جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انقلاب فانتخاب فانقلاب .. موريتانيا... ديمقراطية تحت خوذة العسكر
نشر في أخبار اليوم يوم 28 - 07 - 2009

ما يجري في "بلاد شنقيط" مثير للاهتمام، فهذا البلد الواقع في أقصى الطرف الغربي للوطن العربي، يبحث منذ سنوات عن هوية سياسية تطبع حضوره الإقليمي والدولي، تعطيه تأشيرة حقيقية للنهوض من خلال إرساء قواعد مستقرة للمجتمع، وأيضا عن طريق لفت أنظار العالم، ربما بحثا عن "مكافأة" بدل عقوبات ونهب منظم يسلط عليه الكبار "الأوروبيون أساسا" منذ عقود دون أن يستطيع الدفاع عن نفسه.
الإنتخابات الرئاسية التي حصلت السبت الماضي في موريتانيا، تمثل فرصة جديدة، نظرا لما شهده المشهد السياسي من توجه إلى إعادة التشكيل، إذ من المنتظر أن لا يمر الفوز الساحق الذي حققه الجنرال محمد ولد عبد العزيز على ثمانية من منافسيه في الانتخابات الرئاسية من إثارة مزيد من الجدل السياسي، في ظل إصرار المعارضة على الطعن في النتائج واعتبار ما حصل جاء نتيجة تزوير وانتهاكات انتخابية خطرة.
ولم يمنع إجماع المراقبيين الدوليين على الإشادة بعملية التصويت مع ملاحظة الإقبال غير المسبوق للناخبين على صناديق الاقتراع، من التخوف من أن عدم التطبيع السياسي الكامل بين السلطة العسكرية الحاكمة والنخب السياسية المعارضة قد يعرض البلاد إلى مزيد من الهزات، خصوصا وأن عددا من المترشحين الخاسرين بينهم رئيس المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، مازال يحظى بشعبية قوية، ومازال لديه موالون داخل المؤسسة العسكرية.
المشهد السياسي الذي انبنى يوم السادس من آب- أغسطس الماضي،عقب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لم يتغير، فالجنرال محمد ولد عبد العزيز تحول من قائد انقلاب يسيطر على البلد بقوة السلاح إلى رئيس منتخب يحظى بشرعية انتخابية تقدر ب 52،58 بالمائة من أصوات الناخبين، مع احتفاظه طبعا بالمؤسسة العسكرية.
ومدعوما بشرعية انتخابية وارتياح مغاربي وأفريقي وأوروبي، يصبح الجنرال ولد عبد العزيز في طريق مفتوح لوضع أسس تجربة سياسية جديدة في موريتانيا، لكن هذا الطريق لن يكون سهلا إذ أن مخاطر أن تقوم المعارضة بقطعه بأي وسيلة مازالت قائمة، في صورة انعدام التوافق وتمسك كل طرف بمواقفه المتشددة تجاه الطرف الآخر.
الرئيس المنتخب الجديد تعهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الكفاءات وتعمل على تطوير موريتانيا وتتصدى للفساد والإرهاب والمخدرات وظاهرة الهجرة السرية والفقر.
وخلال حملته الانتخابية، كرر الجنرال ولد عبد العزيز مرارا، من انه "متيقن من فوزه من الجولة الاولى". وقال "سيكون انتصارا لموريتانيا قاطبة والشعب الموريتاني. . سيكون انتصار التغيير لموريتانيا الازدهار والجديرة باستقلالها".
وقد وعد عبد العزيز خلال الحملة الانتخابية، بخفض أسعار المواد الغذائية والوقود، وهو الوعد الذي من المرجح أن يكون استمال الكثير من الموريتانيين الذين يعيش 40 في المئة منهم تحت خط الفقر.
ويرجح المراقبون أن عزف الجنرال ولد عبد العزيز على وتر النهوض بالفقراء ومحاربة الفساد حقق له بالفعل أغلبية أصوات الناخبين ومكنه من العودة إلى القصر الرمادي "قصر الرئاسة الموريتانية" بعد أن خرج منه في إجازة لثلاثة أشهر، حتى يفسح المجال للعبة الديمقراطية أن تأخذ وقتها عقب الاتفاق الموقع في العاصمة السينغالية داكار لحل الأزمة السياسية.
