جاءت ذكرى ثورة 14 اكتوبر لتكشف عن تواصل الخلافات الجنوبية الجنوبية وخاصة تلك المتعلقة بتباين المواقف من طريقة النضال بشأن حل القضية الجنوبية والمنقسمة بين من ينادي بفك الارتباط ومن يرى بحل في ظل الوحدة. وفيما توحدت جمعتا الستين والسبعين في صنعاء، على الاحتفال بثورة 14 أكتوبر، شهدت الساحات الجنوبية جدلا كبيرا بين مكونات الاستقلال من جهة او بينها وبين الجنوبيين المؤيدين لخياري "الستين" او "السبعين" في صنعاء. ووسط تجاهل اعلامي للاحتفالات التي تنادي بالاستقلال، فقد نقلت وسائط الانترنت وعبر بث مفتوح احتفالات حاشدة للحراك الجنوبي في حضرموت وشبوه والضالع ولحج وعدن، وشهدت الاخيرة تنافسا بين مؤيدي الاستقلال ومؤيدي الوحدة. وفيما اغلقت السلطات مداخل مدينة عدن، اتهم مكونا الاحتفالات بعضهما البعض بالتنسيق مع السلطات. حيث قال الحراك الجنوبي ان السلطات نسقت مع حزب الاصلاح على استقدام الاف من المحتفلين من المحافظات المختلفة قبل موعد الاحتفال، قبل ان تغلق مداخل المدينة. واتهم نشطاء جنوبيون مؤيدون للثورة في صنعاء، السلطة بالتنسيق مع الحراك في حضرموت. وانتقد الرئيس علي سالم البيض، خلافات الجنوبيين على مكان الاحتفال، داعيا ان تبدأ من ردفان صباحا وتنتقل الى عدن مساء كما كانت عادة الدولة في الاحتفال بثورة شعبها، وطالب الجنوبيين بالتوحد، حول الاستقلال، كهدف موحد، وحول حق القوى في التباين والاختلاف دون ماهو ذلك، وقال: "ما هو خلاف (الاستقلال) فسوف يبقى لنا الحق في ان نتمسك بخيارنا ونهجنا كقوى وطنية تتميز عن باقي القوى الوطنية بخيارها وتوجهها ولا تنكر في نفس الوقت دور باقي القوى ولا تلغيها ولا تستعلي على أحد منها". وقال: "اننا كنا في الخارج ولا زلنا نتمنى ونرجو ان تتفق معنا مختلف القوى السياسية الجنوبية بشكل واضح وقاطع لا لبس فيه فيما يخص هدفنا الوطني المشروع وهو الاستقلال واستعادة سيادتنا على ترابنا الوطني، وهي الحالة المثلى ان كنا ولازلنا نأمل الوصول إليها من قبل الجميع، والتي سوف تجعل الفرصة أمامنا جميعا مواتية لتحقيق الاصطفاف الوطني الكامل والحقيقي بعيدا عن اي حسابات او نزعات ذاتية او حزبية او مناطقية"، وقال: "ونحن نعلن أمامكم ونشهد الله على ذلك بأننا لن نكون الا مع ما يتفق عليه ابناء الجنوب جميعا شريطة ان نصطف جميعا تحت سقف مطلب شعبنا في حريته واستقلاله وسيادته على أرضه". وعبر الرجل في كلمته التي وجهها بالمناسبة عن "استغرابه ودهشته" مماقال انه "تحميلنا بالتساوي مسئولية عدم الاتفاق او التوصل الى تشكيل قيادة جنوبية موحدة مع مختلف القوى السياسية الجنوبية"، محملا المسؤلية "القوى الجنوبية (التي) تتمسك بخيار الفيدرالية صراحة في إطار الدولة اليمنية الواحدة". قائلا انه ضد التنازل "عن هذا الخيار المقدس في سبيل ان تتشكل قيادة موحدة". مذكرا بقوله "لقد اعلنا أكثر من مرة اننا لن نكون الا مع الخيار الذي يختاره شعبنا، وان المراكز والمناصب القيادية لا تعنينا ولا تهمنا في شيئ، وإننا على استعداد كامل وفي اي لحظة للتوافق مع مختلف القوى الجنوبية تحت هذا الخيار الوطني دون قيد او شرط". مؤكدا "الاحترام والاعتراف بجميع الأطراف الجنوبية دون استثناء" قائلا ان ذلك "نهج يلبي ما تتطلبه قواعد الديمقراطية وتهيئة