اليمن الحبيب يمر بالعديد من الأزمات التي تكاد تقتل المواطن وتنفّره من بلده، وكل يوم تزداد الحالة تعقيداً على الكبير والصغير، والرئاسة والحكومة تعمل جاهدة - كما نسمع - لمواجهتها، وتكيل الوعود المتفائلة، ولكننا - للأسف - نرى الحالة تزداد سوءًا، وليس لها من دون الله كاشفة من الأزمات الخانقة، والتي تهدد أمن ومستقبل اليمن واستقلا لها وكرامتها، أزمة النقص الشديد في المشتقات النفطية.. الأزمة اشتدت واشتدت وكل السلطات المعنية واقفة فاغرة فاها، وعاجزة عن التصرف؛ لأنها لا تملك أدوات الحلول، ورغم ذلك نسمع الحكايات الكثيرة، بل ونشاهد العديد من الذين امتهنوا الفساد حرفة يستفيدون من هذه الأزمات، والذين هم في الغالب من الطبقات ذات النفوذ، وإن كانت فاقدة للضمير. في الحديدة توقفت الكثير من المصانع والمنشآت الاقتصادية، وما تبقى منها فإنه يلفظ أنفاسه، ويتوقع له التوقف عن العمل والإنتاج في أية لحظة، إن لم تكن قد توقفت يوم نشر هذا المقال، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى شحة السلع التموينية والاستهلاكية وتسريح الآلاف من الموظفين والعمال والإساءة البالغة لمناخ الاستثمار في اليمن، بل إن العديد من المستشفيات تواجه أخطارًا جسيمة، حيث لا تجد ديزل للمولدات الكهربائية، بينما تعاني من انقطاعات الكهرباء لعدة ساعات ولعدة مرات في اليوم.. كل هذا يحدث وتعجز الدولة و الحكومة الوقوف في وجه الفاسدين. كلنا يعلم أن المشتقات النفطية تدعمها الدولة بما يقارب ثلاثة مليار دولار سنوياً.. مبلغ ضخم جدا،ً وبكل المقاييس، إذا قارناه بالإيرادات الهزيلة للدولة، وأمام هذا الوضع وجدت وزارة المالية نفسها عاجزة تماماًً عن استمرارية الدعم، بل وحتى تسديد قيمة النفط الذي تحمله البواخر المتواجدة في المياه اليمنية؛ لأنها ببساطة لا تملك المال، وعندها - لا سمح الله - وازداد الضغط عليها فإنها ستضطر إلى طبع مزيد من الريالات مما سيؤدي إلى تصاعد صرف الريال أمام الدولار تصاعداً جنونياًً، قد يصل في فترة وجيزة إلى أكثر من 350 ريالاً للدولار، وهي كارثة اقتصادية إنسانية وطنية، وبكل المقاييس.. فهل ننتظر حتى يصل البلاد إلى هذا الحال، كما هو حال مكافحة الإرهاب من قبل القوات المسلحة الباسلة الذي يصبح التحذلق أمامه نوعاً من الخيانة فكذلك حالة الوضع الاقتصادي التحذلق والمزايدة أصبحت أمامه خيانة مكتملة الأركان.. ما يلزم - الآن - هو أن تتخذ الدولة قراراًً حاسماًً يرفع الدعم عن المشتقات النفطية، ولا داعي للمزايدة بالأضرار التي ستصيب المزارع والصياد لأن وجود المشتقات يعني هلاك الزراعة تماماًً والمزارعين والصيادين لا يصلهم 15% من مبلغ الدعم.. المستفيد قطعياًً من الدعم هم فئات من القطط السمينة والتي صارت بحجم السباع، ولم يعد يردع فسادها أي وازع من عقل أو ضمير أو قوة للدولة، وللأسف تجد من يدعم فسادها هذا، بعض من أعضاء مجلس النواب، أما عن جهل أو مشاركة في تقاسم غنائم الدعم، نقول لهؤلاء النواب الذين انتخبهم الشعب اليمني ليوفروا له حياة كريمة بعيداًً عن مذلة التسول لا تدفعوا من انتخبكم دفعاًً نحو التسول وهدر الكرامة فاتقوا الله.. وقد مرت اليمن بتجارب رفع الدعم عن سلع مثل الاسمنت والسكر والدقيق والقمح وغيره فلم يتضرر المواطن البسيط، وإنما تضررت القطط السمان، ولم يعد لهذه القطط من فريسة ينهشون منها إلا دعم المشتقات النفطية، ولذا يقاتلون بشراسة إعلامية ومجتمعة حتى لا تلغي الدولة الدعم.. سادتي المواطن الصغير يمكن تعويضه عبر تحسين وضع المستشفيات وتحسين التعليم وتخفيض تكاليفه وأشياء كثيرة يعلمها جيداًً ذوي الشؤون الاقتصادية والمجتمعية، ولكن لا أحد ينصت لهم لأن قوى الشر المناوية بالدعم شرسة ولها أنياب ومخالب.. حالياً المشتقات النفطية تعاني من زيادة غير طبيعية في أسعارها تتمثل في أسعار شراء مبالغ فيها وغير شفافة، زيادات في أجور النقل البحري والبري عمولات لفلان وعلان ولا أحد يستطيع حتى أن يقول: (آه).. فخامة الرئيس.. معالي رئيس الوزراء هل آن الأوان أن تقفوا بجدية إلي جانب الشعب وتواجهوا أباطرة الفساد النفطي.. توكلوا على الله، وارفعوا الدعم، ونؤكد لكم وبكل ثقة أن النتائج ستكون أحسن بكثير مما يخوفكم منه المهلوسين، وسيسجل تاريخ اليمن الاقتصادي والاجتماعي لكم هذه الخطوة بحروف من ذهب.. وستنقذون الوطن في الوقت المناسب من التردي إلى هاوية مخيفة لا يعلم قرارها إلا الله. فهل أنتم فاعلون.. كلنا ثقة أنكم رجالها.. وبالله المستعان.