كتب/عبد الرزاق الجمل خلتْ كل إصدارات تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، على مستوى البيانات والتسجيلات الصوتية والمرئية، من التطرق للحديث عن الحدث الرياضي الذي ستستضيفه بلادنا في الثاني والعشرين من الشهر القادم على ملعب الوحدة بمحافظة أبين المتوترة وعلى ملعب 22 مايو بمدينة عدن.. رغم أن كل المخاوف التي ساورت دول الخليج وجعلتها تتأرجح في اتخاذ قرار بنقل البطولة من عدمه، كان لها علاقة بعمليات وحضور القاعدة في تلك المناطق، على أن بعض دول الخليج، من التي كانت ترغب أن تكون المستضيف البديل للبطولة في حال تقرر نقلها، حاولت أن تستغل توتر الوضع الأمني في اليمن لتأكيد المخاوف الخليجية ليس إلا.. وكانت الأحداث الدامية التي شهدتها بعض المحافظات الجنوبية، وبالذات محافظة أبين، خلال شهر رمضان المبارك، قد أشعلت الوسط الإعلامي الخليجي كثيرا، إلى درجة أن المتابع للصحافة الخليجية لن يشك على الإطلاق في أن أمر نقل البطولة بات مفروغا منه تماما، ولم تكن الصحافة الخليجية لتتناول القضية بذاك الشكل لو لم تكن وراءها رغبة رسمية، وقد ظهرت تلك الرغبة في تصريحات بعض مسئولي الاتحادات الرياضية هناك.. ففي شهر رمضان نفسه قال مسئول كبير في اتحاد كرة القدم الإماراتي إن دول الخليج ستتخذ قرارها بعد عيد الفطر المبارك بخصوص إقامة البطولة على الأراضي اليمنية، وبما أن استضافة اليمن للبطولة هو الأصل، فمعنى كلام المسئول الإماراتي أن القرار سينحصر بين التأجيل أو النقل، إذ لا معنى لاتخاذ قرار بالمشاركة أصلا.. لكن شهرا ونصف شهر آخر مرا دون أن تتخذ دول الخليج قرارا، أي أنها ماضية، حتى الآن وقبل موعد البطولة بأقل من شهر، في قرارها الأصل، قرار المشاركة، كما أن التناول الإعلامي للحدث خف كثيرا مقارنة بحاله خلال شهر رمضان، في حالة من التناغم الرهيب بين الرغبة الرسمية والتناول الإعلامي، على أن المطلوب من وسائل الإعلام الخليجية الآن هو تهيئة الشارع الخليجي لتقبل فكرة المشاركة وطمأنته من خلال تناول مختلف يقضي على المخاوف التي زرعتها فيه، لأن من يرجع إلى ما نشرته بعض وسائل الإعلام الكويتية والبحرينية في وقت سابق سيدرك إلى أي مدى وصل الشطح، ومن ذلك، على سبيل المثال، وصف كاتب شهير في صحيفة شهيرة الوضع الأمني في اليمن بأنه أسوأ من الوضع في الصومال والعراق وأفغانستان وباكستان.. معظم وسائل الإعلام اليمنية غير الرسمية ساهمت أيضا في تأكيد تلك المخاوف، مأخوذة بما جرى ويجري على أرض الواقع، دون أن تأخذ في اعتبارها التفريق بين حالة أمنية تنعكس على الوضع العام، وبين أخرى لها أهدافها الخاصة والمعروفة.. القاعدة لا تشكل خطرا على البطولة بالعودة إلى موضوع القاعدة، تجدر الإشارة هنا إلى أن العمليات التي حدثت خلال شهري سبتمبر وأكتوبر ونُسبت لتنظيم القاعدة، اختارت أهدافها بعناية فائقة، ولا يمكن لمثل هذه العمليات أن تحدد مصير بطولة رياضية لا علاقة لها بالتنظيم ولا بعملياته وأهدافه.. صحيح بأن ما يقرب من خمسة وأربعين عملية تمت منذ الرابع من سبتمبر حتى السابع والعشرين من