وحسب سياسيين موريتانيين، فإن الجنرال قد فاز على خصومه منذ الحملة الانتخابية بعد أن "اغتصب من أفواههم" شعارات جلب الأصوات، من قبيل "محاربة الفساد وتشغيل العاطلين عن العمل وطرد السفارة الاسرائيلية"، كما انتصر عليهم من خلال تكريس الإعلام الرسمي لإعادة صياغة أذهان العامة وفق برنامجه السياسي.
وهذه "الانتهاكات" التي سيحتفظ بها الخصوم ستعكس مزيدا من العوائق أمام تحقيق موريتانيا قفزة نوعية إلى الأمام تحت ظلال تجربة ديمقراطية، بات ينظر إليها مناصروها على أن الدماء التي تجري في شرايينها هي دماء غير عربية، لأن غالبية الأقطار العربية لم تعش تجربة ديمقراطية وزخما سياسيا بالمعنى الحقيقي، كما أن موريتانيا اليوم قد حققت رقما قياسيا في عدد الرؤساء السابقين ممن على قيد الحياة، أربعة، وباستثناء العقيد معاوية ولد الطايع اللاجئ في قطر يوجد ثلاثة آخرون في نواكشوط هم أعل ولد محمد فال، وسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وآخرهم الرئيس الانتقالي أمادو با امْباري، رئيس مجلس الشيوخ.
لكن الخصوم والمشككين في التجربة التي طبعت الحياة السياسية الموريتانية في السنوات الأخيرة لا تعدو أن تكون ديمقراطية تحت خوذة العسكر، إذ ما سيحصل بعد انتخاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز هو وجه آخر من استمرار سلطة الجنرال العسكرية، وعوض أن يمارس مهامه ببزته العسكرية، يخلعها ويستبدلها بزي مدني، تماما كما فعل في السابق العقيد معاوية ولد أحمد الطايع الذي قاد الانقلاب على الرئيس المدني محمد خونا ولد هيدالة في الثاني عشر من ديسمبر- كانون الأول عام 1984، وبعد 22 عاما تقريبا تمكن العقيد أعل ولد محمد فال من إزاحته في الثالث من أغسطس-آب عام 2006، وبعد أن وعد ولد محمد فال بإطلاق تجربة ديمقراطية أجريت انتخابات ديمقراطية رفعت رئيسا مدنيا هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى الرئاسة، لكن سطوة العسكر لم تفسج له المجال لممارسة صلاحياته الدستورية، فكان مصير نظام حكمه الهش انقلاب في السادس من أغسطس 2008، ليخرج من القصر الرمادي مخفورا إلى الإقامة الجبرية.
والآن، فإن كل المؤشرات تؤكد أن الجنرال ولد عبد العزيز سيتمكن من بناء نظام مستقر، ولكنه استقرار مرهون بمدى إحكام قبضته على المؤسسة العسكرية، ثم التزامه بما أطلقه من وعود سواء على المستوى الداخلي أو العربي والإقليمي والدولي.
وإذا كان من انجاز يحسب لولد عبد العزيز، على المستوى العربي، فهو إقدامه على طرد السفير الإسرائيلي وإغلاق السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، في غمرة العدوان الوحشي الذي شنه الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة أوائل العام الجاري، وهو موقف اعتبر على المستوى القومي مشرفا مقارنة بدول عربية أخرى، هي أكثر شأنا، من موريتانيا، ولكنها على جلال قدرها، لم تستطع حتى استجواب السفير الإسرائيلي أو طرده.
وعلى المستوى المحلي، فإن الوعود التي أطلقها ولد عبد العزيز خلال حملته الانتخابية تجعل من اصطفاف جماهير غفيرة من الناخبين أمرا منطقيا، طالما أن البلد عصفت به خلال العقود الأخيرة، جوائح الفساد واستغلال النفوذ، والمحسوبية القبلية.
