يا يومي الأوحد, ويوم أمي, وابنتي .. يا عيد الأم. تأتينا في شهر مارس من كل عام .. ومارس يهل علينا فيك يومان فقط, تسعدنا وتحلق بنا في سماء الحلم والأمومة الطاغية, التي لولاها ما تحملنا هموم الحياة ومصاعبها (من أجلكم). مارس .. بدايتك يوم كفاح سمي بيوم المرأة لأنه أنهى نضال ضعيفات منحهن الجوع قوة وصلابة, فأحرقوهن من أجل الحياة .. وآخرك يوم فيه ذكرى لأشهر معدودات - تسعة - وفيها حمل ومخاض وولادة, خلالها أو بعدها أو قبلها أموت أو أحيا, وفي كلتا الحالتين يسعدني ذلك الصوت حين يصدع, صوت المولود,وكأنه يردد ترانيم وتسابيح يباركها الله جلَّ شأنه من عليائه, فيحسب للطفل ذاك درجة إضافية في السلم الذي سيرتقيه يوم البعث ليدخل الجنة التي وضعها الله تحت أقدام الأمهات. أحياناً تُسأل النسوة : هل حملك الحالي مرغوب أم غير مرغوب؟ فترد الكثيرات منهن : مرغوب .. ورزقه على الله, وتقول البقية : غير مرغوب .. لكن رزقه على الله. وتبكي من لا تحمل لعقمها المؤقت أو الدائم لأنها امرأة, وتدري أن ذلك يعني الحياة, لكنها لا تستطيع صنع الحياة .. فتبكي من حرقة قلبها لأنها عقيم, كما تبكي أم لأن طفلها عاق لها .. يا الله .. كيف تبكينا نحن النساء «نطفة» منذ لحظة نزولها في الرحم ثم علقة حتى تصبح إنساناً يشيخ ثم يموت. إن عيدنا هذا ال (21) من مارس يذكرنا بأننا أمهات بالفطرة لكن «الله يهب لمن يشاء ذكوراً ويهب لمن يشاء الإناث, ويجعل من يشاء عقيماً» .. وكل امرأة تصوب نظرها نحو هذا اليوم, علَّه يأتي هذا العام بجديد!!, جديد لها في صنع الحياة. وفي كل عام تحظى الأمهات بساعات تجمعها بأولادها (نتاج تلك الصناعة التي وهبها الله المعرفة بها والدراية بكيفيتها والقدرة على استخدامها, حين يشاء الله) أو يسألوا عنها مهاتفين, فرحين, مرددين : كل عام وأنتِ يا أمي بألف صحة, وعافية, وخير. إن الخير الذي تريده كل أم هو سعادة أبنائها وتوفيقهم في حياتهم التي بذلت من أجلها كل طاقتها وقدرتها على العطاء لتعيلهم وتطعمهم وتسهر لمرضهم وتعلمهم وتظل كذلك تسأل عنهم حتى وقد غادروها إلى أفق آخر .. خيرها أن ترى فيهم حلم كل أم ولدت رجالاً ونساء صالحين لأنفسهم ومجتمعهم وبلادهم. يأتينا يوم عيد الأم ونحن مشنفات الآذان لكلمة «أمي» التي لا تحمل قيمة مادية ولا معنوية, بل قيمة إنسانية, تشبعنا بها نحن النساء منذ اللحظات الأولى لولادتنا, كما تشبعت بها أمنا حواء. يا عيدي .. أنت أجمل الأعياد .. وأفضل اللحظات وأسعدها وأشقاها فيك أيضاً, وأجرها يأتي منك وبك, وفي كل ساعاتك ودقائقك وثوانيك أقول : الحمد لله الذي قدر لنا هذا, والحمد لله أنني نبع الحياة, حتى حين لا أستطيع صنع الحياة .. الحمد لله أنني امرأة حبلى بالحب لكل مولود لم تحمله أحشائي, وحملته امرأة أخرى بذات الحب والسعادة. يا يومي, ويوم أمي, وابنتي التي ستنتظرك كما انتظرتك أنا, وسبقتني لذلك أمي الحبيبة. أنت كما أسموك «عيداً للأم» ستظل كذلك ما دامت الحياة امرأة ورجل .. وما دام الكون أنثى وذكر .. وما دامت الدنيا أنثى والآخرة أنثى أيضاً. أنا امرأة, إذاً أنا الحياة, السعادة, الرحمة, الهداية وأنا أم .... *(14أكتوبر)