كتب/المحامي/محمد الصوفي قال هدسون:" قامت الوحدة على صيغة للمشاركة في السلطة بصورة متساوية وفق آليات الديمقراطية والنظام القانوني، غير ان مخاوف الحزب الاشتراكي وهو الشريك الجنوبي للوحدة تتمحور حول ما يخفونه من شكوك عميقة حول ما اعتبروه مؤسسات شمالية منغلقة واقعة تحت السيطرة القبلية، وان المشكلات التي تواجه الوحدة والحزب الاشتراكي هي التخلف والقبلية والطائفية والاختلافات الاجتماعية الاقتصادية وبصورة خاصة التطرف الديني الذي يرى في الحزب الاشتراكي عناصر خائنة وكافرة على حد تعبير العطاس وهو ما اكده سياسيون آخرون من الجناح اليساري، وكانت عقيدة القيادة في الحزب الاشتراكي اليمني انهم سوف يظلون على الاقل شركاء متساوين مع نظام المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، اما جار الله عمر فقد رأى ان كل طرف من اطراف الوحدة اراد ان يقضي على الطرف الآخر لكن بعد الوحدة اصبح الطرفان اكثر واقعية وصار بالامكان الالتقاء في منتصف الطريق، لكن الملاحظات تتضمن الافتراض بان كل حزب يظل لاعبا متميزا وهكذا فان الوحدة لم تعن اندماج هذين المركزين المتطورين للنفوذ، وعندما سئل عما اذا كان محتملا ان تسوء الامور ثانية بسرعة اجاب اجل، هذا محتمل لكنه كان مستعدا لخوض تجربة الوحدة المحفوفة بالمخاطر، لأن الديمقراطية اصبحت بدرجة اكبر ظاهرة دولية تمتد حتى الى بعض الدول العربية، اما الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيس مجلس النواب في دولة الوحدة -وهو احد قادة الحزب الاشتراكي ويحظى بالاحترام الذي رأى ان يلعب مجلس النواب دورا رئيسيا اذا كان الهدف تجنب حدوث عنف سياسي مستقبلي- فقد كان للحزب الاشتراكي برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي يأملون في انه سيطغى على السياسة الشمالية كالقبلية والفساد والتخلف، ولم يتواروا عن مخاوفهم في الوقوع تحت سيطرة اسلوب الشمال الذي لا يحظ باحترامهم، كما كانوا قلقين على نحو خاص من القدرات المتزايدة للحركة الاسلامية الجديدة المتنامية، ومع ذلك ربطوا مصيرهم بعلي عبدالله صالح ورأوا فيه خيارا منطقيا، ومجازفة مدروسة، ولكن تبين لهم في نهاية المطاف انهم كانوا مخطئين، وقد كشف رئيس الوزراء العطاس عن مناعة نظام علي عبدالله صالح ضد التحديث وان نظام الشمال مصمما على تقليص دور الحزب الاشتراكي بكافة الوسائل الممكنة، وان العطاس يشك في النوايا الحسنة لعلي عبدالله صالح، واشتكا من ان الشماليين منذ البداية ارسلوا عدد اكبر مما كان مسموحا به من القوات العسكرية والامنية والموظفين المدنيين الى الجنوب وان ثكنات قوات الامن المركزي الشمالية في عدن تقدم الغداء لألفي عنصر والعشاء لخمسة آلاف وكشف من ان الرئيس علي عبدالله صالح قد هزئ مرة تلو الاخرى منذ عام 1990-1993 من جهود الاصلاح الاداري والتطوير الاقتصادي (برنامج البناء الوطني والاصلاح) الذي اقره البرلمان في ديسمبر 1991 الذي واجه تجاهل الرئيس صالح، بل ان الرئيس عمد الى اتخاذ قرارات اقتصادية بالتوجه مباشرة الى وزير المالية متجاهلا مجلس الوزراء، كما وجد وزراء الحزب الاشتراكي -والقول للعطاس- ان القرارات الفعلية في وزاراتهم كان يتخذها المديرون العامون من اعضاء حزب المؤتمر الشعبي التابع للرئيس صالح، كما كان الامر مماثلاً في المؤسسات العسكرية والامنية مما اعاق تنفيذ عملية الاندماج العسكري، وقد رأى الاشتراكي ان القوات المسلحة الشمالية كانت تتلقى تدريبات عسكرية من ضباط عراقيين قدموا الى صنعاء بصفتهم معلمين، وقد عبرت القيادة الاشتراكية عن تذمرها من اعمال العنف التي بدأت عام 1991 والتي رأوا فيها بانها كانت تستهدف الموظفين الرسميين واقرباءهم في الاشتراكي، وكانت الازمة الاولى وراء الاندلاع المفاجئ للعنف عام 1991 بحسب ما وصفه احد الصحفيين الغربيين. والازمة الثانية كانت