ويوجد إجماع بين النخب السياسية على أن الفساد مستشر بشدة في موريتانيا، حتى أنه ليس من باب المفارقة أن يلتقي المرشحون التسعة في الانتخابات الأخيرة عند نقطة محاربة الفساد، وإن اختلفوا في نقاط أخرى، كما بعض الأقطاب المعارضة اتهمت الجنرال الفائز باقتباس مشاريعها السياسية لمحاربة الفساد.
وتعاني موريتانيا من نسبة عالية في مستوى الفقر، وتؤكد إحصائيات رسمية صدرت عام 2006، أنها تصل إلى 46% منهم نسبة 75% من الفقراء من سكان الأرياف، لكن هذه النسبة ارتفعت خلال الأشهر الأخيرة بسبب الأزمة الإقتصادية العالمية، وعدم الاستقرار السياسي.
وحاول المجلس العسكري الحاكم خلال السنة الماضية امتصاص انعكاسات الأزمة الاقتصادية، وقام بإصدار مراسيم لخفض أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية وتوفير الغذاء مجانا للمواطنين الأكثر احتياجا، كما سعى إلى فرض رقابة قوية على مراقبة الأسعار والعمل على تصحيح الوضع المالي والاقتصادي.
وتؤكد تقارير رسمية موريتانية أن جانبا كبيرا من نسبة الفقر في البلد يعود إلى استمرار انتشار المحسوبية والفساد واختلاس الأموال العمومية.
وعلى سبيل المثال، نشرت "مفتشية الدولة" الموريتانية عام 2007، غداة انتخاب الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله تقريرا رفع الغطاء عن واقع متعفن بالفساد.
وتحدث التقرير عن وجود تلاعب من قبل بعض المسؤولين في الحسابات المصرفية للإدارات، وبالإنفاق المبالغ فيه، وعن تلاعب بعض المسؤولين في صفقات مع موردين وهميين للاحتيال على المال العام، فضلاً عن صفقات غسيل الأموال.
وأصدرت المفتشية إنذاراً إلى مسؤولين، بينهم وزير ونائب، بإعادة ممتلكات تابعة للدولة استولوا عليها أثناء شغلهم لوظائف حكومية سابقة.
وهذا الواقع لا يتوقع أنه قد تغير، طالما أن الأسباب لم تتغير بعد، وللأمانة فهي ليست محلية فحسب، إذ أن قلة الاستثمارات الأوروبية والعربية، ساهمت بقسط كبير في رفع نسبة الفقر وبالتالي الفساد أيضا، كما أن تعثر بناء اتحاد المغرب العربي الذي طمحت نواكشوط من الاستفادة منه، أثر بشكل سلبي على طموحاتها التنموية، شأنها في ذلك شأن الأقطار الأخرى.
وعلى الرغم من أن موريتانيا ترتبط بعلاقات وثيقة بالاتحاد الأوروبي، لكنها لم تنل ما تلقته من وعود استثمارية نصت عليها اتفاقيات شراكة ومعاهدات تعاون ثنائي مع أكثر من بلد أوروبي وخصوصا فرنسا وإسبانيا.
وطوال عقود ظلت الثروات الطبيعية الموريتانية، خصوصا الثروة البحرية، عرضة للنهب الأوروبي الذي تمارسه الأساطيل البحرية الأجنبية "أوروبية و غير أوروبية" في غياب أية رقابة أو حتى اهتمام من طرف السلطات الوطنية خاصة أن موريتانيا لا تملك تقاليد معتبرة في مجال الصيد.
ولحسن استغلال ثرواتها البحرية تحتاج موريتانيا إلى أموال ضخمة واستثمارات نزيهة تمكن من رفع مستوى العيش في هذا البلد، كما تحتاج لاستثمارات ضخمة موازية للنهوض بقطاعها الزراعي وخصوصا مكافحة التصحر واستصلاح الأراضي.
هذه هي موريتانيا في واقعها الحالي، "دولة" تحتاج إلى بناء دولة حقيقية، للخروج من دائرة الفقر والتخلف، ورغم أن مواردها قليلة إلا أن الحراك السياسي الذي شهدته خلال السنوات الثلاث الأخيرة يمكن أن يكون قاعدة لبناء مجتمع سياسي وآخر مدني، يمكن أن يترجم ما تصبو إليه النخبة من طموح في الاستقرار.
