الناظر في حال اليمن وما يعيشه المواطن في البلاد يترحم على عهد الرئيس علي عبدالله صالح - حتى مع كل المساوئ التي رافقت حكمه - إلا أن ما تمر به البلاد تجعل الجميع - عدا قوى الإرهاب والتخلف - يتمنى ويحن للأيام الصالحية - نسبة للرئيس صالح - لأنه، على الأقل، كان المواطن يذهب إلى السوق مع أولاده لا يخشى شيئًا سوى غلاء الأسعار!!، أما اليوم فلم يعد الخوف من غلاء الأسعار فقط، وإنما من الذهاب إلى السوق - أصلاً - حتى لا يصاب بطلق ناري طائش ينال منه في إحدى مواجهات الأراضي، أو أن يقتل من قبل جنود نقطة أمنية؛ باعتباره إرهابيًّا ومطلوبًا على ذمة الانتماء للقاعدة.. أقول هذا الكلام مع أن كاتب هذه الأسطر ليس له أي انتماء سياسي لأي فصيل كان؛ لأن جميع الفصائل السياسية في الساحة كلها شبيهة بعض، (وألعن من بعضها البعض)، إذ أن الكل يمارس الشيطنة السياسية، والضحية هو المواطن المسكين الذي لا يجد قوت يومه، وبالتالي فاليمن اليوم بحاجة - بعد الانتهاء من صياغة الدستور وتطبيق مخرجات الحوار - إلى قيادة مدنية، مدركة مدى السقوط المدوي الذي حصل للبلاد بعد الأزمة السياسية التي عصفت بها (أو ثورة الشباب، سمِّها ما شئت)، وأدت إلى إزهاق عشرات الأرواح من كل جانب، وبدأ الانهيار للسياج الأمني في البلد بالسقوط، وتابع ذلك سريعًا الترهل الإداري للدولة، وتفكيك الجيش، ووصل الحال باليمن إلى ما هو عليه (قتل يومي، اختطاف، خوف مستشرٍ، انعدام الأمن، استشراء الإرهاب بكل أشكاله، اختفاء المشتقات النفطية، تعيينات بالجملة، ومن فئة معينة، وتهميش لفئات أخرى، والقائمة تطول)، ثم ماذا بعد؟! اليمن اليوم بحاجة ماسة لقيادة جديدة - بعد انتهاء فترة الرئيس هادي - بحاجة لشخصية شابة تقود اليمن إلى ساحة المدنية بعيدًا عن عسكرة البلاد، وبعيدًا عن المشيخات القبلية التي حالت دون تقدم اليمن، الذي هو بحاجة اليوم إلى شخصية وطنية مجربة وقادرة، تُقدّر معنى المواطن، وتدرك أهميته وقيمته، ومن أنه ليس سلعة تباع وتشترى، اليمن اليوم بحاجة ماسة لرافعة إنسانية تنتشله من مستنقع الإرهاب والعنف، وتعبر به إلى بر التقدم، وميدان التنمية في شتى المجالات، اليمن اليوم بحاجة ملحة - أيضًا - لشخصية استثنائية تعيد للمواطن الثقة بالدولة؛ لأن المواطن اليمني أصبح لا يدرك ولا يثق بمثل هكذا حكومة فاشلة، لا تعير المواطن أي اهتمام، وتراه وكأنه مجرد مغترب في وطنه، وهنا أستسمح ضمير اليمن الثقافي الشاعر الراحل الأستاذ عبدالله البردوني - رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته - لعرض بعض من أبياته الشعرية النفيسة مع تعديل طفيف، حيث قال: "(وطني ) ما زال في عينيك أسئلة *** تبدو.. وتنسى حكاياها فتنتقب وما تزال (بحلقك) ألف مبكية *** من رهبة البوح تستحيي وتضطرب يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا *** ونحن من دمنا نحسو ونحتلب سحائب (الإرهاب) تشوينا وتحجبنا *** يومًا ستحبل من إرعادنا السحب؟ ألا ترى يا (وطني) بارقنا *** إن السماء ترجى حين تحتجب. [email protected]