منتصف الأسبوع الجاري انتهت اللجنة البرلمانية الخاصة المكلفة بدراسة الحسابات الختامية للموازنات العامة للعام المالي 2008م من إنجاز مشروع تقريرها الذي تتطرق "الوسط" لأهم ما جاء فيه من اختلالات مالية وحالات فساد بمئات الملايين والبداية من الملاحظات المرصودة على استخدامات الموازنة العامة واستخدامات السلطة المركزية. يقول التقرير إن الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2008م تعد أكبر موازنة عامة في تاريخ اليمن على الإطلاق حيث بلغ الإنفاق الفعلي منها حوالى 2.3 ترليون ريال وشكل ما نسبته 39% من الناتج المحلي الإجمالي وهو بخلاف الإنفاق من موازنات وحدات القطاع الاقتصادي العام والمختلط وكذا الإنفاق من الموازنات المستقلة والملحقة والصناديق الخاصة" ويؤكد التقرير بأن الإنفاق العام من تلك الموازنات وبهذه المبالغ الكبيرة لم يكن عند المستوى الذي يتحقق معه التأثير في النشاط الاقتصادي وفقا لما هو مستهدف في البيان المالي 2008م، وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر (2006-2010م)، مشيرا إلى أن ما تحقق من نمو اقتصادي لم يتجاوز ما نسبته 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالمعدل المستهدف والمحدد ب(5.4%). كما لم يشهد العام 2008م تحقيق تحسن في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الهامة الأخرى وخصوصا في جوانب التشغيل والحد من معدلات البطالة والفقر وذلك بسبب ضعف الارتباط والتكامل بين خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعي وبين الموازنات العامة التي تعد البرنامج التنفيذي السنوي للخطة وهيمنة الإنفاق الجاري على تلك الموازنات وكذا بسبب عدم إدراك الجهات الحكومية لأهمية قيامها بالتخطيط السليم والكفء للإنفاق العام وتوجيهه نحو المجالات ذات الأولوية. ويوضح تقرير اللجنة بأن التنفيذ الفعلي لموازنة 2008م ساهم بشكل كبير في تكريس وتعميق الاختلال القائم بين الإنفاق الجاري والإنفاق الرأسمالي والاستثماري والذي كان متحيزا لصالح الإنفاق الجاري "حيث ارتفعت النفقات الجارية في عام 2008م بنسبة كبيرة بلغت 38% مقارنة بالعام 2007م لتصل قيمتها إلى 1866 مليار ريال والذي يمثل ما نسبته 83% من إجمالي هيكل الإنفاق العام ونسبة 33% من الناتج المحلي الإجمالي متجاوزا النسبة المستهدفة بخطة التنمية الثالثة البالغة 24%" ويؤكد التقرير بأن استمرار هذا الاختلال المتفاقم يتعارض مع سياسات وإجراءات الإصلاح الاقتصادي والمالي الهادفة إلى احتواء نمو النفقات العامة والجارية. تبين للجنة من خلال نتائج تنفيذ موازنة 2008م حدوث تراجع في حجم الإنفاق الاستثماري الفعلي والذي حقق نموا سالبا بلغ 6.7% خلال العام 2008م مقارنة بعام 2007م والذي تراجع إلى حوالى 381 مليار ريال الأمر الذي أدى إلى تراجع الأهمية النسبية للجانب الاستثماري في هيكل الاستخدامات العامة للموازنة إلى حوالى 17% بعد أن كانت تلك النسبة بلغت 22% في العام 2007م مبتعدا كثيرا عن النسبة المستهدفة في الخطة الخمسية الثالثة والبالغة 30%. ورأت اللجنة أن التراجع في الإنفاق الاستثماري الحكومي على هذا النحو يعد مؤشرا على عدم الإدراك للا-مية والدور الذي يحتله الإنفاق الاستثماري في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولاحظت اللجنة البرلمانية في تقريرها وجود انحرافات كبيرة بين الإنفاق المخطط في الموازنة والمنفذ فعلا "حيث يتجلى ذلك من خلال تحقيق الموازنة العامة للدولة 2008م لصافي وفر كبير في استخداماتها بلغت قيمته (271.9) مليار ريال وبنسبة 10.8% من إجمالي الاعتمادات المرصودة في الموازنة" واتضح أن الباب الرابع من الموازنة (اكتساب الأصول غير المالية) والمتعلق بالإنفاق الاستثماري كان أكثر أبواب الموازنة العامة للدولة وفرا. واستغربت اللجنة مجيء وزارتي المالية والتخطيط بين الجهات التي حققت وفورات في مشاريع البرنامج الاستثماري وهما الجهتان المسئولان عن تخطيط وبرمجة الجانب الاستثماري على مستوى الدولة وتوفير التمويل المحلي والأجنبي والتي كان من المفترض أن تتسم تقديرات موازناتها الرأسمالية والاستثمارية وتنفيذها خلال العام بقدر عال من الدقة والكفاءة والعمل على توفير كل المتطلبات والقيام بكل الإجراءات اللازمة لتنفيذ مشروعاتها الاستثمارية من استكمال الدراسات والتصاميم وإعداد المناقصات وإبرام العقود في