يلف الغموض حقيقة الأوضاع في صعدة وحرف سفيان في ظل إغلاق مناطق المواجهات من قبل طرفي الصراع (السلطة والحوثيين) وعن طريقهما فقط يجري قراءة ادعاءاتهما. وبالتوازي مع استمرار الحرب التي دخلت أسبوعها الخامس في نسختها السادسة تتصاعد تفاعلات القضية خارجيا، فالسلطة التي تتهم إيران بدعم الحوثيين تكثف نشاطها باتصالاتها الدبلوماسية لإقناع دول العالم وخصوصا الخليج بمبررات حربها ضد الحوثيين، طالبة الدعم والمساندة في حين يواصل الحوثيون اتهامهم للسعودية بالتحريض عليهم بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك وهو اتهامها بالمشاركة في الحرب ضدهم بسلاحها الجوي، وتنفي إيران الاتهامات اليمنية التي لم يعلن حتى الآن رسميا عن أدلة ملموسة سوى أداء إعلامها المنحاز للحوثيين وفي بلاغ لسفارة إيرانبصنعاء خاطبت به كل صحيفة على حدة دون أن توجهه للسلطة نفت فيه تدخلها فيما يجري بصعدة وأن ما نشر في هذا الشأن اتهامات كاذبة تخدم مصالح الذين يتربصون للنيل من العلاقات بين البلدين في الداخل والخارج". مساء الجمعة الفائتة أعلنت اللجنة الأمنية العليا تعليق العمليات العسكرية لما قالت إنه استجابة لنداءات منظمات الإغاثة غير أنها وبعد ساعات قليلة اتهمت الحوثيين بخرق قرار تعليق العمليات العسكرية وهو ما نفاه الحوثيون. وعلى ما يبدو فإن صانع القرار واجه ضغوطاً من مناهضي وقف الحرب المسنودين ببيان لعلماء اليمن صدر قبل يوم من قرار تعليق العمليات العسكرية والذي أيد مواصلة الحسم العسكري. وأطلق العلماء بيانهم المؤيد للحرب عقب حضورهم مائدة إفطار في دارة الرئاسة واعتبروا فيه "إن ما يجري في صعدة من قبل عناصر التخريب والتمرد" خطر كبير يهدد الأمة ووحدتها وأمنها واستقرارها". وأضاف البيان "لا شك أن ما يجري في صعدة هو تمرد مسلح خرج فيه مجموعة من المتمردين بالسلاح على الدولة والشعب متجاوزين الثوابت الدينية والوطنية والدستورية والقانونية النافذة ومعززين تمردهم بأفكار غريبة على المجتمع اليمني المسلم تخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة وتعادي أصحاب رسول الله (ص) الذين أوصلوا إلينا هذا الدين وأناروا لنا السبيل ولم يجعلوا ولاية المسلمين حكرا على سلالة معينة، لأن في ذلك تعطيلاً لمبدأ الشورى في الإسلام، كما أن في دعوتهم إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية". وطالب العلماء بفرض هيبة الدولة وتعقب المتمردين وإلقاء القبض عليهم وإنزال عقوبة الحرابة فيهم، داعيا أبناء الشعب إلى المشاركة في التصدي لهم. موقف العلماء هذا أثار حرب تصريحات مع الحوثيين الذين وصفوا في بيان صادر عن مكتب عبدالملك الحوثي علماء اليمن بعلماء السوء ومطاوعة الطاغوت على سبيل استشهادهم برسالة للإمام زيد بن علي إلى الأمة وهو ما اعتبره العلماء تطاولا غير مسبوق وقذفا بينا يندرج تحت جرائم القولية. وبالرغم من ذلك فإن استئناف العمليات ليس استجابة لدعوة العلماء كون تأييدهم لحسم قضية صعدة عسكريا جاء قبل إعلان تعليق