بينها 7 منتخبات عربية.. 30 متأهلا إلى كأس العالم 2026    إعوامل دولية ساعدت في كارثة وقوع الجنوب العربي بيد اليمن    أفاعي الجمهورية    120 مصابا بينهم 100 ضابط في اشتباكات بالمكسيك    بلاطجة "بن حبريش" يهددون الصحفي "خالد الكثيري"    المتقاعدون يدعون للاحتشاد وبدء مرحلة التصعيد السلمي    وسائل إعلام غربية: صنعاء كشفت الفخ الذي نصبته أمريكا وإسرائيل والسعودية في اليمن    اعتراف أمريكي: سلاح مشاة البحرية يحتاج إلى التعلم من الدروس اليمنية    عين الوطن الساهرة (3)    شعب حضرموت بطلاً لتصفيات أندية الساحل وأهلي الغيل وصيفاً لبطولة البرنامج السعودي الثانية للكرة الطائرة    مريم وفطوم.. تسيطران على الطريق البحري في عدن (صور)    سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    تصفيات كأس العالم 2026 - أوروبا: سويسرا تتأهل منطقيا    الجاوي ينتقد إجراءات سلطة صنعاء في التعاطي مع التهديدات التي تواجهها    الشهيد أحمد الكبسي .. وعدُ الإيمان ووصيةُ الخلود    فراغ ، حياة وتجربة ناصرية    حلف قبائل حضرموت يصطدم بالانتقالي ويحذر من غزو المحافظة    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    أمن مأرب يحبط مخططاً حوثياً جديداً ويعرض غداً اعترافات لأفراد الخلية    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    مُحَمَّدَنا الغُماري .. قصيدة جديدة للشاعر المبدع "بسام شائع"    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    تجربتي في ترجمة كتاب "فضاء لا يتسع لطائر" ل"أحمد سيف حاشد"    حكم قرقوش: لجنة حادثة العرقوب تعاقب المسافرين ومدن أبين وتُفلت الشركات المهملة    رئيس الوزراء بيدق في رقعة الشطرنج الأزمية    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن عبدالكريم الصولاني في وفاة ابن أخيه    اكتشاف 570 مستوطنة قديمة في شمال غرب الصين    سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.20 دولار ليبلغ 56.53 دولار    إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للفنون والآداب    اختتام بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد على كأس الشهيد الغماري بصنعاء    شبوة أرض الحضارات: الفراعنة من أصبعون.. وأهراماتهم في شرقها    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على 5 متهمين بحوزتهم حشيش وحبوب مخدرة    يوم ترفيهي لأبناء وأسر الشهداء في البيضاء    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    "الشعبية": العدو الصهيوني يستخدم الشتاء "سلاح إبادة" بغزة    بيريز يقرر الرحيل عن ريال مدريد    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن في الربيع العربي
نشر في الوسط يوم 20 - 02 - 2013

في طريقها للثورة، لم تكن اليمن في حاجة سوى لعود ثقاب البوعزيزي - في قرية سيدي بوزيد التونسية - لتتلقف الشرارة التي أشعلت بنزين الثورة المسكوب بالظروف المأساوية للمجتمع اليمني، فعجت الساحات، وتوالى الحشد للجمع، جمعة بعد جمعة في حماس دفع فيه الشباب الثائر الأرواح في سبيل تحقيق أهدافه، ورحل رأس النظام وبقي النظام أو ما تبقى منه في المشهد السياسي يلعب دوراً متمثلاً في الحزب الحاكم وأذرعه، ومقربيه، حتى من التيارات السياسية الأخرى، فكيف تميزت الحالة اليمنية في الربيع العربي عن أخواتها؟
لا تختلف أسباب الربيع العربي في بلدان المنطقة في الكثير حول أسبابها، رغم بعض التباينات هنا أوهناك، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعا كان الواقع التنموي وغياب التحديث والعصرنة، حيث كان الواقع المعاش تنمويا - بامتياز- الوقود الأكبر الذي حرك قاع المجتمع لتلك الهبة الملتهبة من حضرموت شمال أفريقيا( سوسة التونسية) الى حضرموت الربع الخالي ( المكلا) ببحر من البسطاء الذين أضناهم التخلف التنموي وتخشب الأنظمة المهترئة، غير أن مسيرة الثورة ونتائجها في بلدان الربيع العربي لم تكن متساوية او في نفس الاتجاه، حيث أفضت الثورة اليمنية إلى صفقة ومساومة - بمباركة إقليمية وقيادة أممية - أكثر منها إطاحة بنظام سياسي متكامل، وبقت مطالب الثورة الأساسية - معلقة - عبر التفاوض بين يدي (بن عمر وسعادة السفير) ومرهونة بالأيادِ الكثيرة المنغمسة في الطبخة اليمنية.
ولعل طبيعة اليمن الاجتماعية وطبيعة مراكز القوى، وطبيعة الاختناقات فيها، وواقع الفعل الثوري يمنياً - مثل بقية بلدان الربيع العربي بعدم وجود رؤية أو مشروع واضح للثورة بعد كلمة (ارحل) - ساقت الأمور إلى ما سارت عليه، حيث قفزت من عمق الأزمة الاجتماعية إلى واجهة الثورة - في لحظة واحدة معا - ( قوى قبلية أسرية - الحوثيون - الحراك الجنوبي - تكتل اللقاء المشترك - وحدات عسكرية مُنشَقة) الذين صاروا فيما بعد هم المفاوض باسم الثورة ومطالبها والمتحدث باسمها كلاً بما لديه من نزعة ومطالب - تتقاطع مع بعضها البعض - فلم يعد للثورة يد ولسان ومطلب مشترك بعد رحيل رأس النظام، وصارت أقرب للتقاطع منها للاتفاق، من أجل تحقيق مطالب خاصة.
