أحزاب ورقية ضعيفة, تتصارع من أجل البقاء, وتعاني من الشيخوخة والانعزال عن مشكلات المجتمع.. هذا واقع الأحزاب السياسية في الوطن العربي التى إن تجاوزت الحدود واجهت شبح التجميد وإذا تبنت سياسات المهادنة مع الأحزاب الحاكمة فقدت الجماهيرية وصارت مكاتب مكيفة لرؤساء الأحزاب وعائلاتهم, ففي اليمن لم تكن الأحزاب بأسعد حالِ حيث تقلصت عددها من 60 إلى 23 حزباً معترفاً به من قبل السلطة في عام 2003 وبأوضاع مزرية،القاسم الأكبر الذي يربط بينها هو ابتعاد الجماهير، اما في الأردن يواجه 20 حزباً معارضاً مصير الإغلاق, وفي مصر مازالت أحزاب "العمل, ومصر الفتاة, والشعب الديموقراطي" مجمدة بسبب تجاوز الحدود ، فيما آثرت دول الخليج البعد عن التجربة الحزبية, والاقتصار على تأسيس الجمعيات والتكتلات السياسية, وكأن الأحزاب "رجس من عمل الشيطان". أحزاب غائبة ويبدو المشهد السياسي في الساحة اليمنية غاية في الديمقراطية, حيث يمور بالأحزاب السياسية فعند بداية التعددية السياسية نشأ ما يقرب من 60 حزب سياسي في جو من الهرج والمرج وتقلصت حتى وصلت إلى 23 حزباً سياسياً معترفاً به رسمياً في عام 2003, تتشابه في البرامج والأهداف, إلا أن القاسم الأكبر الذي يربط بينها هو ابتعاد الجماهير عنها. وتتميز أحزاب اليمن بالممارسات "الشمولية", فكل حزب في الساحة اليمنية بوجه عام يعتبر نفسه الحزب الجماهيري الأوحد في الساحة, وأن كل مناشطه وأطروحاته أنضج وأصوب من الأحزاب الأخر, كما تتسم جميعها بعف البناء المؤسسي وغلبة النشاط العفوي في الهياكل التنظيمية للأحزاب, فضلاً عن ضعف القاعدة الاجتماعية للأحزاب السياسية, حيث أن أغلب الأحزاب لا ترتكز على قاعدة شعبية, والمركزية الشديدة وضعف الممارسة الديمقراطية. كما تعاني الأحزاب اليمنية من ضعف التأثير الجماهيري, الانفصال ما بين القول والفعل, تجاوز النخب الحزبية القوية للوثائق الحزبية, غلبة الطابع الحماسي والانفعالي والشعاراتي على مناشط الأحزاب, وضعف مبدأ الاستقلالية الحزبية, وتأثر الأحزاب بتراث العمل السري, وحضور عقلية التآمر والشك والإقصاء في الحياة الداخلية للأحزاب, وممارسة الإرهاب المادي والمعنوي ضد الأقلية والمعارضة الحزبية. أحزاب الأردن في الأردن التى شهدت يوم السبت إعلان أربعة أحزاب نيتها مقاضاة الحكومة في 17 من الشهر الجاري بعد انتهاء موعد المهلة القانونية الأربعاء المقبل والتي منحها قانون الأحزاب الجديد للأحزاب لتصويب أوضاعها, والأحزاب الأربعة هي حزب "الأرض العربية" وحزب حركة حقوق المواطن "حماة" والأنصار وحزب العمل القومي "حق", وأعلن حزبان آخران قبل أيام عن حلهما لعدم قدرتهما على الإيفاء بشروط القانون الجديد الذي يقضي بتسجيل 500 عضو مؤسس في سجلات وزارة الداخلية وهما حزب العهد وحزب الجبهة الدستورية الوطنية الأردنية. وإعتبارا من الأربعاء المقبل سيكون على كافة الأحزاب التي لم تتمكن من تصويب أوضاعها حل نفسها وإخلاء مقارها, ومن المتوقع أن يصل عدد الأحزاب التي سيتم إغلاقها أكثر من 20 حزبا, ورفض وزير التنمية السياسية السابق محمد العوران التعليق على الخبر رغم تأكيده رفع القضية, وقال:" لقد نصحنا المحامي بعدم التعليق على الخبر إلا بعد تسجيل القضية", وكانت الأحزاب الأربعة المذكورة المنضوية تحت إطار لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة، وكلت محامياً لرفع قضية ضد الحكومة احتجاجا على قانون الأحزاب الجديد الذي يرون أنه غير دستوي. واقع مأساوي وعلى الرغم من أن النشاط الحزبي المصري ضعيف منذ نشأة التعددية الحزبية المصرية عام 1976، وأن نشاط هذه الأحزاب ضعف كثيرا