قصة مؤلمة وجديدة من مأسي الاخفاء القسري في اليمن تظهر على السطح بعد ما يقارب من اربعين عام في غياهيب الغياب القسري. فصل حزين من حكاوي المخفيين قسريا تجسد معاناة ظاهرة كسرت كثير من رموز العمل السياسي والابداعي في البلد. من كان يصدق أن يعود الضابط شاهر عبدالولي محمد عبدالجبار السروري بعد قرابة اربعة عقود من الزمن ظل خلالها اسير الزنازين وانحراف سلطات استهوت التعذيب وادمنت اخفاء الحقيقة وشهودها. تخرج السروري من كلية الشرطة في عام 1967 بعد ان شارك في فك حصار صنعاء، وعين عقب احداث اغسطس 68 مديرا لاحد اقسام الشرطة في محافظة الحديدة ، لم يرق للسلطات حينها من توجهه القومي ونشاطه وعلاقته الواسعة فصار مطاردا ما اضطره للهروب إلى عدن في 72م. كان السروري من المؤسسين لحركة المقاوميين الثوريين في المناطق الوسطى، ومن رفاقه المرحوم سلطان أحمد عمر ، لكن ما لم تكن تتوقعه أسرته هو ان يتعرض للاعتقال والاخفاء . ففي الثامن من يوليو من العام 1974 اعتقل السروري في عدن وغابت اخباره من حينها ، لم تجد محاولات زوجته للبحث عنه عندما صدمت بخبر وفاته ، واستخراج شهادة بذلك. مالم تكن تدركه زوجته ان زوجها قد نقل الى جزيرة سقطرى واختفت اخباره خلف المحيط هو وعدد من الاشخاص غير المرغوب بهم حينها من قبل السلطات. منذ ذلك الوقت وشاهر السروري يعاني ويلات الاخفاء والتعذيب ، فيما اسرته تعتبره في عداد الموتى دون ان تعرف اين دفن ولا اين جثمانه كحال الالاف الاسر اليمنية التي تعاني من هذا الوجع العميق. بعد الوحدة المباركة قطع راتب السروري ، وكانت زوجته تتابع لاعادة راتبه ، مستعينة باحد امناء الاحزاب الذي تعاون معها وسعى من اجل التحرك لاعادة راتبه. مالم يكن متوقعا ان يخرج من جزيرة سقطرى احد المخفيين يدعى علي حترش شيبان الذي ابلغ اسرة السروري ان شاهر موجود في جزيرة سقطرى ، لكن الاسرة لم تتعامل مع الموضوع بجدية في بادئ الامر . هناك حلقة مفقودة في القصة .. حيث لم تتضح بعد كيف تم نقل السروري قبل اسابيع إلى صنعاء وايصاله الى احدى الحدائق حسب المعلومات وكيف عرفت اسرته بذلك لتقم بنقله إلى الحديدة ومن ثم إلى قريته ، الجند في الشمال الغربية بمديرية الشمايتين. يعاني شاهر السروري حاليا من انهيار نفسي ، فيما تمنع اسرته عنه اللقاءات او السماح لوسائل الإعلام باللقاء به. لم يعي شاهر ابتهاج ابناء قريته بعودته وهم من استقبالوا عودته للقرية بإطلاق الرصاص الحي في الجو تعبيرا عن فرحهم.. لكن ستكشف الايام القادمة تفاصيل جديدة عن ظروف اختفاءه ، وخفايا أكثر من اربعين عام من الاخفاء. هذه الحكاية جزء بسيط من معانة ضخمة تجثم في عدد من البيوت اليمنية وتحتضن ماسيها اماكن الاعتقالات والاخفاء وجزر النفي والالم..