أكتوبر الجاري في كل من محافظات شبوةوأبين والضالع ولحجوحضرموتوصنعاء، موقعة عددا من القتلى والجرحى جلهم من القادة الأمنيين والجنود، إلا أن ثلاث حالات وفاة فقط سُجلت في أوساط المدنيين منها حالة في العاصمة صنعاء، وأكثر من هذا العدد يمكن أن يسقطوا أثناء تدافع أمام بوابة ملعب في دولة أوربية أو حتى أثناء رمي الجمرات وتقبيل الحجر الأسود بمكة المكرمة.. بمعنى أن العمليات التي حدثت خلال هذين الشهرين، باستثناء التفجيرات التي استهدفت المنطقة التي يقع فيها ملعب الوحدة بمحافظة أبين، لن تؤثر على الحدث الرياضي حتى لو تزامنت معه، وبالتالي يجب أن لا نربط كل عملية تحدث، بخليجي عشرين.. القاعدة إذن غير معنية بالحدث الرياضي ولا بإيصال رسائل تحذيرية من أي نوع لدول الخليج المشاركة في البطولة.. أهم العمليات التي حدثت خلال شهر سبتمبر وأكتوبر ونوعيتها وضحاياها: 4سبتمبر 2010م، مقتل جنديين في هجوم لمسلحين مجهولين بمحافظة لحج 10سبتمبر 2010م، إصابة ثلاثة جنود في هجوم لمسلحين مجهولين في أبين 25 سبتمبر 2010م، مقتل عدد من موظفي الأمن السياسي بصنعاء في هجوم للقاعدة 29 سبتمبر 2010م، مقتل جنديين وإصابة آخرين في الهجوم الذي استهدف موكب محافظ شبوة في المحافظة.. 6 أكتوبر 2010م، استهداف سيارة تقل موظفين في السفارة البريطانية ومقتل أحد المارة في العاصمة صنعاء.. 9 أكتوبر 2010م، إصابة عدد من الجنود في استهداف دورية أمنية في مديرية لودر بمحافظة أبين 9 أكتوبر 2010م، مقتل ضابط مخابرات في حضرموت على يد مسلحين مجهولين.. 10 أكتوبر 2010م، إصابة جنود في محافظة لحج بهجوم لمجهولين 10 أكتوبر 2010م، مسلحون يقتلون ضابط مخابرات في محافظة أبين 11أكتوبر 2010م، انفجار بالقرب من ملعب الوحدة بمحافظة أبين يخلف قتيلا وبعض الجرحى.. 14 أكتوبر 2010م، مقتل مدير أمن مديرية مودية في محافظة أبين 14 أكتوبر 2010م، مقتل شقيق محافظ محافظة أبين وجنديين في هجوم استهدف موكب المحافظ.. 15 أكتوبر 2010م، مقتل خمسة جنود في اشتباكات مع مسلحين مجهولين على الخط العام بين مديريتي لودر ومودية.. 16 أكتوبر 2010م، إصابة ضابط مخبرات ومساعده في محافظة أبين أثناء محاولتها إبطال عبوة في سيارة الأول. 22 أكتوبر 2010م، مقتل ضابط في منطقة فوة بمحافظة المكلا على يد مسلحين مجهولين.. 23 أكتوبر 2010م، مقتل ضابط في الأمن السياسي بمحافظة المكلا على يد مسلحين مجهولين. بكل تأكيد، لا يوجد أي تشابه بين هذه العمليات وبين العمليات العشوائية التي تحدث في وسط العاصمة العراقية بغداد، إنها عمليات لا تتجاوز أهدافها.. الحراك الجنوبي ودلالات إقامة البطولة في المحافظات الجنوبية يعزف الحراك الجنوبي على وتر الوضع الأمني في المحافظات الجنوبية عندما يتحدث عن خليجي عشرين، لذا فإن من صالحه أن يتدهور الوضع أكثر، لكن هل يشارك الحراك في صناعة التدهور أم لا.؟.. على النقيض تماما من اهتمامات تنظيم القاعدة، يأتي خليجي عشرين ضمن أولويات الحراك الجنوبي، لما له من دلالة تتنافى ومشروعه "المطالبة بالانفصال" كون البطولة ستتم تحت مسمى "دولة الوحدة"، وهذا، في