عقب حرب الخليج 1991 فقد شهد العام الأول لأحداث 11 سبتمبر تجميد نشاط نصف الأحزاب السياسية المصرية تقريبا بقرارات من لجنة الأحزاب الحكومية بشكل جمّد تقريبا ما تبقى من حيوية لهذه الأحزاب، فيما تأثرت باقي الأحزاب القائمة بسبب الشد والجذب مع السياسات الحكومية المختلفة. وصحيح أن تجميد أنشطة عدد من هذه الأحزاب تم قبل 11 سبتمبر ، إلا أن الأمر وصل ببعض أعضاء هذه الأحزاب المجمدة إلى وصف الحالة عقب 11 سبتمبر بأنها تجميد للحياة السياسية المصرية ذاتها, فهناك أحزاب مصرية قائمة ليس لها نشاط ، أو معروضة للبيع بسبب الفقر المالي وفقر الكوادر (حزب مصر العربي الاشتراكي) ، وأخرى نشطة ولكنها مجمدة وتمارس عملها عبر الإنترنت، وهناك تيارات سياسية لا تجد حزبا يعبر عنها؛ نظرا لرفض لجنة شئون الأحزاب تأسيس أحزاب جديدة لها وعدم الرغبة الرسمية في الاعتراف بها. لقد قامت لجنة شئون الأحزاب الحكومية بتجميد العديد من حزب العمل منذ عام 2000، حيث أصدرت محكمة الأحزاب بمجلس الدولة حكما بجلسة 2/4/2005 بتجميد قضية حزب العمل وصحيفة الشعب لحين الفصل في الدعوى المقامة من قيادات العمل بعدم دستورية قانون الأحزاب السياسية بالمحكمة الدستورية, كما تم تجميد حزب الشعب الديمقراطي الذي أنشئ الحزب بحكم من المحكمة الإدارية العليا دائرة شئون الأحزاب عام 1992، غير أن لجنة شئون الأحزاب السياسية أصدرت قرارًا بتجميده على إثر وقوع خلاف بين قياداته على رئاسة الحزب. الأمر الذي دفع بمؤسسي الحزب للطعن على قرار اللجنة أمام محكمة القضاء الإداري والمقيد برقم 5068 لسنة 47 قضائية/ 1268 لسنة 46 ق، وما زال الطعن متداولا بالجلسات. أما حزب مصر الفتاة فمنذ نشأته والخلافات داخله مستعرة بين قياداته على منصب الرئيس مما دفع لجنة شئون الأحزاب إلى إصدار قرارًا بتجميده، وما زال قرار التجميد مستمرًا، وما زالت الخلافات قائمة, كما تعاني بقية الأحزاب من مزيد من التهميش والتضييق والمشاكل المالية، فالأحزاب الكبرى مثل الوفد والناصري والتجمع تعاني من تهميش دورها لصالح الحزب الحاكم، ولا يؤخذ بآرائها في القضايا الكبرى الداخلية أو الخارجية، كما أنها تعاني من صراعات داخلية بين الجيل القديم والجديد، والأحزاب الصغرى تصارع فقط للحصول على الدعم المالي المحدود الذي تقدمه الدولة للأحزاب سنويا. عقدة التمويل أما الاحزاب المغربية فتخضع للفصول 33 و 34 و 37 من القانون الجديد المنظم للأحزاب الذي يطالبها بالإدلاء بحصيلتها وباعتماد نظام محاسباتي سنوي قادر على ضبط أدائها المال ونتائجها المحصلة، وحسب نفس القانون فإن الأحزاب التي لا تدلي بحصيلتها معرضة لعقوبات، منها تجميد الدعم الذي تتلقاه من الدولة، كما أن هذه الأحزاب مطالبة باحترام انعقاد مؤتمراتها في الآجال القانونية (أربع سنوات) كشرط للاستفادة من منح الدولة. كما تتسم أحزاب المغرب بأسلوب الفوضى والارتجال الذي ميز التسيير الحزبي طيلة السنوات الماضية، يعكس بشكل واضح عقلية المشرفين على هذه الأحزاب وطرق تفكيرهم بل ويعكس أيضا اهدافهم وطموحاتهم في قيادة حزب معين او في دخول الانتخابات، مما أدى إلى عزوف عدد كبير من المواطنين في المغرب عن العمل السياسي والانتماء الحزبي، وارتياح الأحزاب المغربية لوضعية المنتمي غير المكثرث و المنتمي المتلهف كطابع ميز المشهد السياسي والحزبي المغربي منذ الستينيات. ويبدو أن الدولة المغربية ركزت اهتمامها في المرحلة السابقة على البحث عن توافق يضمن استقرار العمل السياسي في المغرب، أكثر من بحثها عن تتبع العمل الحزبي ومراقبة مالية وضمان شفافيته,وبالتالي فيمكن القول انها كانت تبحث