تذكرنا الثورات في تونس و مصر و اليمن و ليبيا ، بانه لا صفة عالمية لوصفات الديمقراطية الليبرالية الغربية ، و بان المهمشين و المعذبين في الارض ،هم الذين يبقون الوعد التاريخي بالديمقراطية الحية . ولقد هزت الثورات العربية خلال أسابيع الطريقة التي يتخيل بها الغرب نفسه و كيف يدير العالم ، وأن ثمة تصور أنساني ومصير مشترك ، فالطموح الشعبي هز الفيض الجمعوي للطموحات الديمقراطية عند الشعوب المهمشة و المعذبة والمقموعة . العاصفة السياسية التي اندلعت من تونس و مصر كانت سريعة ، مفاجئة و لدرجة يصعب أدراجها ضمن المخططات والجهود الامريكية و الدولية للدمقراطة المنطقة ، اذ أن العفوية المطلقة و الغياب الكامل لاية مؤامرة حقيقة أم متخيلة جعل بالفعل وصف ما يحدث بانه "لحظة تاريخية "" انعطافية بكل معناها السياسي و الاستراتيجي و الشعبي . تزيل هذه الثوارات الكثير من الاوهام و الادعاءات السياسية لقوى المعارضة و الموالاة في العالم العربي التي تدعي أن توسيع نطاق الحرية و الاصلاح السياسي يعني بالضرورة قبول الهيمنة الغربية ، و تعري باطل ثالوثة الاستقرار ما بين " النفط و اسرائيل و الاسلاموفبيا التي تسند الديمقراطيات الغربية الليبرالية في موقفها من الاصلاح و التغيير في العالم العربي. التسارع العالي و النادر لحركة التاريخ ، تذكرنا بان المثل العالمية و الانسانية و الحرية يصونها معذبو الارض ضد مصالح القمع المشتركة العابرة للقارات و ضد مصالح الليبرالية الغربية المتعمقة في المنطقة العربية ، ألم يثور اللبيون مطالبين بحقهم في الحرية و النعم بخيرات بلادهم في وقت تنحدر به اوربا التنوير و الثوارات و الديمقراطية الى دعم نظام ديكتاتوري متهالك للحفاظ على مصالحها و مطامعهم في الشمال الافريقي . الشباب المحتجون عربيا ، في تونس و مصر و ليبيا و اليمن ، يخضون حربا ليس لاسقاط رموزهم السياسية التقليدية و زعماء الانظمة السياسية المتهالكة وحسب ، بل هي معركة لاستعادة الذات و الروح و أستعادة بلادهم من قهر الهزائم ووقع الاضطراب و الفوضى و الانكسار لمشاريع بيع أصول الدولة و تجارة السياحة السياسية ، ونهب الثروة الوطنية من جانب نخب رجال أعمال تحالفت مع سلطات سياسية فاسدة ، فهكذا تصبح هذه لحظة تطهير ثقافي ذات قدرة على تحرير العرب من نحو نصف قرن من الخوف المشلّ والانكسار. ماحصل في تونس و مصر فقد قام حقا بقوة الشعب ، أنها ثورات شعبية بكل ما للكلمة من معنى ، و لم نرى أي شعارات أيدلوجية براقة" الاسلام هو الحل " ، و لامجموعات الاحزاب و القوى السياسية المؤدلجة التي سرقت في تاريخنا العربي المعاصر الكثير من الثورات ، اي منذ بدء عصر السياسيات الجماهيرية في بلادنا العربية . و اللغز الاهم ، ان هذه الثورات المتتالية عصية على التفسير من داخل القاموس السياسي للحداثة ، لاتنطبق كل ادوات الحداثة ومصطلحاتها عليها من أحزاب وطبقات و تكتلات مصالح ، على أنتفاضات شعبية لشعوب مقهورة ومقموعة و مهمشة ومعذبة أنتفضت على طغاتها . كان التعبير عن الاحتجاج من خارج البنى المؤسّسيّة التي يفترض بها أن تؤطّر الفعل السياسي في عصر الحداثة. أحزاب المعارضة، مثلها مثل ممثّلي السلطة، لم تكن أكثر من شاهد على هذه الانتفاضات، ثمّ انضمّت إليها التحاقاً بالشعب، لا قيادةً له. ما هو مميز تاريخيا في هذه الثورات الشعبية ، انها لم ترفع شعارات ومطالب يمكن تصنيفها في خانة الديمقراطية الليبرالية ولم يرددوا شعار الاسلام هو الحل ، و لا أي لغة ايدلوجية محددة ، ومن يحاول أن يقارب هذه الانتفاضات الشعبية و الثورات الامريكية الملونة في العالم أو حتى انتفاضات أوروبّا الشّرقيّة في التسعينيات، هو مزوّر يحاول تجيير صوت الناس مستخفّاً بنضالاتهم. وصم انتفاضات تونس ومصر بالليبراليّة لمجرّد أنّها طالبت ب الحرّيّة هو كالادعاء بأنّها حركات ماركسيّة لأنّها تجهر بالعداء للاستغلال الاقتصادي. هذه الانتفاضات الشعبية أظهرت فشلا مدويا لمنظمات المجتمع المدني التي مولها الاميركيون و اجهزتهم الاستخبارتية في العالم العربي مليارات الدولارات لزرع قيم الديمقراطية وحقوق الانسان و مبادئ الليبرالية الغربية الامريكية في وعينا العربي ، الا أن الشعوب العربية أثبتت سخف ذلك و ان دخلوها الى المعجم العربي من بوابة الاستخبارات الامركية كان عصيا عى العقل العربي . هولاء الثوار و المحتجين ، لا ينتمون الى أحزاب سياسية و لا هئيات مجتمعية مدنية ، هم من المهمشين في بلادنا ، ثوار انتفضوا على سلطات سياسية فاسدة و طاغية و قهرة الناس و أذلتهم ، أرهقت مشروعهم الوطني لعقود و وضعتهم في دوائر واهنة و ضعيفة و مدمرة و ذليلة . ثوار عبروا عن موقف أخلاقي ضدى تجبر السلطات السياسية و تعفنها في الحكم ، وضد تدخلها المباشر و الخانق في حياة الناس ، وضد حبس حقوقهم واموالهم ، و ضد مؤسساتها البيروقرطية الفاسدة و المعقدة ، و فهي لا تعني على الاطلاق أنها ثورة ليبرالية أو أسلامية أو ماركسية . اليوم ونحن في أتون الثورة ، ويبدو جليا أن الشعوب العربية على وشك أزالة سلاطين الهزائم و انظمتهم المنكسرة على ذاتها و أمتها وشعوبها ، و لندافع عنها قبل أن تسرق ، و لندافع عن شعبيتها و حريتها ورفضها للسلطة المطلقة ، قبل أن تقطف مجموعات نخبوية ثمارها ، أو أن تؤتي المؤامرات الأميركيّة أكلها وتجهض الثّورة قبل أن تنتصر. علينا أن نكون متشائمين. و كأن طيفا جميلا فوق شوارع المدن العربية الكبرى ، سيرى الوجه الباسم و الامال لابو الذر الغفاري و ابن عربي و للشيخ الحلاج و الامام الكيلاني و ابن المقفع و ابن رشد و الكواكبي و بلال بن رباح رحمهم الله اجمعين . [email protected]