كتب/ رشيد الحداد إن مهمة استثمار الفقر وترويجه خارجيا في المحافل الدولية لم يعد أنجع السبل لحشد المساعدات والمنح الدولية بل إن مفارقات الزمن ومتغيرات الواقع المعاش فرضت نفسها على السياقات الداخلية وقللت فرص الاستجابات الإقليمية والدولية غير المشروطة بعد أن انتقل الفقر من ظاهرة اقتصادية واجتماعية بتهالك القدرات الحكومية الاستخراجية من موارد أولية وبشرية إلى دائرة مغلقة وقدر مفروض من قلة مترفة ارتبطت مصالحها وفرص تفوقها بمعاناة الآخرين وبؤسهم بل وامتد ذلك إلى عزلهم عما يدور وراء الكواليس.. ف20 مليار ريال ابتلعها أخطبوط الفساد خلال عام التقشف في الإنفاق وما يساويه حقوق مستحقة لمؤسسة الكهرباء أصبحت في حكم الديون المعدومة ولم يفصل التيار و100 مليار ريال تعزز الثراء الفاحش من فوائد أذون الخزانة وتقلل فرص الاستثمار الحقيقي وإعفاءات جمركية وضريبية تحرم الخزينة العامة 774 مليار ريال خلال عام واحد فقط وتورد لصالح فئة معينة لا تزيد عن 3% فيما عجز الموازنة المزمن يتم تعزيزه بالمزيد من طباعة العملات وعقد اتفاقيات القروض لسد العجز بالإضافة إلى هبات ومزايا الريع المباشر أو غير المباشر الذي يوجه لتعزيز الموقف المالي للشخصيات القبلية ومعايير إنفاق أخرى تندرج في إطار الضرورات ولا تساهم في حل القضايا المجتمعية بل العكس من ذلك وفي ذات السياق أثار أحد أعضاء مجلس النواب جزئية بسيطة بارتفاع فاتورة تذاكر الطيران التي بلغت في عام التقشف الماضي إلى 5 مليارات ريال، متسائلا بالقول: هل سافر الشعب اليمني بأكمله خلال عام دون علمنا أم أن فاتورة الطيران المشكلة الأساسية بل إن تقديرات الموازنات المستقلة والملحقة والصناديق الخاصة والوحدات الاقتصادية للقطاعين العام والمختلط لا تتم وفق الاحتياجات الرئيسة فقط خلال كل عام مالي بل تضم في طياتها الاحتياجات المستقبلية لعقود زمنية الخاصة بمسئولي تلك الجهات وهو الواقع الذي نؤكده تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ويدركه جيدا أعضاء البرلمان الموقر، ناهيك عن صرف اعتمادات مالية مدرجة في موازنة الوزارات في أغراض أخرى كشراء سيارات فخمة ومكافآت على أساس القربى والمعروف أو في مشاريع أقرب إلى الوهمية، كل تلك الفوضى الخلاقة التي باتت إحدى سمات الواقع المعاش واحد محاور الأزمات الاقتصادية الناجمة عن غياب آليات وضوابط ترشيد الإنفاق العام وحشد الإيرادات العامة وتوجيهها في تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تعود جذورها الأساسية إلى فشل الإدارة العامة للدولة في تجاوز فشلها المزمن في إدارة عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بل إن مداراة المتغيرات التي تشهدها الإدارة العامة في زمن العولمة بالارتجالية والعشوائية من جانب والبيروقراطية في جانبها السلبي لا الإيجابي سد آفاق تجاوز كافة التحديات التي تتهدد كيانات الدولة، فأكثر من أزمة تتفاعل فيما بينها دون حل وأكثر من مؤشر سالب ينمو دون حل والمشكلة قد لا تتركز في فقر الشعب وبؤسه بل بافتقار حكوماته المتعاقبة لقدرات استجابية لما يجب أن يكون وافتقارها لقدرات استخراجية لما هو كائن، فلسنا في اليمن أفقر في اليابان من الموارد الأولية ولا نفتقر للكفاءات الوطنية القادرة على إدارة عجلة التنمية بل نفتقر لإرادة شعبية وسياسية فاعلة لإحداث إصلاحات سياسية واقتصادية وإدارية جذرية كمطلب وطني وإذا استطعنا أن نستوعب مطالب الداخل فسوف نستوعب كل مطالب الخارج وعلى الجميع أن يدرك أن مهمة استثمار الفقر وترويجه حدودها الموضوعية والزمنية شارفت على الانتهاء بل ستتحول إلى ورقة محروقة إذا لم تعتمد على الذات فهل نحن قادرون على إدارة التغيير المنشود.