العمليات العسكرية، فإذا كان تأييدهم هذا لقي قبولا لدى صانع القرار لما كان ذهب نحو التعليق وهو نفس ما تعامل به مع بيانهم في الحرب الخامسة ويبدو أن قرار تعليق العمليات العسكرية الذي لم يستمر سوى بضع ساعات اتخذ لأجل كسب التعاطف الخارجي خاصة في ظل تصاعد ضغوطاته والحصول على موقف مساند من دول مجلس التعاون الخليجي الذي كان رئيسه متواجدا في اليمن لذات الغرض.. الموقف ذاته سعى الحوثي للحصول عليه حيث أعلن عشية اجتماع وزراء مجلس التعاون الخليجي الأسبوع المنصرم مبادرة لوقف إطلاق النار من جانبه ورفضتها السلطة حينها غير أن إعلانها لوقف العمليات العسكرية قالت في جانب من مبررات اتخاذه إنه بناء على ما أعلنته العناصر التخريبية حول التزامها بإيقاف الاعتداءات على أفراد القوات المسلحة والأمن والمواطنين وإزالة الألغام والمتفجرات والحواجز الترابية وجعلها آمنة أمام حركة السير". وعلى إثره بدأت السلطة التحدث عن دورها المغيب في صعدة (الإعمار والتنمية) لكنها ومع بداية دخول قرار التعليق حيز التنفيذ سارعت لاتهام اتباع الحوثي بانتهاكه ومواصلة أعمالها التخريبية في قطاع الملاحيظ وحرف سفيان في حين كان عدد من مسئولي وزارتي الدفاع والأمن يؤكدون مواصلة العمليات العسكرية، حيث نقل موقع الجيش الإخباري عن نائب وزير الداخلية اللواء الركن صالح الزوعري قوله: إن عصابة التمرد في صعدة عناصر خارجة. عن النظام والقانون لا ينفع معها إلا الحسم العسكري" كما نسب ذات الموقع بيانا للقيادات الشبابية والطلابية في محافظات وجامعات اليمن تؤكد فيه تأييدها "لقرار رئيس الجمهورية القاضي بإنهاء فتنة الحوثية واقتلاعها من الجذور والتي أضحى حسمها مسألة لا تحتمل التأخير أو التراجع وإغلاق الباب نهائيا أمام من يذرفون دموع التماسيح لإيقاف الحرب". بالمقابل نفى المتحدث باسم الحوثي اتهام اللجنة الأمنية لهم باختراق قرار تعليق العمليات العسكرية وقال "نحن لم نخرق الهدنة على الإطلاق وإنما السلطة هي من تنوي الالتواء على ما تعهدت به وأعلنته" متهما "قيادات عسكرية مرتبطة بجهات خارجية ترفض إيقاف الحرب وتحاول الزج بالوطن والجيش والمواطنين إلى وقود حرب لن تنتهي أبدا". ودلل المتحدث باسم الحوثي على التزامهم بوقف الحرب بدعوتهم السلطة لدعوة النازحين إلى العودة إلى مناطقهم ومنازلهم غير أن السلطة سخرت من دعوتهم وقالت إنهم لن يترددوا في استخدام النازحين دروعا بشرية ونسب إعلام السلطة إلى مصادر محلية قولها إن الحوثيين أقدموا على إعدام ست نساء وعشرة أطفال بطريقة بشعة في منطقة ذويب بمديرية حيدان" موضحة أن "عناصر التمرد والإرهاب هاجمت سكان قرية في حيدان وقامت بقتل النساء والاطفال بطلقات نارية في رؤوس وأعناق الضحايا بتهمة التعاون مع القوات الحكومية". وفيما كانت مدينة صعدة شهدت هدوءاً نسبيا عقب إعلان وقف العمليات العسكرية إلا أن المواجهات استئنفت فيها، حيث ذكرت المصادر أن معارك ضارية اندلعت فجر الأحد الماضي وسط المدينة وذلك على إثر إطلاق حوثيين ثلاث قذائف