العالم عربا وعجما يتابعون ما تشهده المنطقة العربية من أحداث وتطورات خطيرة ، وما انتهى اليه بعضها بإسقاط النظام كما حدث في تونس ومصر ودخل في أتون فوضى بصرف النظر عن الأسباب التي غرق منها الجميع.. وبعضها الآخر انقسم فيه أبناء البلد الواحد ووضعها على شفا مجهول خطير كما يحدث في اليمن، ونموذج ثالث هو الحرب على الشعب بأسلحة ثقيلة كما يفعل نظام القذافي (من شارع لشارع ، وبيت بيت ، وزنقة زنقة ) وأزمة مفتعلة بوجه طائفي في البحرين ورأس الفتنة خارجها، وبوادر انفجار في سوريا دخل حيز الضغط الاعلامي تصريحا بعد أن كان تلميحا ، شأنها شأن ما سبقها. لذا اريد الحديث عن الجانب الحاضر بقوة في احداث المنطقة وهو دور الاعلام الفضائي والاليكتروني. وطابور المحللين والمنظرين الذين لا يعرفون غير لغة الكراهية وإشعال نار الفتنة أكثر ولا تعنيهم النتائج التي لن تؤدي حتما إلى استقرار حتى وإن تحققت الديموقراطية . هنا اتساءل: ألم ينتابكم الشعور بالطفش والغضب جراء هذا السيل الإعلامي من التحريض ليل نهار حتى جعل واقع تلك الشعوب كلوحة سريالية كل واحد يراها بطريقته ، وقد رأينا شاشة الفضائية الواحدة موزعة بين عدة دول بين ما يحدث من أكثر من دولة :احتجاجات واعتصامات وقتال وصياح وشعارات ( الشعب يريد اسقاط النظام ) . هكذا تبدو بعض الفضائيات المعروفة باتجاهاتها وكأنها ينطبق عليها المثل القائل (تبغى مصيبة وتشبع فيها عويل) والعياذ بالله، فقد تفرغت تلك الفضائيات ومختلف وسائل الإعلام لنقل ما يحدث في تلك الدول وتنفخ في نارها بطريقة تفوقت فيها على ابليس الرجيم ، ولا تترك للحكماء مجالا لصوت العقل. لابد أن نتوقف وبجدية أمام هذا المشهد الإعلامي الذي استغل الثورة الإعلامية في عصر الفضاء والإنترنت إلى تسييس كل شيء على طريقة الفوضى الهدامة التي تأتي على الأخضر واليابس ، إنها حقا ظاهرة خطيرة أصبح فيها الإعلام الموجه للرأي العام بفنون الكلمة والصورة وجنونها باسم الحرية والموضوعية ، وهو أبعد ما يكون عن التزامات الحرية والموضوعية الهادفة للإصلاح والتغيير الإيجابي والحوار والنقد الهادف والأسلوب الحضاري الأخلاقي ، لكن ما يحدث هو حرية إشعال حروب داحس والغبراء بين الشعب الواحد وبين الشعوب وحكامها . إن لكل شعب ثقافته التي يرتضيها ويتفق عليها ، وله خياراته وحقه في أن يؤيد أو ينتقد أو يعارض ، وحقه في أن يقرر مستقبله ، ولكن بعض وسائل الاعلام ترى دورها أكبر من الرسالة الاعلامية إلى صنع الأحداث الجسام من العيار الثقيل للفتنة بين الشعب الواحد بالتناول الاعلامي العبثي مع سبق الإصرار والترصد ، وهذا هو التغير الخطير الذي يدعو لليقظة والوعي بما يبث من سموم الفوضى ولا مجال معها لقانون أو نظام. العجيب أن بعض هذه الشعوب التي حسمت مصير نظامها السياسي دخلت في صراع من نوع آخر عبر وسائل الإعلام التي أصبحت ميدانا خطيرا لمعارك موازية لما يحدث في الواقع وتؤثر فيه نحو مزيد من الانقسام بأمواج متلاحقة ومتصاعدة ، ولا يهدأ لها بال إلا بعد أن تزين شاشاتها بشعارات: الشعب يريد إسقاط النظام - ثم محاكمة النظام دون سقف أو شاطئ ترى من خلاله بر الأمان.. اللهم الطف بهذه الأمة. تلك الفضائيات تمسك بعيدا بمشروعها الثوري الذي وجدت فيه ضالتها وموسما تتمنى أن يطول، وللأسف بعض الشعوب سلمت عقولها لهذا السيل الإعلامي الذي يرفع شعار الثورة وتسمي كل من تلتقي به في الشارع مهما كان بسيطا أو أميا بأنه ثائر وهو مصطلح يروق لهؤلاء كثيرا، وهنا اتساءل ماذا لو انفجر الوضع في اليمن وخرج من عقال التظاهر السلمي إلى الاقتتال لا سمح الله ، هل ستسارع تلك الفضائيات بإطفاء نار الفتنة أم ستغذيها بدماء وأشلاء الضحايا؟! المؤكد أنها ستفعل الخيار الأخير لأنها ببساطة هذا ما تريده وتمسك بالزيت والبنزين وليس بطفاية العقل والحكمة وستستضيف عن عمد الذين ينقلون المعركة من الواقع إلى الإعلام وهذه هي الفوضى الأخطر وهذه من عجائب الثورة الإعلامية في عصر الثورة العربية . [email protected] *صحيفة المدينة السعودية