عام 1992 وشملت سلسلة من الاغتيالات والتهديدات طالت مسؤولي الحزب الاشتراكي اما عام 1993 فقد اغتيل شقيق العطاس غير السياسي كما اصابت قذيفة صاروخية منزل الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيس مجلس النواب وعندما طلبوا من الرئيس تفسير ذلك النهج القى باللوم على "عناصر اجنبية"، وتوالت عملية الاغتيالات للعناصر العسكرية والقيادية وهو ما دفع بقيادة الاشتراكي العودة الى عدن وترك عاصمة دولة الوحدة، وكانت العناصر الاشتراكية وراء تحشيد لطاولة الحوار الوطني التي انتهت الى اعداد "وثيقة العهد والاتفاق" وهي الوثيقة التي تناولت كافة القضايا الحساسة : الامن والاصلاح الاداري واللامركزية ...الخ وهم يدركون بانهم لا يثقون بتوقيع رئيس الجمهورية على تلك الوثيقة وانهم قد بدأوا بصورة جدية للعمل على الانفصال وتحريك الدعم الاقليمي وبشكل خاص الدعم السعودي والذي من اجل تحقيق تلك الغاية سافر علي سالم البيض الى الرياض والكويت بعد توقيع وثيقة العهد في عمان وان عقيدة الانفصال قد كشف عنها الاشتراكي للمبعوث الخاص في مجلس الامن الاخضر الابراهيمي، كما اتهم الاشتراكي الرئيس صالح باعلانه الحرب في 27 ابريل 1994. اما الرؤية الشمالية لاسباب الحرب فقد كانت فكرة المؤآمرة هاجس الرئيس صالح واعوانه في صنعاء وان مؤامرة تفكيك الوحدة اليمنية قد وضعت بالفعل في جنوا في ايطاليا عام 1992 في اجتماع ضم قياديا بارزا من الحزب الاشتراكي ومسؤولا رفيع المستوى "خبيرا في حل النزاعات الخارجية" وان الحزب الاشتراكي قد عمل منذ مايو 1993 باستخدام طيران اليمن الجنوبي سابقا بنقل اسلحة خفيفة الى عدن لدعم جيش الحزب وقد رأى الشماليون انه بحلول يناير 1994 كانت خطة الانفصال جاهزة تماما للتنفيذ، كما لاحظت اجهزة المخابرات في صنعاء تزايد كميات العتاد الحربي التي كانت تصل بصورة منتظمة الى مناطق الشطر الجنوبي، بالء المدرعة واتجهت الشكوك نحو بعض الدول العربية "السعودية" كما اكد القادة الشماليون ان ما زعم حول زيارة علي سالم البيض الى امريكا للعلاج في اغسطس 1993 ما كانت إلا لهدف لقائه في البيت الابيض مع نظيره الامريكي آل غور والتي استنفرت الشماليين، لأن تلك الزيارة غير البرتوكولية قد هدفت الى محاولة انتزاع الدعم الامريكي للانفصال(1)، كان الوضع الاجتماعي في اليمن قد اتسم بزيادة مساحة الفقر وزاد حجم البطالة الى 36%، وخسر الريال اليمني 30% من قيمته خلال السنة الاولى للوحدة، وازداد ضعفا، فقد كان الدولار الواحد يعادل ثلاثة عشر ريالا اثناء اعلان الوحدة وبلغ 36 ريالاً في شباط فبراير 1994 وتسارع هبوط الريال اكثر الى خمسة وسبعين ريالا عند اندلاع الحرب الاهلية كما شهدت تعز مظاهرات وحوادث شغب اقتصادية كتعبير عن السخط على سلطة الرئيس علي عبدالله صالح الحاكمة(2)، كان انحطاط العملة الوطنية امام الدولار قد جاء نتيجة قيام الرئيس صالح بضخ مخزونات العملة واعادة طباعة العملة لعدة مرات لتغذية متطلبات الازمة وشراء الذمم للقادة العسكريين ومشايخ القبائل والانفاق على مجاميع القوى الدينية فضلا عن تحييد العناصر الوطنية والمتحالفة مع الحزب الاشتراكي، كان علي صالح يغذي الساحة بوقود الاشتعال بينما مارس الحزب الاشتراكي لعبة التحشيد والتحالف واغراق عصبة علي عبدالله صالح بمستنقع الفساد، فقد كان التسارع نحو الحرب عقيدة غائية مضمرة لنظام صنعاء الذي تماهى مع النزوع الغربي، فقد وصف هدسون ذلك قائلا:"من بين التحديات العديدة التي واجهت مؤسسة صالح كانت ثلاثة تحديات رئيسية اولاها الحزب الاشتراكي وثانيها نهجه في وثيقة الاصلاح الاقتصادي وثالثها سيطرة الحزب الاشتراكي واحتفاظه بالقوات المسلحة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية خاصة لما يتمتع به الحزب من موقع سيطرة وسيادة في الجنوب لا زالت تحافظ على