الأحزاب والتنظيمات الشمولية: (ماركسية، شيوعية، علمانية، قومية، دينية، بعثية، ناصرية، إسلامية، جهادية.. الخ) جميعها - على اختلاف اتجاهاتها العقائدية الايديولوجية، وعلى تباين أهدافها السياسية - تبدو لمن يتأملها من خارجها في غاية التشابه. ويرجع هذا التشابه فيما بينها إلى كونها تعتمد منهجاً تربوياً موحّداً ومتشابهاً. بمعنى آخر فإن التربية الحزبية التي يتلقاها عضو في حزب شيوعي، هي نفس التربية التي يتلقاها عضو في حزب إسلامي، أو قومي. ويمكن القول: إن العمل الحزبي والتنظيمي في هذه الأحزاب والتنظيمات يقوم على خمسة أركان أساسية، هي كالتالي: 1- ركن الطاعة: الطاعة أول درس وأول ركن من أركان العمل الحزبي حيث المطلوب من العضو الملتحق بهذا الحزب أو ذاك التنظيم أن يتعلم (ألف باء) الطاعة، يطيع من هم أعلى منه مرتبة طاعة عمياء. 2- ركن التبعية: من دون أن تكون تابعاً يستحيل أن تكون حزبياً.. لذا عليك أن تتعلم فن السير مع وحذاء ولِصْقَ القطيع. 3- ركن العبودية: الحرية والحزبية لا يجتمعان، فأن تكون حزبياً معناه أن تتخلى وتتنازل عن حريتك وعن إرادتك لصالح الحزب، ولصالح التنظيم الذي تنتمي إليه. فإذا فكرت عليك أن تفكر بعقل الحزب لا بعقلك. وإذا تكلمت عليك أن تتكلم بلسان التنظيم لا بلسانك. وفي جميع حركاتك وسكناتك عليك أن تخضع لمسؤوليك، ولمن هم أعلى منك مرتبة خضوع القِن لسيده. 4- ركن التعصب: التعصب ركن مهم من أركان العمل الحزبي، ومن خلاله يقاس مدى حماس العضو ومدى ولائه وإخلاصه للحزب أو التنظيم، للقائد أو للزعيم. وفي كل الاحزاب والتنظيمات الشمولية كلما اظهر العضو تعصباً لعقيدته الحزبية أو لعصيدة حزبه السياسية كان حظه في تسلق الهرم الحزبي أوفر من حظ رفيقه الذي أظهر قدرا من اللين والتسامح. 5- ركن الكراهية: الكراهية هي حجر الزاوية في التربية الحزبية، وهي الركن الأساس والركن الأهم والأعظم. وفي الأحزاب والتنظيمات ذات المنحى الايديولوجي والعقائدي لابد للعضو أن يتعلم أصول ومبادئ الكراهية، ولابد له من ان يُنمِّي ويُطوِّر حس الكراهية لديه. وقد أثبتت تجارب الأحزاب الشمولية الحاكمة منها والمعارضة أن الكراهية هي أقصر الطرق الى قمة الهرم الحزبي والتنظيمي، وأن الذين نمُّوا وطوَّروا ميولهم إلى الكراهية، ومارسوا كراهيتهم ممارسة عملية وإبداعية وصلوا إلى مراكز قيادية. ومثل حجر الفلاسفة الذي قيل بأنه يحول النحاس إلى ذهب فإن الأحزاب الشمولية من خلال منهجها في التربية الحزبية قادرة في خلال خمسة أيام أن تفعل العكس: تحول المتمرد إلى خاضع المنفتح إلى منغلق المتحرر إلى متزمِّت المتسامح إلى متعصب الليِّن إلى متشدد المحب إلى كاره الساخر إلى جاد الصادق إلى كاذب الحر إلى عبد الإنسان إلى بهيمة.