رأيه، سيكسب الوحدة مزيدا من الشرعية.. وبالعودة إلى قائمة العمليات التي تمت خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، ستبدو العملية التي استهدفت ملعب الوحدة بمحافظة أبين، شاذة ومختلفة كثيرا، كما أنها لن تحمل أية دلالة لو نُسبتْ لتنظيم القاعدة.. يبدو أن الحراك كان بحاجة ماسة إلى رسالة مباشرة من هذا النوع لإقناع الفرق المشاركة في البطولة بأن الوضع الأمني لا يحتمل الحضور، لكن ذلك لم يغير شيئا في موقف دول الخليج من أمر إقامة البطولة على الأراضي اليمنية.. لهذا السبب خرج القيادي الحراكي البارز الدكتور ناصر الخبجي في مهرجان ردفان بمناسبة العيد السابع والأربعين لثورة الرابع عشر من أكتوبر، ينصح دول الخليج بعدم الحضور للمشاركة في البطولة ويصف الحضور بالمغامرة الكبيرة.. ولهذا السبب أيضا بدأت المظاهرات الأسبوعية التي ينظمها الحراك كل خميس ب"يوم الأسير الجنوبي"، تتضمن شعارات تطالب دول الخليج بعدم الحضور ونقل البطولة.. بالعودة إلى عملية ملعب الوحدة، قدمت النيابة العامة في ثاني جلساتها الأسبوع الماضي من خلال تحقيق أجرى مع أحد المتهمين، بعض الأدلة التي تثبت تورط القيادي في الحراك بمحافظة الضالع شلال علي شائع في تلك التفجيرات.. "وبحسب النيابة العامة فإن التحقيقات أكدت تزويد شلال علي شائع للمتهم بقنبلتين صوتيتين كما قام بالتنسيق معهما لتنفيذ العملية".. وعلى الرغم من نفي شلال على شائع، في تصريح لصحيفة الاتحاد الإماراتية، لتلك التهم إلا أنه تحدث عن إصرار الحراك على التصعيد لمنع إقامة البطولة في الجنوب، وأنه (أي الحراك) سيستخدم كافة أشكال النضال السلمي لذلك، كما دعا دول مجلس التعاون الخليجي إلى نقل البطولة تجنبا لمخاطر قد تحدث، حد تعبيره.. ما يحدث الآن لن يحدث أثناء البطولة قد يبدو أن إفشال البطولة وهي جارية سيصب في صالح الحراك أكثر من لو أنها أُلغيت قبل أن تنطلق، لأن ذلك سيعرض الوضع الأمني في أبشع صوره، وسيضع النظام في حرج غير مسبوق، إلا أن للحراك حساباته الخاصة والدقيقة، فكما هو معلوم أنه يتحدث بشكل دائم عن النضال السلمي، وعندما تخالف أعماله أقوله في هذا الجانب، سيعطي خصومه الشرعية بسحقه، خصوصا وأن شرعية الوحدة اليمنية اليوم محل إجماع دولي، ولهذا يتحدث المسئولون اليمنيون، وهم مطمئنون، عن بطولة آمنة.. قد يكرر الحراك رسالة ملعب الوحدة مرة أخرى قبل انطلاق البطولة، وبشكل أشد، لكن ذلك لن يحدث أثناء البطولة، وسيكون استغلال التظاهرة الرياضية بتظاهرات سياسية لغرض لفت النظر إلى قضيته هو غاية ما سيفعله.. الخلاصة : إذا كانت القاعدة غير مهتمة بالحدث الرياضي، وإذا كانت عملياتها خارج إطاره تماما، وضد أهداف لا علاقة لها به، وإذا كان الحراك الجنوبي مصرا على التمسك بمبدأ النضال السلمي، وإذا كان منتخبنا الوطني قد سحق الهند بسداسية والسنغال برباعية، وإذا كانت قنوات غير فضائيتنا الأولى ستنقل الحدث ولن تقطع المباريات في منتصفها لتقديم ساعة كاملة من نشرة أخبار التاسعة المملة.. فلمَ الخوف من إقامة البطولة على الأراضي اليمنية..؟!!.