ولعله من المنصف القول إن الثورة اليمنية ( بصفقتها) تفادت فداحة الفعل الثوري والتدخلات الخارجية فيه بالمقارنة بالنموذج الليبي الأكثر فداحة عربياً ( حجم الخسائر في الارواح والخسائر المادية)، ويمكن أن يحسب للصفقة تخفيف الأضرار على بلد هو في أمس الحاجة لتبقى فوهات البنادق والمدافع بعيدة عن التجاذبات رغم الحوادث المأساوية التي حدثت في عدن، والحصبة أو في الساحات، والتي تعد ضريبة مقبولة - ربما - لو حسبت في حساب الفعل الثوري الوطني وليس في حساب أحد الاطراف المطلة برأسها من وسط الثورة لتجني مطالبها الفئوية، رغم صدقية وموضوعية مطالبها، ولعله من المنصف أن لا توضع جميعها في سلة واحدة من التقييم، فثمة تراكمات اجتماعية ومطلبية كبيرة وعميقة وحقيقية في مسيرة البلاد تاريخياً وخاصة في موضوع الحراك الجنوبي وأبعاده وأسبابه الجوهرية، وموضوع الحوثيين وأبعاده وأسبابه أيضاً.
إن عملية إسقاط النظام وصعود المعارضة ربما لا يعني انتصار الثورة بالمعنى الحقيقي -إلى الآن- الأمر الواضح جداً في بلدان الربيع العربي، حيث تم تبادل المواقع بين الحكم السابق والمعارضة السابقة، بل إن الأمر في اليمن سار في اتجاه تقاسم المناصب مع الحزب الحاكم نفسه، وبقت الثورة تمور في الساحات والميادين وحناجر الشباب الثائر التواق للتنمية والعمل والبناء والحرية، وهذا الأمر يبدو واضحاً في الحالة اليمنية التي قاد فيها (أحزاب اللقاء المشترك) دفة الثورة السياسية مما جعل الثورة تكريساً لتجاذبات قديمة أكثر منها حالة شعبية جارفة تطالب بالتغيير الكامل، فتم تثمير الفعل الثوري على الصورة التي نراها، هذا على المستوى المحلي، أما الاقليمي فإن الثورة اليمنية -نتيجة لفقدان الرؤية- فوتت فرصة كبيرة في الضغط والمساومة بقبول التدخل الخليجي بثمن الانضمام لمجلس التعاون الخليجي أو حتى جدولته زمنياً لمنطقيته، هذا الانضمام الذي يعتبر طبيعياً (ديموغرافياً وجغرافياً) بكل المعايير، خاصة بالمقارنة بما قيل عن مشروع انضمام الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون.
إن الثورة اليمنية في تاريخيتها ليست مفصولاً عن التاريخ السياسي اليمني الزاخر جداً بالمفاوضات والتفاوض، بل وإن القوة الوطنية اليمنية تمتلك إرثاً كبيراً في التعامل مع الأزمات والاحتقانات، وهو راجع الى خبرة القوة الوطنية وتجذرها وإلى الموروث القبلي وطبيعة العلاقات الاجتماعية وتراتبيتها ووطنيتها المتميزة، وهي من جهة أُخرى الأكثر سيلاً في الإنتاج الفكري الناضج عبر وسائل الاتصال الحديثة والصحف الصادرة، ورغم كل حالات النشاز التي اعترت المسيرة الثورية وفتاوى التكفير للكثير من الكاتبات اليمنيات، إلا أن الثورة اليمنية تمتلك عمقاً شبابياً ناضجاً له رؤية ونشاط وحيوية، الأمر الذي يعد بعبور واثق للأزمة الحالية بأقل الخسائر الوطنية، خاصة وأن الدولة بمعناها المؤسسي قائمة بالمعنى اليمني للمؤسسة، وأيضا القوة الأمنية والعسكرية متماسكة، مما حافظ على هيبة الدولة وإطارها العام، وهي في حالة مخاضها التاريخي، فيبقى على القوة الوطنية اليمنية مطلب العمل على التنمية كهدف أول وأساس من أجل العصرنة والتحديث، فالتنمية هي الحرية، وهي الديمقراطية، وهي التقدم، وهي الوحدة، ولا يجب إغفال وإهمال السبب التنموي للثورة التي قام بها الفقراء المعدمون أكثر منها تعبيراً انتلجنسيا سابحة في عالم المثل وتنميق العبارات.
إن الثورة وأهدافها ستبقى معلقة بين واقع الفقر والعوز والإقطاعية القبلية، وحلم التنمية والعصرنة والتحديث، فالمعنى العصري للثورة ليس فقط شعراً ونثراً وهتافات، أو شعارات خطابية صارخة، بل تنمية وبنية تحتية وتدفق أموال واستثمارات ورخاء اقتصادي، والذي ينعكس على الإنسان والأُسرة والارض (وهو ما تحتاجه اليمن)، الأمر المطلوب اليوم العمل عليه وتثمير العلاقات الخارجية وتدخلاتها- خليجياً وعربياً ودولياً- من أجله، ولعل اليمن أقرب إلى النموذج الخليجي التنموي المبهر - وخاصة في الإمارات العربية المتحدة - بما تملكه اليمن من موقع جغرافي وكفاية ديموغرافية، وخصوبة أرض وإرادة إنسان كادح لا تقهر، وتاريخ وموروث وإرث عميق من الحضارة ضاربة في جذور التاريخ منذ عصر أرض الجنتين.
كاتب ليبي/ بريطانيا
15 فبراير 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.