ليس بمستغرب ذلك التحشيد الإعلامي الموظف لبث الرعب في أوساط اليمنيين بمزاعم زحف جماعة الحوثي عسكريا نحو العاصمة صنعاء لإسقاطها وإسقاط النظام الجمهوري، في وقت يتجاهل فيه حقيقة استكمال "حلف النصرة" الجهادي بقيادة الإخوان الحكم في اليمن ، والقادم من ميادين القتال شمال الشمال ، استكماله استيطان أحياء بأكملها في العاصمة صنعاء بترسانته وعدته وعتاده وبرعاية وتسهيل الحكومة الانتقالية، فمن يسعى لإحراق وإسقاط صنعاء؟ ولماذا يتم تلغيمها على هذا النحو في وقت باتت فيه العاصمة الحاضن الأمن حتى لتنظيم القاعدة وعلى مرأى ومسمع. رغم خسارتهم المدوية أمام جماعة الحوثي في معارك الهيمنة وبسط النفوذ على عدد من محافظات شمال الشمال بينها أبرز معاقله القبلية في حاشد، حقق حزب الإصلاح الحاكم -"إخوان اليمن"، وحلفائه ومركز نفوذه القبلية والعسكرية الممسكة بالملف الأمني بالبلاد والمهيمنة على أداء الحكومة الانتقالية"-نجاحا كبيرا في تحويل العاصمة اليمنيةصنعاء إلى قنبلة موقوتة مهيأ إياها وبتهور انتحاري ارعن كساحة معركة ومحرقة ، ردا على ممانعة داخلية وخارجية حظرت دخول الجيش في إسناد أي فصيل ومن ذلك معاركهم ضد الحوثيين منذ أكتوبر من العام الماضي وحتى اللحظة. وخلال فترة من أشهر وأسابيع وأيام وجيزة ، حشد الإخوان واذرعتهم القبلية والعسكرية إلى العاصمة صنعاء ، كافة فصائل العمل المليشياتي التابعة والموالية ، الدينية منها والقبلية ، وحتى الجهادية القاعدية ، والخارجة من غبار معارك هزيمة النفوذ شمال الشمال ما يسمى "حلف النصرة"، لاستيطان أحياء بأكملها في العاصمة ، وبكامل قوامها البشري ومعداتها وأسلحتها، وفي إطار "حرب غير معلنة" تتجاوز في رسائلها التهديدية للرئيس الانتقالي وبلوغ مكاسب سياسية ، إلى مهددات بنسف البلاد ومرحلة التحول الممددة لعام أضافي لترجمة مخرجات حوار اليمنيين ، ومعها رسائل للمحيط الإقليمي وكذا الدولي الراعي للتحول السياسي في البلاد ، ملخصها "أن خذلتونا موقفا ودعما ، كما خذلنا الرئيس هادي جيشا للقتال معنا ، إذا علينا وعلى أعدائنا". أمس الاول كان حسين الأحمر زعيم مسلحي آل الأحمر( الذراع القبلية لتنظيم "الإخوان") يدخل إلى العاصمة صنعاء, بعد انكساره في معارك الخمري وحوث ابرز معاقلهم، بحاشد عمران أمام مسلحي جماعة أنصار الله "الحوثيين"، يدخلها بحشود وموكب مسلحيه مع "قاطرة" محملة بالأسلحة ويرافقه طقمان عسكريان, أحدهما من الأمن العام والآخر من القوات الخاصة "الأمن المركزي سابقا", إضافة إلى سيارة إسعاف، و بتوجيه من وزير الداخلية الاخواني اللواء عبدالقادر قحطان.. هكذا يتم رعاية انتقال مخترق لأمن بلد بأكملها ،مهيئ صنعاء العاصمة لساحة حرب جديدة وعلى مرأى ومسمع ، رغم توجيهات رئاسية مشددة باستخدام قوة الردع العسكري لمنع أي محاولات لتسلل مقاتلين من قبائل حاشد أو جماعة الحوثي إلى داخل العاصمة ، والتأكيد أن الجيش اليمني لم يتدخل حتى الآن في المواجهات المحتدمة على مشارف صنعاء بين الحوثيين وتحالف الاخوان وال الحمر، لكنه لن يظل مكتوب الأيدي في حال بادر أي من طرفي الصراع إلى تهديد أمن العاصمة . الأمر ذاته كان قد تم خلال الشهر الماضي مع مئات المسلحين الجهاديين من التيار السلفي ، فبعد اتفاق برعاية رئاسية أفضى لوقف قتال سلفيي دار الحديث في دماج صعدة مع مسلحي الحوثي ، وارتضى السلفيون بمقاتليهم الأجانب خروجا ينهي فتنة القتال الطائفي صوب مدينة الحديدة الساحلية ، استطاع تحالف الإخوان الحاكم عكس مسار المقاتلين السلفيين وقياداتهم وذويهم من الحديدة نحو العاصمة صنعاء مهيئا لهم استيطان أحياء بأكملها ، ودخولا إلى صنعاء بكامل عتادهم وعدتهم العسكرية ، وارتضت قيادة البلاد هذا الواقع تحت غطاء نيرات من تزييف مضامين اتفاق القتال ، نظمها إعلام الإخوان متهما الرئيس الانتقالي بالتواطؤ في تهجير قسري لسلفيي دماج. وليس الحال أقل سوأ من هذا وذاك ، فقد سهل الإخوان ونافذيهم الممسكين بالملف الأمني ، سهلوا منذ عدة أشهر دخول منظم لمسلحي القاعدة إلى العاصمة صنعاء، مستوطنين إحياء يعلمها القاصي والداني ، بجانب مراكز ومعسكرات بقرى محيطة بالعاصمة في خولان وأرحب . إذا ليس بمستغرب أن يصل واقع حال العاصمة صنعاء –رغم ترسانتها العسكرية والأمنية -إلى هذا الانحدار المزري من الانفلات المني والقتل اليومي والاغتيالات والتفجيرات والهجمات التي بلغت في حصل الضحايا بالجملة من كوادر عسكرية وأمنية وسياسيين ومفكرين ومدنيين ، معززا باختراقات أمنية فاضحة ،وبتبجح اختطافات للأجانب ورجال أعمال من وسط العاصمة صنعاء ، وصولا لإمطارها بصاواريخ الكاتيوشا. لا يحتاج الأمر لذكاء خارق لإدراك حقيقة مساعي الإخوان ومراكز نفوذه القبلية والعسكرية والأمنية مع حلفائه من قوى التطرف لنقل ساحة المعركة مع خصومهم في إطار صراع النفوذ والسيطرة ، إلى قلب العاصمة صنعاء ، ومعها قلب البلاد ونسفها بأكملها . فالمؤكد أن ما يراد راهنا هو تصفية حسابات انتقامية "انتحارية" ساحتها العاصمة ، نكاية وردا على خذلان رغبات الزج بالجيش لإسناد طرف سياسي نافذ أراد أن يستمر في نهج لطالما حقق به نجاحات مبهرة ، وهو نهج "حرب الاستنزاف" لنظام البلد سابقا وحاليا ولمقدرات بلد وشعب بأكمله ، في مواجهات من حرب عبثية برغبة التمكين وشغف السلطة على أنقاض بقايا وطن..فان كان يعلم الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي ،فتلك مصيبة ، وإن كان لا يعلم فالمصيبة أعظمُ.