نفسها"(3) ويعز هدسون الى ان البواعث التي اوردها الخبير الفرنسي في شؤون الشرق الاوسط، "بيار رندو" في بحثه حول لبنان في الاربعينيات بين "الوطن الشرعي" و"الوطن الحقيقي"، كما نحتاج الى النظر الى ما وراء السلوك الظاهري للفاعلين الرئيسيين والى الاطار المؤسساتي الذي يعملون فيه "بشكل اسمي على الاقل" للتوصل الى الاسباب الكامنة وراء السلوك السياسي للدولة، كما اننا نحتاج للنظر في العوامل التي تشكل سلوك المؤسسات والافراد الذين يستحوذون على النفوذ الفعلي، فهل ان بنية السلطة واشكالها في البيئة المحلية تساعد على تفسير سبب لجوء "الذين يلعبون اللعبه" الى العنف لحل خلافاتهم؟"(4) ان ما اورده هدسون يحيلنا الى قواعد وفنون ادارة العصبة الحاكمة في العالم الثالث وكيفية تعاطي الغرب معها، وظاهر من مدخل هدسون للازمة في اليمن فانه يعزيها الى الطابع الصراعي الاثني من خلال ايراده المصطلح السياسي لمفهوم الوطن الشرعي والوطن الحقيقي، كذلك ما اورده لتوضيح ذلك الاصطلاح بقوله الاطار المؤسساتي الذي يعملون فيه بشكل اسمي على الاقل واخيرا تأكيد ذلك المنحنى الفكري لتوصيف اسباب الحرب الاهلية في اليمن بقوله سبب لجوء الذين يلعبون اللعبه الى العنف لحل خلافاتهم، تلك المقدمة التي فتحها هدسون قبل ولوجه في توصيف الازمة في اليمن تعكس الاتجاه الفكري والايديولوجي والسيكولوجي والسوسيولوجي التي انتهجها الغرب وعمم مفرداتها على سلوك سلطة الرئيس على عبدالله صالح بحيث يتمكن الغرب من ممارسة حالة من استلاب الوعي لدى الرئيس علي صالح وتصويره على انه لا يتمتع بمشروعية الحكم لليمن رغم انه قد نال الاعتراف الواقعي لسلطته وعلى هذا فقد تمكن الغرب من نقل العناصر الخلافية لدولة الوحدة من اطارها السياسي الى منطقة الغرائز البدائية لتدمير النسيج النفسي للرئيس علي صالح ودفعه باتجاة استنهاض غرائز العداء والكراهية ضد شريكه في الوحدة، ذلك الشريك الذي تم تصويره كما لو انه يسعى وراء شرعنة سلطته في دولة الوحدة، وهذا الامر قد نقل نظام صنعاء الى مرحلة العصابية والتماهي مع المشروع الغربي الذي شكل الفضاء النفسي للسلطة في الشمال الخاضعة اصلاً للنظام الابوي الغربي وتجسيدها الاسمي للتبعية كما اراد وصفها هدسون، وهو امر لم يسبق اثارته من قبل اليمنيين بصورة مطلقة، ذلك ان حالة التسامي والتماهي للوعي العربي واليمني بصورة خاصة ارتفع في تعاطيه مع النسيج الاجتماعي وتمدد وتقوى عبر التشابك الاجتماعي الذي ذابت لديه القيم السلبية الاثنية، وبالتالي فان قيادة صالح لحكم اليمن قد نالت الرضا والقبول، ويكفي ان ندلل على ما حازه الرئيس صالح حين قدم الى تعز بعد توقيعه على اتفاقية الوحدة في 22 مايو 1990 رأينا كيف ان الشعب والجماهير المحتشدة التي لم تقتنع بالتعبير عن امتنانها ورضائها لزعامة صالح لكنها ذهبت في التعبير عن مشاعرها برفع صالح مع عربته على سواعدهم لتجسيد ذلك القدر الكبير من الحب والولاء لقيادته، على كل حال فان ما اورده هدسون من تذمر الرئيس صالح من امتلاك الحزب الاشتراكي لبنية تنظيمية وبشرية تشكل خطورة عليه بالاضافة الى تذمره من جيش اليمن الديمقراطي الحسن التدريب وبرنامج الاصلاح الاقتصادي وحقيقة الامر ان تلك الاهداف ليست إلا اهدافاً غربية صرفة انيط بالرئيس صالح التعامل معها بالوكالة عن الغرب، كون الجيش الوطني يعيق الخيار الصفري كما يطلق عليه اصطلاحاً وهو ما يعني ضخ الموارد النفطية لمصلحة الامبراطوريات الغربية وحرمان الشعب من موارده السيادية، حيث يدافع الجيش الوطني وهو الحارس الأمين لموارد الامة وثرواتها، وقد رأينا إبان ثورة 26 سبتمبر 1962. *هوامش: 1 - دراسة الحرب في اليمن عام 1994، مايكل س.هدسون، الفصل الاول ص19-39- 2 - نفس المرجع ص34 - 3 - نفس المرجع ص32- 4 - نفس المرجع ص19 رئيس المركز الاستشاري النفطي [email protected]