البيئة الوطنية لثقافة سياسية جنوبية جديدة". وقارئا الاية القرانية "ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله"، اعتبر البيض ان "الأحداث تتسارع – تماما كما توقعناها – في خطاباتنا السابقة، وعلى النحو الذي يصب في صالحنا وفي صالح نصرة قضيتنا الوطنية العادلة". وقال: "إن قليلا من التمعن في مجريات الأحداث وتطوراتها وتداعياتها الراهنة، خاصة على صعيد قضيتنا الوطنية سوف ينتهي بنا الى نتيجة ايجابية بكل المقاييس والحسابات، اذ ان جميع المؤشرات والدلائل تؤكد وتشير بشكل واضح الى حدوث تقدم حقيقي ل"قضية الجنوب" في مسارها التحرري نحو الاستقلال والحرية، والى تخطيها لمراحل صعبة وعسيرة، ما كان لأكثر المتفائلين منا أن يضعها في يوم من الأيام ضمن حساباته وتحليلاته لمجريات ونتائج الأمور السياسية على الصعيد الوطني وعلى صعيد قوى الاحتلال اليمني ومواقفها وتماسكها على أرضنا المحتلة". وقال: "لقد مكروا بنا وبالجنوب وبشعبنا الطيب الكريم . ولقد غدروا بنا وتفننوا في الغدر.. وكادوا بنا .. وأحسنوا الكيد .. وتآمروا علينا .. وأجادوا التآمر، ولكن الكيد والمكر والتآمر والغدر ارتد الى نحورهم أجمعين". مضيفا: "ها نحن اليوم نتابع كيف محق الله أفعالهم واشغلهم بأنفسهم .. وها نحن اليوم نراقب ونتابع اعترافاتهم المتتالية غير المنتهية ضد بعضهم البعض بجميع جرائمهم البشعة التي ارتكبوها جميعا في حق وطننا وشعبنا، ويأبى الله عز وجل الا ان يفضحهم بألسنتهم وبأفواههم ليقدموا للعالم اعترافاتهم البشعة الموثقة بحجم الانتهاكات والجرائم الخسيسة وبالكيفية التي تآمروا بها على الجنوب ودولته وشعبه". ودعا القيادي العميد "ناصر علي النوبة" أبناء الجنوب والحراك السلمي التحرري بكل مكوناته للمشاركة الفاعلة في "جمعة احتجاج على الإعلام العربي المغيب لفعاليات ثورة شعب الجنوب التحررية السلمية". على حد قوله. وطالب "النوبة" في بلاغ صحفي التوجه والاحتشاد في ساحة الشهداء في المنصورة – عدن حيث ستقام خطبة وصلاة الجمعة إلى جانب تنظيم وقفة احتجاج على دور الإعلام العربي الذي يتعمد تغييب قضية شعب الجنوب ولا ينقل فعاليات ثورته التحررية السلمية. وقال العميد الذي يشغل منصب رئيس ما يسمى بالهيئة الوطنية العليا للاستقلال رئيس مجلس التنسيق الأعلى لجمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين قال : "إن هدف الفعالية توجيه رسالة احتجاجية على الصمت المزري من قبل وسائل الإعلام العربية لما يجري لشعبنا من مآسي ومن مجازر يندى لها الجبين منذ حرب احتلال الجنوب في 7/7/1994م. بحد تعبيره. وأكد البيان على دعوة الجماهير إلى رفع الرايات السوداء إلى جانب أعلام دولة الجنوب ووضع أشرطة سوداء على الأفواه تعبيرا على حجب صوت شعب الجنوب في وسائل الإعلام العربية ولم يتم الالتفات إلى ثورة شعب الجنوب بالرغم أنها أول ثورة شعبية سلمية اندلعت في الوطن العربي في 7/7/2007م تطالب بتحرير واستقلال الجنوب. على حد وصفه. وأضاف البيان: إننا نطالب مكونات الحراك السلمي الجنوبي التحرري في أن تتحمل مسئوليتها المشتركة في حشد الجماهير لإنجاح هذه الوقفة والاعتصام الاحتجاجي. وأختتم البيان بالقول: نؤكد أن شعب الجنوب يستغرب صمت الإعلام العربي الذي يفترض أن يكون محايدا وينقل