هاون على نقطة عسكرية تابعة لقوات مكافحة الإرهاب ترابط بالقرب من باب السلام. وبحسب ذات المصادر فإن المعارك تتواصل منذ يومين في أحياء التوت والسفال والسوق المركزي بصعدة القديمة وأن عدد القتلى تجاوز العشرين في هذه المواجهات من الطرفين. وأوضحت المصادر أنه عثر السبت على جثث ل(15) حوثيا في مدينة صعدة القديمة وذلك بعد مضي ثلاثة أيام على مقتلهم في اشتباكات وقعت بذات المنطقة ومن بينهم وضاح نصير الذي يعد المطلوب رقم (1) للأجهزة الأمنية داخل المدينة وهو الشخص الذي كشف مصدر عسكري عن مصرعه إلى جانب عناصر أخرى تابعة للحوثي. إلى ذلك قال مصدر عسكري مسئول الاحد الماضي أن وحدات من الجيش أحبطت هجوما للحوثيين على موقع في منطقة الجرائب وأدى ذلك إلى مصرع أربعة من قادة التمرد خلال تلك المعركة التي استمرت أكثر من تسع ساعات. ونقلت وكالة الانباء اليمنية "سبأ" عن المصدر قوله: إن رجال القوات المسلحة والأمن المرابطين في الموقع المذكور تصدوا ببسالة للعناصر التخريبية والحقوا في صفوفها خسائر كبيرة نتيجة للكثافة البشرية للمهاجمين الذين سقطوا بين قتيل وجريح". وأشار المصدر إلى أن وحدات من الجيش والأمن دمرت سيارة تابعة للحوثيين على مدخل وادي الشرج ونجحت في تنفيذ هجوم خاطف ودمرت عدداً من الأوكار التي كان يتمترس فيها عناصر التمرد والتخريب في التباب المطلة على منطقة الصفراء ووادي شرمات". وفيما كانت عدد من الطرق فتحت تمهيدا لتسهيل وصول المواد الغذائية للنازحين فقد أعيد إغلاقها بما فيها الطريق الرئيسي الذي يربط محافظة صعدة عبر مديرية الملاحيظ بمحافظة حجة والمناطق الأخرى.. وفي محافظة عمران أعلنت السلطة القبض على حسين المطهر الذي قالت إنه يعد من أخطر العناصر الإرهابية وقالت: إن أفراداً من القوات المسلحة والأمن ألقوا القبض على المطهر في نقطة مفخاذ بمديرية المدان في عملية نوعية". واتهم مصدر في السلطة المحلية الحوثيين بنهب محتويات سنترال منطقة الطلح من جهته قال عبدالملك الحوثي الأحد الماضي إن السلطة قصفت مديرية حرف سفيان بصواريخ الكاتيوشا والمدفعية" واتهمها في بيان صادر عن مكتبه "بالالتواء على إعلان تعليق العمليات العسكرية واختلاقها معاذير وصفها بالسخيفة وأضاف "تعيش السلطة حالة التردد بين تطبيق إيقاف الحرب على أرض الميدان وبين سيادة قرارها وأصبحت بعيدة كل البعد عن تغليب مصلحة البلد والمواطنين وقد اتضح ذلك من خلال التوائها بسرعة على إعلانها تعليق العمليات العسكرية بساعات عبر اختلاق معاذير سخيفة بأننا من خرق الهدنة كمبرر واه لنكوثها". وقال مصدر عسكري إن ثلاثة من قادة التمرد لقوا مصرعهم السبت الفائت في هجوم نفذته وحدة عسكرية على موقع في منطقة الملاحيظ وهم (جارالله محمد إسماعيل، وعلي عبدربه جبل، وعبدالعزيز العريمي" مشيرا إلى أن القوات المسلحة طورت من تكتيكاتها وأساليبها في مواجهة عصابات التمرد. وقال: إن وحدات متخصصة ذات حرفية عالية في أعمال القنص تقوم حاليا باصطياد عناصر التمرد والتخريب وقنصها في