أحرج الانقلابيون في موريتانيا حماة الديمقراطية في العالم الحر، بخاصة وأن الانقلاب جاء بعدما اعتقد الجميع أن العسكر في هذا البلد تخلصوا من فكرة أخذ الحكم بالقوة، وبعد أن قدم الرئيس السابق علي ولد فال نموذجاً مختلفاً للعسكر في العالم الثالث؛ لكن إرث الانقلابات في موريتانيا طغى على تفكير قادة الجيش، وأثبت الموريتانيون أنهم أبناء الشعب العربي الأكثر انقلاباً على أنظمتهم، حالهم حال الكثير من دول أفريقيا التي لا تستطيع العيش بدون الانقلابات. وكعادة دول العالم الثالث التي تخرج شعوبها مصفقة للانقلاب خرج الموريتانيون إلى الشوارع مهللين للانقلابيين، تماماً كما خرجوا إلى الشوارع عندما انقلب الرئيس السابق ولد فال على الرئيس سيدي ولد الطايع الذي كان في زيارة رسمية لدولة قطر. ويبدو أن هناك علاقة جدلية بين الانقلابات العسكرية في العالم الثالث وما يحدث من تراجع في حياة المواطنين المعيشية، وكأن المواطنين في هذا البلد استمرأوا فكرة الانقلابات التي تخلصهم من الحياة التي يذيقها لهم الديمقراطيون، طبعاً الديمقراطيين "العالمثالثيين" الذين يحكمون بالهراوة والعصا الغليظة بقفازات عسكرية من حرير. لقد عاش الموريتانيون ساعات عصيبة بعد إعلان الانقلاب الأخير، ربما بسبب الصدمة التي جلبها الانقلاب، إلا أنهم لم ينتظروا كثيراً ليخرجوا إلى الشوارع مؤيدين للانقلابيين الجدد، وصفقوا كثيراً لزعيم مجلس الدولة البديل للرئيس ولد الشيخ عبدالله، والذي تعهد بإعادة الديمقراطية من جديد إلى البلاد، وهي الوعود نفسها التي أطلقها ولد فال عندما انقلب على الرئيس الأسبق ولد الطايع، الذي كان يقول إنه منتخب ديمقراطياًً من الشعب الذي خرج ليصفق ترحيباً بإزاحته من كرسي السلطة. لقد قدم الانقلاب في موريتانيا درساً لكل الذين ظلوا ومازالوا يعتقدون أن شعوب العالم الثالث قد بدأت تتهيأ تدريجياً للديمقراطية. فقد أكد الانقلاب أن هذه الشعوب مغلوبة على أمرها ولسان حالها يقول: "من تزوج أمنا صار عمنا". بمعنى آخر: لا يجب على الحكام أن يعتقدوا أن من يصفقون لهم اليوم سوف يخرجون غداً إلى الشوارع للتعبير عن أسفهم على رحيلهم أو "تقليعهم" بالقوة، على حد تعبير إخوتنا الشوام. كل الانقلابيين في هذا العالم عندما يصلون إلى السلطة يؤكدون أنهم ملتزمون بالديمقراطية والتعددية السياسية، ويقدمون أنفسهم على أنهم حامون للحريات، لكن وقائع الحياة وإيقاعاتها في ظل حكمهم تؤكد أن الديمقراطية آخر اهتماماتهم وقمع الحريات تأتي ضمن أولى أولوياتهم.