الحقائق كما هي لا كما تملي عليه، وكان عدد من القيادات في الحراك الجنوبي قد ابدوا غضبهم مما مارسته القنوات الإخبارية في ذكرى 14 أكتوبر وعدم الإشارة للفعاليات التي أقيمت في عدن وردفان وحضرموت. وفي سياق آخر انتقد الرئيس علي سالم البيض تجاهل "جهود مجلس الأمن الدولي ومبادرة مجلس التعاون الخليجي" للقضية الجنوبية "في تناولهما للأزمة في اليمن"، وذكر في رسالة بعث بها للأمين العام للأمم المتحدة ، بالتزامن مع جلسات المجلس عن اليمن بقراري "مجلس الأمن الدولي برقمي (924) و(931) في يونيو 1994م وبمبادرة خليجية مصرية أثناء حرب صيف 1994م طالبوا فيهما بحل للأزمة بين الشمال والجنوب وإبقاء هذا الملف قيد النظر". وقال البيض في رسالته إن "الأزمة اليمنية الراهنة هي أزمة نظام سياسي وصراع على السلطة بشكل رئيسي في شمال اليمن بين القوتين نفسها اللتين تحالفتا حينها في شن حرب صيف 1994م على الجنوب". وفيما تمنى "التوصل إلى صيغة حل لأزمة النظام السياسي والصراع على السلطة في شمال اليمن"، قال: "إن غياب أي حل سلمي سريع للقضية الجنوبية لن يؤدي إلى السلام والأمن والإستقرار في جنوب شبة الجزيرة العربية من باب المندب حتى خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي الذي تطل عليهما حدود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا". وطالب المجلس بصفته "رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي أعلنت في 21/ مايو/ 1994م بفك الإرتباط لدولة الوحدة مع جمهورية العربية اليمنية كرد فعل للحرب التي أعلنها الرئيس علي عبدالله صالح على أراضي الجنوب في 5 مايو 1994م والذي أنهى بذلك الوحدة الطوعية التي وقعت شخصيا على إتفاقيتها مع الرئيس / صالح في 22/ ابريل /1990م بصفتي ممثلا عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أن أطلب منكم الأتي:- 1-إستنادا إلى قراري مجلس الأمن آنف الذكر نطالب أن يكون حل القضية الجنوبية كقضية بذاتها مختلفة عن حل الآزمة اليمنية الراهنة لإختلاف طبيعتهما. 2-إستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لمقعدها في الأممالمتحدة الذي انضمت إليها في 12/12/ 1967م ، والذي في 22/ مايو/ 1990م حين تم إبلاغ مجلس الأمن بإعلان الوحدة كان الجنوب عضوا غير دائم فيه أحتلت الجمهورية اليمنية مقعده في المجلس. وعلى عكس ما يطالب البيض من فك للإرتباط ، قال الرئيس علي ناصر محمد ان أي حل لقضية الجنوب يجب ان يكون ملبياً لآمال وتطلعات أبناء الجنوب موضحاً انه يأمل بأن النضال السلمي الذي يخوضه الشعب في الشمال والجنوب لإسقاط النظام العائلي المستبد الملطخة أياديه بدماء الشهداء الأحرار والثوار سوف ينتج أوضاعاً جديدة، ومتغيرات ايجابية لاستعادة الوجه المشرق لثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين وللمشروع النهضوي الحضاري للوحدة اليمنية. وقال ناصر في مقال صحفي نشرته صحيفة "الوفاق" الاسبوعية الصادرة من محافظة عدن إن الحراك الجنوبي السلمي الشعبي وعملية التصالح والتسامح أنتجا واقعا جديداً وهي ثقافة المقاومة السلمية والحراك السلمي الذي نشهده اليوم. وتطرق ناصر في مقالته إلى بعض سلبيات الدولة الجنوبية التي قامت بعد ثورة 14 أكتوبر بالقول: "وإن كان لابد من الحديث عن