كادت جزيرة سقطرى اليمنية أن تكون وطنا ً لليهود ( أي دولة إسرائيل) قبل أن تقوم هذه الدولة في العام 1948م على أرض فلسطين المنكوبة!! وهذه معلومة معروفة لدى البعض, ولكنها مجهولة عند كثيرين, في داخل اليمن وخارجه .. وأصل الحكاية ترويها وثائق تعود إلى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي, وبالذات بين ديسمبر 1938م ومايو 1939م .. وقد كانت حينها تعد وثائق سرية للغاية, لدى الدوائر السياسية والاستخباراتية البريطانية, وكذا الدوائر الصهيونية العالمية .. كانت بريطانيا قد أخذت على عاتقها مهمة إيجاد وطن لليهود .. وقد تداولت الدوائر المختصة في لندن عدة خيارات بهذا الصدد؛ بينها غانا وأوغندا في أفريقيا ودول أخرى في أميركا الجنوبية .. غير أن مراسلات سرية تمت بين السير جون شكبرغ وزير المستعمرات البريطانية والمقدم السير برنارد رايلي الضابط السياسي البريطاني في عدن والسير ريدر بولارد وزير صاحبة الجلالة في المفوضية البريطانية في مدينة جدة السعودية, تداولت إمكانية توطين اليهود في جزيرة سقطرى التي لفتت انتباه الأوساط السياسية والاستخباراتية البريطانية إليها إثر مقالة نشرت يوم 18 يونيو 1938م في "النشرة الإخبارية" الصادرة عن مستعمرة عدن .. وهي مقالة بقلم السير أرنست بينيت عضو مجلس العموم البريطاني, يصف فيها الجزيرة بصورة أَسالتْ لُعاب الإنجليز!! وحسب هذه المراسلات – التي حصل كاتب هذه السطور على عدد منها – فإن السير شكبرغ يستنجد بالسير رايلي لبحث إمكانية توطين بعض يهود ألمانيا والنمسا ودول أوربية أخرى في جزيرة سقطرى, بعد أن باتت هذه القضية تقض مضاجع أهل القرار السياسي في لندن, مختتما ً إحدى رسائله إليه بهذا الخصوص, بهذه الفقرة حرفياً: "أخشى أن تعتبر هذا المقترح جنونيا ً بعض الشيء, ولكن الأحوال باتت تجعل حتى أكثر المقترحات شططا ً قابلة للنظر فيها. إذا كانت سقطرى قادرة على استيعاب حتى حفنة من المهاجرين, فإن ذلك سيشكل بعض المساعدة الصغيرة على الأقل". باختصار شديد – تحت وطأة ضيق مساحة هذا العمود – فإن مؤامرة توطين اليهود في سقطرى تكشَّفت حلقاتها للرأي العام العربي والإسلامي, لاسيما بعد أن نشرت صحيفة مصرية أسبوعية كانت تصدر آنذاك باسم "الرابطة العربية" تفاصيل خطيرة عن هذه المؤامرة, فثارت ثائرة الدول العربية والإسلامية, وبضمنها الحكومات المحلية اليمنية, لاسيما حكومة سلطان قشن وسقطرى الذي تقع الجزيرة تحت إدارته المباشرة. وكانت هذه المراسلات قد تطرقت – في سياق استعراضها للعوامل التي تُغري باتخاذ قرار بالتوطين في الجزيرة – إلى أنه "لن تكون الفرص الماثلة أمام المستوطنين محصورة كُليّة ً في الإنتاج الزراعي الأوَّلي, بل ستمتد لتشمل التجارة". في الواقع من المحتمل أن تجارة الترانزيت الحالية في عدن سوف تتوسع, وكذلك سيكون الحال مع موانئ الجنوب العربي الصغيرة, خاصة ً إذا تمّ تطوير ترسُّبات الفحم الحجري في حضرموت. ويمكن للمنطقة كلها أن تشهد نمو تجارة محلية كبيرة. وهناك أيضا ً إمكانيات تتعلق باستغلال ترسُّبات السماد الطبيعي في الجزر المعروفة بالأخوين (أي جزر عبد الكوري وقلنسية) وغيرها .. وأعتقد أن القارئ سيجد في هذه العبارات ما يجعله يدرك حقيقة الدور الاقتصادي والمكانة الدولية التي كانت عدن مؤهلة لها عشية قيام الحرب العالمية الثانية, وهما – الدور والمكانة – اللذان كانا سيتجاوزان حدود عدن, إلى جميع المحميات الجنوبية, لاسيما الواقعة منها على الشريط الساحلي للبحر العربي!! [email protected] *رئيس تحرير صحيفة الوحدة