أوقاتها المحددة وغيرها من المتطلبات والشروط التي يترتب على عدم توفرها عدم وفاء الممولين بالتزاماتهم وعند الاعتماد الإضافي قالت اللجنة أن طلب فتحه كان مبالغ فيه ولا يستقيم مع أحكام المادة 31 من القانون المالي التي تشترط أن يكون الاعتماد في أضيق الحدود وينحصر على الحالات الضرورية والطارئة التي لا سبيل لتجاوزها. وأسفر التنفيذ الفعلي لموازنة 2008م على المستوى القطاعي عن إنفاق 386.1 مليار ريال على قطاعات (التعليم، الصحة، والخدمات الاجتماعية) بما نسبته 17.2% من الهيكل الإجمالي للاستخدامات وبنسبة 9.8% م الناتج المحلي الإجمالي وبحسب التقرير فإنه لا شك في أن هذه النسب المحققة تبتعد كثيرا عن المستهدف في الخطة الثالثة للتنمية والتخفيف من الفقر. لاحظت اللجنة الصرف على مشاريع غير مدرجة بالموازنة العامة 2008م رغم التوصيات المتكررة من المجلس في هذا الجانب.. حيث بلغ عددها خلال عام 2008م للسلطتين المركزية والمحلية 7360 مشروعا وبلغ المنصرف عليها حوالى مبلغ 14.9 مليار ريال في حين لم يتم تنفيذ 3017 مشروعا مدرجا بالموازنة والمقدر اعتماداتها بحوالى 106.5 مليار ريال بالإضافة إلى استمرار تعثر تنفيذ عدد 819 مشروعا بلغ المنصرف عليها حتى نهاية 2008م حوالى مبلغ 38.4 مليار ريال وعلقت الحكومة على هذا التجاوز بالقول إنه يتم إعطاء الأولوية في التنفيذ لمشاريع استراتيجية وضرورية وملحة على حساب مشاريع معتمدة وفي إطار اعتمادات الجهة وليس خارج البرنامج الاستثماري" وأن أسباب عدم الصرف للمشاريع المعتمدة يعود إلى الجهات لتحديد الأسباب التي حالت دون تنفيذ تلك المشاريع. غير أن اللجنة البرلمانية إن هذا يعني أن ما تدرجه الحكومة سنويا في البرنامج الاستثماري للموازنة العامة للدولة والتي تقدم لمجلس النواب من مشاريع ليست ضرورية وملحة وأن المشاريع والاستراتيجية والضرورية إنما تحددها أجهزة الحكومة عند تنفيذها للموازنة وترى اللجنة بأن هذا المنطق غير مقبول إطلاقا. لاحظت اللجنة أن المبلغ المرصود في الاعتماد الإضافي لموازنة 2008م لمواجهة كارثة السيول في محافظة حضرموت والبالغ 20 مليار ريال لم يصرف بالكامل وتم تحقيق وفر بمبلغ يزيد عن أربعة مليارات ريال، كما لم تحصل اللجنة على بيانات عن حجم المعونات والمنح المقدمة باستثناء ما جاء في رد وزارة المالية والذي تضمن الإشارة إلى المنحة المقدمة من هيئة التنمية الدولية بمبلغ 35 مليون دولار والتبرعات المحلية بمبلغ 1.2 مليار ريال. وذكرت اللجنة أن عدداً من الاختلالات رافقت تنفيذ البرنامج الاستثماري للسلطة المركزية أبرزها: - تدني استخدام المواد المتاحة للإنفاق الاستثماري وعلى وجه الخصوص من المصادر الخارجية. - الصرف على مشاريع دون أن يكون لها اعتمادات مرصودة في الموازنة وقد بلغ عدد هذه المشاريع 167 مشروعا وصل ما تم الإنفاق عليها نحو 11.6 مليار ريال. - بلغ عدد المشاريع الاستثمارية المنفذة 1250 مشروعا من إجمالي عدد المشاريع المعتمدة في الموازنة البالغة 2660 مشروعا. - استمرار تعثر المشاريع الاستثمارية. وانتقد التقرير التصاعد المستمر في قيمة الفوائد المحلية والتي تتحملها الموازنة العامة للدولة كرسوم على أذون الخزانة والتي بلغت خلال العام 2008م 115 مليار ريال فضلا عن الارتفاع المستمر في نفقات اكتساب المركبات ووسائل النقل التي وصلت قيمتها إلى 5.2 مليارات ريال خلال عام واحد، متجاوزة المعتمد في الموازنة بمبلغ 2.5 مليار ريال وبنسبة تجاوز بلغت 90% وهو ما يتعارض مع توجهات الحكومة في ترشيد الإنفاق والحد منه. ولاحظت اللجنة من خلال وقوفها أمام عدد من الاختلالات والمخالفات التي أظهرها الجهاز المركزي للرقابة والمحسابة في تقاريره التفصيلية على مستوى الجهاز أن تلك المخالفات والاختلالات قد لازمت أداء أغلب الجهات المشمولة في الموازنة العامة وشكلت سمات وظواهر عامة مشتركة فيما بينها، مشيرا إلى أن تلك المخالفات تتمثل في الآتي: - ضعف وقصور في نظام الرقابة الداخلية. - القيام بتجزئة عمليات الشراء بغرض تغيير طريقة الشراء. - قيام لجان المناقصات ورؤساء بعض الجهات بتنفيذ عمليات شراء بالأمر المباشر رغم تجاوز سقوفها المالية للصلاحيات القانوينة لتنفيذها بتلك الطريقة إضافة إلى القيام بتنفيذ عمليات شراء دون إعداد مقايسة سنوية. - قيام بعض الجهات بصرف مبالغ لمواجهة أغراض شخصية لا تمت بصلة لمهام واختصاصات الجهة.