فمنذ عام 1978، إثر الانقلاب على باني موريتانيا الحديثة الرئيس المختار ولد داده، لم تشهد استقرارا بالمعنى السياسي أو الاجتماعي، وحتى عهد نظام الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الطويل نسبيا "22 عاما" ظل محاصرا بالأزمات السياسية الداخلية والإقليمية، فمن تداعيات الصراع على الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب، إلى الصراع مع السينغال بسبب النزاع على مصب نهر السينغال، وتكرر محاولات الانقلاب عليه منذ 2003 وحتى 2006.
وربما يكون أكثر من 30 عاما من الاضطراب السياسي والأمني والوقوع ضحية التجاذبات الإقليمية والدولية، خير حافز للخروج من هذه الدائرة، ولكن مهما كانت سلبيات الفترة الممتدة من الاستقلال إلى اليوم، فإن المجتمع البدوي الموريتاني استطاع تحقيق جانب من التقدم اعتمادا على الجمع بين البداوة، ومتطلبات دستور بمبادئ حديثة، ومجالس منتخبة للنواب والشيوخ.
غير أن ما تحقق لا يدفع إلى الاطمئنان بأن المجتمع الموريتاني قد بلغ من النضج السياسي بما يمكنه من الركون إلى تجربة ديمقراطية، فموريتانيا لن تصبح "أثينا" الوطن العربي أو افريقيا، طالما أن المؤسسة العسكرية هي التي تركب سفينة السلطة وتقودها وتحدد لها خطوط ملاحتها السياسية، كما أن هذه السلطة لا تسمح إلا بمقدار لنشاط منظومات المجتمع المدني وأحزابه، وربما هذا الأمر يفهم في مرحلة ما ولكن استمراره وإعادة انتاجه لن يحقق أي تقدم ولن يخرج موريتانيا من تحت طائلة الانقلابات والانقلابات المضادة، وهو ما يعني إعادة تدوير اللعبة والرجوع إلى الصفحة الأولى.
الديمقراطية، وبطولة العسكر. . جولة بجولة
تعتبر موريتانيا حائزة الرقم القياسي من بين الدول العربية من حيث كثرة الانقلابات العسكرية فيها، وكان أول انقلاب عسكري في البلاد على أول نظام مدني بعد الاستقلال عندما نظم الجيش "انتفاضة" ضد نظام المختار ولد داده يوم 10 يوليو 1978، وقد اختار الجيش الموريتاني هذا اليوم "عيدا وطنيا" له.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت موريتانيا رحلتها الطويلة مع الأنظمة العسكرية، وصراعات الضباط على الحكم. ولم تكن الانقلابات في موريتانيا من طبيعة، واحدة فهي وإن كانت في شكلها تمثل ظاهرة واحدة، فإنها مختلفة في دوافعها وخلفياتها.
بدأت قصة الانقلابات في موريتانيا فجر يوم 10 يوليو 1978 حينما أعلن الجيش الإطاحة بالرئيس المختار ولد داداه، واستبداله بقائد أركان الجيش آنذاك المصطفى ولد محمد السالك. وكان أهم دافع لذلك الانقلاب هو الثمن الفادح الذي بدأ الجيش يدفعه في حرب الصحراء، وهي حرب استنزاف لا نهاية لها، أنهكت الدولة الموريتانية الهشة.
ثم توالت الانقلابات من بعدُ بسرعة قياسية، كشفت عن التناقض السياسي والأيدولوجي داخل المؤسسة العسكرية، فحل المقدم محمد محمود ولد أحمد لولي محل المقدم ولد محمد السالك بعد عام واحد، ليزاح هذا ويحل محله المقدم محمد خونا ولد هيداله في أقل من عام، ولم ينعم هذا كثيرا بطعم الراحة حتى فاجأته محاولة انقلابية منطلقة من المغرب يوم 16 مارس 1981، استطاع إخمادها وإفشالها بسرعة، ثم جاءت الضربة القاضية من وزير دفاعه العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع الذي استولى على السلطة في انقلاب يوم 12 ديسمبر 1984.
