كتبت /وسام آل بهيان ابتسم مصافحا له بمودة ثم التفت إليها بجواره مقرنا رأس سبابته اليمنى برأس سبابته اليسرى بعد أن أشار إليه وبدورها ابتسمت وهزت رأسها بتحية. إنه صديقي هذا ما قالته سبابتاه المقترنتان ببعضهما، فالإشارة هي لغة الحديث الذي يدور غالبا فيما بينهما فتلك الصماء ربما كان لا يسعها المشاركة أو حتى الحديث لو لم تبادر الإشارة إلى دعوتها. الصم والبكم هم فئة من فئات المعاقين والتي تشكل 10% من سكان العالم بحيث يوجد 650 مليون شخص معاق بنوع من الإعاقة فيما يتواجد 80% منهم في الدول النامية. وبحسب إطلاع الأممالمتحدة على أوضاعهم فإن أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في المنظمة لا يتمتعون بنظام قانوني يحمي المعاقين. فالصم والبكم من الفئات التي يتطلب التعامل معها بنوع من الخصوصية خاصة وأن وسيلة التواصل معهم تكمن في امتلاكهم للغة خاصة هي أساس تواصلهم مع مجتمعاتهم وفي ظل ظهور لغة عربية موحدة للصم والبكم في الوطن العربي تتزايد حاجة المجتمع إلى تعلمها لتقبل شريحة لطالما قبعت تحت ظلال العزلة الجبرية التي تطالهم وإن اكتظ المكان بمن حولهم، فحق الإندماج مع المجتمع تعيقه عوائق كثيرة لكن اللغة هي أهم عوائقها وهي صرخة الأعماق التي لا تدوي إلا في أعماقهم. عن خصائص هذه اللغة يتحدث السيد عبده زايد المدير التنفيذي لجمعية الصم والبكم ومدير مدرسة الأمل يقول: لغة الاشارةهي مجموعة من الرموز المرئية التي تتضمن حركات الايدي وايماءات الجسد وتعابير الوجه والتي يستخدمها الصم للتعبير عن كلمات ومفاهيم اللغة المنطوقة .ولغة الاشارة ليست لغة عالمية كما يعتقد البعض بل هي لغة محلية حتى انها تختلف من دولة الى اخرى بما في ذلك التي تتحدث اللغة المنطوقة الواحدة مثلا بريطانيا وامريكا وهكذا ومنذ اكثر من 200 سنة اقر اساتذة الصم في اجتماعهم المنعقد في مدينة ميلانو ان استخدام لغة الاشارة من قبل الصم هي العائق الذي يقف امام تعلمهم لغة المجتمع . وبهذا تم منع الصم من استخدام لغة الاشارة داخل مدارسهم في بعض بلدان العام . بالمقابل كانت هناك رؤية اخرى اكدت ان لغة الاشارة هي اللغة الاولى للصم ويسمى الرأي الاول بالمدرسة الشفوية والرأي الثاني بالمدرسة اليدوية وفي العام 1969 م تم اقرار العمل باسلوب الاتصال الكلي (استخدام كل وسائل التواصل بما يناسب الأصم وقدراته ) ومن هنا بدأت لغة الاشارة في الانتشار بشكل اكبر ثم جاء الاجتماع العالمي للاتحاد العالمي للصم 1990م والذي اقر ان لغة الاشارة هي اللغة الأم والاولى للصم في العالم ومن هنا عادت لغة الاشارة إلى الانتشار بشكل اكبر، فعلى المستوى العربي بدأت الدول العربية في تعميم ونشر لغة الاشارة وتوثيقها في قواميس خاصة بكل بلد وعلى المستوى اليمني اصدرت جمعية الصم بتمويل منظمة اوكسفام اول قاموس اشاري يمني عام 1998م 1200 اشارة ثم اصدرت القاموس الحديث عام 2004م 2400 اشارة بتمويل الصندوق الاجتماعي للتنمية وتسعى حاليا الجهات العاملة مع الصم الى اصدار وتوثيق الاشارات التعليمية (القاموس التعليمي )وجاء هذا التحول نحو لغة الاشارة الى اكتشاف ان لغة الاشارة تمكن الاصم من تعلم اللغة العادية بشكل افضل مما لو كانت غير موجودة ومثال ذلك ان تعلم اللغة الانكليزية في سن متقدمة عن طريق شرح مفاهيمها بالعربية اسهل في ادراك معنى الكلمات الإنكليزية مما لو لم تكن هناك اي لغة لدى الشخص .