أوكارها وجحورها في أكثر من منطقة وموقع" مؤكدا أنه تم إلحاق خسائر كبيرة بالعناصرالحوثية التي أربكتها أعمال القناصة من الوحدات المتخصصة في هذا النوع من أساليب القتال. وقال المصدر العسكري إن وحدات من القوات المسلحة والأمن دمرت عددا من السيارات المحملة بالسلاح والمواد التموينية للحوثيين وهي في طريقها إلى منطقة دماج، كما تم تدمير نقطتي تفتيش أقامتها تلك العناصر الإرهابية في الطريق المؤدية إلى منطقة المنزالة وتم اقتحام عدد من المواقع التابعة لها في المنطقة ولقي عدد منهم مصارعهم. على ذات الصعيد أكد المصدر العسكري "إن قوة مكافحة الإرهاب تواصل محاصرة خلية نائمة من خلايا عناصر التمرد الحوثية في مدينة صعدة القديمة بعد أن ضيقت الخناق عليها ومنعتها من القيام بأعمال تخريبية حتى تسلم نفسها لأجهزة الأمن" مشيرا إلى أن تلك الخلية النائمة تحتمي ببعض المنازل في المدينة القديمة وتتخذ من المواطنين دروعا بشرية. إلى ذلك شيع مئات المصلين الأحد الماضي في جامع الشهداء بالعاصمة صنعاء جثمان العقيد محمد عبده صالح القحيف قائد معسكر اللواء 105 مشاه واثنين من مرافقيه الذين قتلوا الأسبوع الماضي في المواجهات الدائرة مع الحوثيين بمنطقة الكمب بمديرية الملاحيظ. الجيش الشعبي لا أثر له على الميدان سوى باستقطاعه جزءاً من مؤونة وعتاد القوات المسلحة وكان الشيخ حسين الأحمر أقنع رئيس الجمهورية بجيش شعبي قوامه أربعة آلاف من أفراد قبيلته يقوده هو لمساندة الجيش النظامي في المعارك ضد الحوثيين واشترط صرف رواتب مقدما لهم وسلاح "صرف لكل فرد 30 ألف ريال وسلاح مع الذخيرة" ولم ينطلق منهم صوب مديرية حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران والتي امتدت إليها رحى المعارك سوى النصف فقط أما الآخرون فقد تخلفوا عن المشاركة في المواجهات آخذين ما حصلوا عليه من سلاح وبحسب المعلومات فإن ما يقارب 400 منهم فقط وصلوا إلى الجبل الأسود وبعد أن تمكنوا من التمركز فيه فوجئوا بحصار من قبل أتباع الحوثي الذين شنوا عليهم هجوما من أماكن مختلفة فأصابهم بالذعر وانسحبوا من الموقع. وقالت مصادر مطلعة ل"الوسط" أن أحد نواب رئاسة الأركان العامة قدم إلى الحرف وعاد بحسين الأحمر إلى مدينة عمران. وبالتوازي مع الحرب المشتعلة في صعدة وحرف سفيان تتواصل التدخلات الخارجية فالسلطة التي تكثف اتصالاتها الدبلوماسية بدول العالم لإقناعهم بصحة موقفها وتوجه اتهامها رسميا لإيران بدعم التمرد تنفي تهم الحوثيين للسعودية بالمشاركة في المواجهات، في حين لا مواقف واضحة للأمريكيين والأوروبيين الذين يبدون حرصا بالغا على حياة المدنيين ويشددون على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية للنازحين وتمكين المنظمات الإغاثية من الوصول إليهم بشكل طبيعي، غير أنهم لا يخفون قلقهم من تطورات الحرب. كما يستشف من بياناتهم التي تدعو الطرفين للعودة إلى الحوار أنهم غير مقتنعين باتهامات السلطة للحوثيين بالإرهاب إلا أنهم يرون فيهم متمردين خارجين عن القانون.