وقد كلفت لعبة السلطة الجيش الموريتاني الكثير، ومن ذلك تساقط قادته التاريخيين بشكل مثير في ما يشبه تصفيات الرؤوس الكبار في المؤسسة العسكرية، فقد مات العديد من هؤلاء في ظروف غامضة أثارت الريبة حول زملائهم في المهنة، وبالذات أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة.
ومن أشهر أولئك الذين ماتوا ميتة مريبة المقدم أحمد ولد بوسيف الذي توفي في سقوط طائرة موريتانية بالمحيط الأطلسي في رحلة إلى السنغال لم يتم كشف سرها حتى الآن.
كما أعلن مقتل كل من المقدم جدو ولد السالك، والمقدم سيدي ولد محمد الأمين، والعقيد أحمد ولد النيه، في حوادث سيارات غامضة، أثناء أسفار غامضة بين المدن الموريتانية. ولم تكشف تحقيقات علنية ذات مصداقية عن حقيقة ما جرى لأي من هؤلاء وسبب وفاته الحقيقي.
وأخيرا قتل قائد أركان الجيش الموريتاني العقيد محمد الأمين ولد انجيان في المحاولة الانقلابية يوم 8 يونيو 2003 في ظروف ملتبسة أيضا، فقد أعلن أحد الدبلوماسيين الموريتانيين بالخارج في ثاني أيام المحاولة الانقلابية، أن القوات الحكومية المساندة للرئيس معاوية هي التي قتلت قائد أركانها بعدما ظهر منه جنوح إلى الانقلابيين، في حين أعلنت السلطة أن الانقلابيين هم من قتلوه وحملتهم مسؤولية ذلك.
ومع أن الانقلاب الأخير في 2008 الذي أطاح بأول رئيس منتخب كان الأكثر جدلا في موريتانيا فإن قائده الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي فاز في النهاية بانتخبات 2009 يعتبره تدخلا لإنقاذ موريتانيا وتضحية كبيرة أنقذت مؤسسات البلد من الانحراف والانهيار على حد تعبير المقربين منه.
والانقلابات في موريتانيا وسيلة لجذب الأصوات كمناهضتها. يبني بعض المرشحين شرعيتهم على الانقلابات التي قادوها أو شاركوا فيها. وآخرون يقيمون دعايتهم على مناهضتها، لتبقى دائما حاضرة في الدعاية سلبا وإيجابا.
المفارقة أن كلا الدعايتين تجتلب ناخبين كثرا. . فالديمقراطية تأتي بناخبين لهم قناعات ديمقراطية، يرون في مواجهة العسكر بطولة توازي بطولة العسكر التي تهديهم ناخبين ثوريين لا يأبهون لشكل الحكم. . يهمهم فقط أن يساسوا بقوي منجز.
والانقلابات تعتبر اليوم الأكثر حضورا في الدعاية الانتخابية الموريتانية، وبذات الصبغات تقريبا كل يلبسها ألوانه وينظر إليها من زاويته.
مرشح الرئاسيات وقائد انقلاب السادس من أغسطس محمد ولد عبد العزيز يعتبر نفسه منقذ موريتانيا من خلال مشاركته الفاعلة في أبرز انقلابين تشهدهما موريتانيا فقد كان أهم الفاعلين في الانقلاب الذي وضع حدا لنظام ولد الطايع الذي استمر أكثر من عشرين سنة في الثالث من أغسطس 2005 وهو الانقلاب الذي مهد لأهم مسار ديمقراطي في موريتانيا وجاء بأول رئيس مدني منتخب في انتخابات أجمعت الطبقة السياسية على نزاهتها، ما لبث أن انقلب هو عليه بعد أقل من سنتين على انتخابه.
هذان الانقلابان حضرا بقوة في دعاية ولد عبد العزيز الانتخابية وفي خطاباته بشكل خاص، وكان حضور أحدهما مزدوجا؛ فهو ينسب الفضل فيه لنفسه وفي ذات الوقت ينفي أي حضور لرئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية اعل ولد محمد فال.