عن توافق دائم بينها وبين الأحزاب التي كانت تحسب سابقا في المعارضة، وهو ما جعل الأحزاب اليمينية أو المسماة تجاوزا بالإدارية ترتاح بدورها لصراع خدم مصالحها على مدى سنوات عديدة. جمعيات الخليج وباستعراض الدساتير والنظم السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي يلاحظ أنها وإن لم تنص مباشرة على قيام أحزاب سياسية، فإنها أباحت قيام الجمعيات والتجمعات. ففي الكويت، نصت المادة 43 من الدستور الكويتي الصادر عام 1962 على "حرية تكوين الجمعيات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون"، ونصت المادة 44 على أنه "للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حظر اجتماعاتهم الخاصة، والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات متاحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب". وفي دولة الإمارات العربية المتحدة نصت المادة 33 من الدستور الدائم على أن "حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات مكفولة في حدود القانون". أما دستور مملكة البحرين فقد نص في المادة 27 على أن "حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون". كما نص الدستور القطري الصادر عام 2003 في المادة 45 على أن "حرية تكوين الجمعيات مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون". وانطلاقا من تلك النصوص التي اتخذت صيغة وسطا بين الحظر والإباحة فقد شهدت الدول الخليجية الست العديد من التيارات السياسية كما هو الحال في دولة الكويت، وكان للجمعيات في بقية الدول الأخرى نشاط بارز على صعيد العمل السياسي في تلك الدول، بيد أن تلك التيارات لم تتبلور إلى شكل الأحزاب السياسية بالنظر إلى طبيعة تلك الدول. وقد أصبح لبعض هذه الجمعيات حضور سياسي بارز خاصة في دولتي الكويت والبحرين؛ ففي الكويت نجد التيارين الإسلامي والليبرالي ممثلين بمجلس الأمة، وفي البحرين سمحت الحكومة للعديد من القوى السياسية بالعمل كجمعيات سياسية وفقا للتعديل الدستوري الأخير في عام 2002، وهي تيار الإسلام السياسي (جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وجمعية العمل الإسلامي، وجمعية الرابطة الإسلامية "شيعة"، وجمعية المنبر الوطني الإسلامي "إخوان مسلمين"، وجمعية الأصالة، وجمعية الشورى "سنة") والتيار القومي، والتيار اليساري والتيار الليبرالي. تيارات سياسية كما شهدت دول الخليج نشوء تيارات سياسية وجمعيات خيرية لم تتبلور إلى أحزاب سياسية انطلاقا من أن المجتمع المدني عموما في هذه الدول، وهو الإطار الأوسع، لم يتبلور كوسيط حقيقي بين السلطة والشعب بما يجعل لديه القدرة على إحداث تغيير حقيقي في سياسات الحكومات، بل إن أنشطة هذا المجتمع اقتصرت على الأعمال الخيرية التي شهدت بدورها رقابة كبيرة وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وفي واقع الأمر لا يمكن فصل طبيعة المجتمع المدني عن سمات الواقع السياسي الخليجي عموما، فالانتماء الأول لبعض مواطني الخليج لا يزال للقبيلة؛ إذ يلعب العامل القبلي دورا واضحا في الانتخابات البرلمانية المتعاقبة لمجلس الأمة الكويتي، وفي تولي بعض المناصب الوزارية، كما أن الدولة الخليجية ما زالت دولة ريعية مسئولة عن تقديم الخدمات لمواطنيها؛ الأمر الذي جعل هامش المطالب محدودا، ومع أنه قد حدث تراجع نسبي ما في دور الدولة في بعض الدول الخليجية، فإنه لم يسفر بالضرورة عن تبلور مطالب جماهيرية يتم التعبير عنها من خلال أطر تنظيمية حزبية، وأخيرا لا يمكن إغفال السمة الوراثية للنظم الخليجية رغم اختلاف شكل انتقال الحكم بينها. محيط والوكالات