بعض سلبياتها فإنني أشير بإيجاز إلى أهمها على الإطلاق وهي أنها لم تتمكن بكل أسف من إرساء أسس لنظام ديمقراطي وتداول سلمي للسلطة ... ولعل هذا العامل بالذات بالإضافة إلى أسباب ومعوقات أخرى داخلية وخارجية من أهم الأسباب التي قوضت التجربة من الداخل قبل أن ينقض عليها نظام علي عبد الله صالح بحربه الظالمة على الجنوب عام 1994م ويقضي على كل مُنجزات ثورة الرابع عشر من أكتوبر العظيمة وعلى كل ما أنجزته دولة اليمن الديمقراطية من مكاسب للشعب. وقال ناصر في مقالته ان العلاقة بين الشمال والجنوب فيما يخص رفض الظلم والانتفاض ضده خلال المراحل التاريخية السابقة وحتى اليوم ليس له صلة بثقافة الثورة الام أو الثورة الابن مؤكدا أنها علاقة تكاملية وقال: "وعندما اندلعت ثورة 14 أكتوبر 1963م من ذُرى جبال ردفان الأبية بعد عام فقط من قيام ثورة 26 سبتمبر المجيدة فإنما كانت تستكمل إحدى أسباب قيامها الذي وفر الأرضية المناسبة لاحتضان ثوار الجنوب لتلقي التدريب والتمويل بالسلاح خاصة بوجود الجيش المصري في الشمال الذي أرسله الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر لدعم ثورته فكل إرهاصات ثورة 14 أكتوبر ومقدماتها وأسبابها في مقاومة الاحتلال كانت موجودة وهذا له علاقة وثيقة بالترابط والتكامل والتأثير المتبادل وليس له علاقة بما يسميه البعض بالثورة الأم، والثورة الابنة، أو بوحدانية الثورة اليمنية أو بالأصل والفرع . هذا التأثير والتكامل سنجده في الحراك السلمي الجنوبي الشعبي الذي كان انطلاقه سابقاً على قيام ثورة شباب التغيير السلمية في الشمال بنحو أربع سنوات، والذي حطم حاجز الخوف وأرسى ثقافة المقاومة الشعبية السلمية برغم ما جابهه به نظام علي عبد الله صالح من عنف وقتل وقمع بكل الآلة العسكرية الهمجية، وهو ما يفعله اليوم أيضاً تجاه ثورة الشعب السلمية في الشمال والجنوب، فالحراك الجنوبي السلمي الشعبي شكل المقدمة لثورة شباب التغيير السلمية، وكذلك فعلت حركة الحوثيين وغيرها من التململات الشعبية الرافضة للظلم والاستبداد العائلي لنظام علي عبد الله صالح. واختتم ناصر مقالته بالتأكيد على ان الحراك الجنوبي السلمي الشعبي وعملية التصالح والتسامح أنتجا جديداً وهي ثقافة المقاومة السلمية والحراك السلمي الذي نشهده اليوم ليس في اليمن وحده بل في الوطن العربي من المشرق إلى المغرب مشيرا إلى ان ثورات التغيير العربية في كل من مصر وتونس وليبيا استطاعت إسقاط أنظمة الفساد والاستبداد فيها، متمنيا أن تواجه استحقاقات التغيير في تحقيق العدالة والديمقراطية وإقامة الحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة والشفافية والمشاركة الجماعية، وتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والحياتي والاستقرار الأمني لجميع مواطنيها وهو نفس ما نأمله في اليمن حد قول ناصر. وقال: "لاشك عندي بأن أحد أهم الأهداف للحراك الجنوبي السلمي الشعبي ولثورة التغيير السلمية في الشمال والجنوب هو تحقيق انتصار استراتيجي على نظام علي عبد الله صالح العائلي الذي أجهض المبادئ الثورية العظيمة لثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر المجيدتين، كما أجهض مشروع الوحدة الحضاري النهضوي، وحَوله إلى نظام عائلي للفساد والاستبداد.