أما المرشح أحمد ولد داداه الذي دعم الانقلاب الأخير في البداية قبل أن يتراجع عن ذلك تحت شعار وقف الأجندة الأحادية للعسكر وشارك بفاعلية في قيادة ما سمي يومها بالمقاومة الديمقراطية ليشارك في مفاوضات دكار كطرف ثالث من أطراف الأزمة الموريتانية، فيقدمه أنصاره على أنه سيكون عنوان مرحلة جديدة باعتباره أول رئيس لموريتانيا سيصل إلى السلطة من خارجها ودون دعم أي من أجهزتها الإدارية.
ولد داداه وإن تجنب الكلام خلال الحملة بشكل مباشر عن الانقلابات فقد قال في خطابه أمام سكان مدينة النعمة في أقصى الشرق الموريتاني "إن الجيش الموريتاني ليس ملكا لأحد ولا ينبغي له أن يكون كذلك، بل يجب عليه التفرغ لمهامه باعتباره جيشا جمهوريا لكل الموريتانيين".
التيار الإسلامي الذي دفع برئيس حزبه "تواصل" محمد جميل ولد منصور إلى غمار المنافسة، يتهم من طرف دوائر في السلطة الموريتانية بالتحالف مع الرائد السابق صالح ولد حننا، الذي قاد عدة محاولات انقلابية ضد نظام ولد الطايع كان أولها 08 يونيو 2003 وهي التهمة التي ينفيها التيار بقوة ويقول إن النظام الموريتاني حينها أراد إدانته عبر إلصاق تهمة العنف به.
وكان التيار بعد الانقلاب الأخير أحد مكونات الجبهة الوطنية للدفاع المناوئة للانقلاب رفقة العديد من قادة التشكيلات السياسية الاخرى، وهو يستخدم الآن نضاله في الجبهة كأحد نماذج دفاعه عن الديمقراطية.
المرشح اعل ولد محمد فال الذي كان رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية المنبثق عن انقلاب 03 أغسطس 2005 وأكثر من تباهوا بتاريخهم في قيادة الانقلبات فهو حسب العديد من أنصاره "سوار ذهب" موريتانيا باعتباره أول رئيس يسلم السلطة طوعية لرئيس منتخب.
انتقد ولد محمد فال بشدة انقلاب السادس من أغسطس 2008 قائلا إنه كان انقلابا على رئيس منتخب من الشعب الموريتاني بشكل شفاف وليس له أدنى مبرر.
مسعود ولد بلخير مرشح الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية المناوئة لانقلاب 06 من أغسطس أكثر من يمكنه استخدام خطاب الدفاع عن الديمقراطية من المرشحين، فهو كان صاحب النصيب الوافر من مناهضة العسكر أيام المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وهو أكبر شخصية ترفض انقلاب السادس من أغسطس مضحيا بمنصبه في رئاسة البرلمان. المرشح صالح ولد محمدو ولد حننا رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني "حاتم" قائد أشهر محاولة انقلابية في موريتانيا ضد نظام ولد الطايع في 06 من يونيو 2003 يقدمه أنصاره على أنه الرجل الذي ضحى من أجل موريتانيا في الوقت الذي كانت البلاد تشهد أشد انسداد سياسي في تاريخها.
ويركز أنصار المرشح على خصال الشجاعة والتضحية التى عرفها الموريتانيون عن المرشح منذ قيادته لذلك الانقلاب.
ولد حننا دخل الحياة السياسية والمعارضة من باب الانقلابات حين قاد أولى المحاولات التي دخلت طور التنفيذ ضد ولد الطايع وكادت تودي بنظام حكمه.
وخرج ولد حننا من المعارضة بانقلاب السادس من أغسطس 2008 وموقفه الداعم له.
مرشحو الرئاسة الموريتانيون أو أغلبهم، تطاردهم الانقلابات أو يطاردونها؛ منهم من يجعل منها مجدا يتكئ عليه في خطب ود الناخبين، ومنهم من يفرق بين ما شارك فيه منها وما وقع وهو خارج السلطة، ومنهم من يستفيد منها رافضا التسليم لأصحابها، ومنهم من تلاحقه تهمة يفر منها إلى التشبث بالخط المدني في النضال لجلب أو إزاحة الأنظمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.