كما ان لغة الاشارة هي المصدر الرئيس للمعرفة لدى الصم لانهم فاقدو السمع، مثلا يمكن شرح التعاليم الدينية للصم بلغة الاشارة ويصعب فعل ذلك باللغة العربية لانهم لا يسمعونها ولا يتقنون بشكل كبير قراءة الشفاه . وبالتالي فان دور لغة الاشارة في إدماج الصم يتم من خلال عدة مجالات : أولا: لغة الاشارة تنمي معارف الصم وكلما كان المستوى الثقافي والمعرفي لدى الصم اكبر كان اندماجهم اكبر ثانيا: مع لغة الاشارة تكون فرص تحسن مستوى الطفل الاصم في تعلم اللغة العادية اكبر وبحسب قدرته طبعا ثالثا: اتساع قاعدة المترجمين توجد فرصة اكبر لإدماج الصم في مجتمعاتهم لذلك وجدت منهجية جديدة في تعليم الصم هي ثنائية اللغة، وأهم افكارها ان لغة الإشارة هي اللغة الأم للصم وان تعلمهم لغة المجتمع يجب ان يسير بشكل متواز مع تعلمهم لغة الاشارة . وعن مشروع الدمج لفئة الصم والبكم في اليمن تتحدث السيدة جمالة البيضاني رئيسة جمعية التحدي اليمنية قائلة: لغة الإشارة كانت على مستوى محلي ثم انطبقت علينا اللغة العربية الخاصة بالصم والبكم والموحدة بين الدول العربية وفي الحقيقة عملية الدمج تواجه صعوبة، من حيث ان اللغة غير معممة، والآن يوجد فصل في كل مدرسة على سبيل المثال وتسمى هذه الغرفة المخصصة غرفة المصاطر. ونعمل على تسعة مراحل في عملية الدمج وهذه المراحل تبدأ من الإسرة إلى المدرسة، من خلال العمل مع المعاق وأسرته، وتهيئة الطلاب إلى تقبل فئات مختلفة عنهم، وتدريب الكادر من المعلمين داخل المدرسة للتعامل معهم ،وبخاصة الإخصائيين الاجتماعيين في المدرسة. فمشكلة الإعاقة السمعية حلت باليمن ،ولكن تبقى مشكلة اللغة هي أهم المشاكل التي تواجه المعاق في اختلاطه بمجتمعه وحتى في تعبيره عن ألمه في المستشفيات، فما تزال لغة الإشارة تطبق في اليمن بشكل ضعيف بحيث تقتصر على الجهات التي تتعامل بشكل مباشر مع المعاق دون تعميمها لتصبح لغة تدرس،لذلك فإننا في الجمعية وكذلك الاتحاد الوطني للمعاقين نسعى لإيجاد قانون يلزم كثيراً من الجهات إلى تعلم لغة الإشارة وأن تصبح هذه اللغة تدرس في الخدمة الاجتماعية وكيفية التعامل مع المعاقين أيضا. لنستطيع بذلك أن نحقق نوع من التعميم للغة من خلال العمل على تدريسها وقد تصبح منتشرة إذا ما تم تدريسها في خلال أربع سنوات على أقل تقدير. ربما عوائق الدمج لا تطال الصم والبكم فقط من المعاقين لكنهم الأكثر قدرة على التواجد بحرية في المجتمع والتعامل معه، إذ أن الفروقات تذوب بمجرد تعميم تلك اللغة التي تخرجهم من العزلة التي تخمد آمالهم وتقتل طموحاتهم، إنها التواصل مع بني جنسهم والاتصال بالمجتمع الذي يحتاجهم كما يحتاجون إلية.