحماية الأراضي التي تم استلابها سواء في فلسطين أو الدول العربية». ويرفض الفهد وصف عملية تهجير اليهود اليمنيين العشرة ب «الخاصة»، موضحاً «تمت كسابقاتها «وتبرهن» على أن هناك نية جادة لدى الوكالة اليهودية لتهجير من تبقى من يهود اليمن إلى إسرائيل».
وفي الوقت الذي يتفق أبو حاتم مع كثير مما يطرح الدكتور الفهد بشأن «المساعي لترحيل اليهود إلى إسرائيل»، فإن أبو حاتم يعتبر حادثة مقتل اليمني - اليهودي موشيه نهاري بدون طابع سياسي أو عنصري، موضحاً «القتل في اليمن بشكل عام منتشر للأسف بين المواطنين جميعاً نتيجة غياب النظام والقانون. ونحن نطالب بمحاكمة عادلة لمن يقتل بغض النظر عن ديانته وأن يجري القانون مجراه». وما زال يعيش قرابة أربعمائة شخص من أفراد الطائفة اليهودية في بعض المناطق في شمال اليمن بعد أن كانوا يعيشون في معظم مناطق البلاد، ومازال كثير من الناس تربطهم ذكريات طيبة بجيرانه من اليهود. لكن هذه الذكريات الطيبة لا تخلو من مرارة أحياناً أو خلافات من بينها تلك التي نشبت بعد فرار قرابة عشر فتيات من اليهود وزواجهن بشباب يمنيين مسلمين واعتناق الإسلام وهو الأمر الذي تسبب في مشاكل أسرية لكثير من الأسر اليهودية ومخاوف من تأثيرات اجتماعية. واليوم وأسرة سعيد بن إسرائيل تبدأ صفحة وحياة جديدة في إسرائيل.. لا تختفي التساؤلات: هل سيكون هذا موطئ قدم وموطناً أفضل؟ أم أن مشاكل المهاجرين اليهود لإسرائيل من أفريقيا ستواجه بن إسرائيل وأسرته فتبدأ موجة ثانية من «الهجرة المعاكسة».. أم أن باقي يهود اليمن سيلحقون بأسرة سعيد بن إسرائيل؟ أسئلة كثيرة ما زال من المبكر الإجابة عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.