ليلة مظلمة وارتدى الديجور ثوبه الأسود الذي يبغض النور ..شمعدان عجوز يبكي على المنضدة ، شموعه رُسم على جسدها الناعم تجاعيد الوقت الذي أفنينه في البكاء على غمرة أيام نزعت من التقويم الذي عاشته مدينتي خلف قضبان الظلام .. وحيدة هي ..حزينة أيامها ..كئيب حالها ..هذه المدينة التي مهما اتسعت ومهما ترهلت مبانيها مكتسحة مواطن أزهارها ..لا زالت في نظري قرية صغيرة .. ومازال الديجور منتصباً على عرشه المظلم رافضاً التنازل عن منصبة . ارتميت في أحضان سريري مستسلمتاٌ للنوم الذي أتي يأسر قوتي ..يقتل حمّية غضبي ...يؤد صراخي الذي للوهلة انطلق .. وما انفكت جفناي من مصارعة النوم هذا الشيء المحبط الذي يكبل أحلامنا وآمالنا خلف قضبان الدجى المظلم ..رغم سعة غرفتي ..رغم طلائها الأبيض أشعر بالاختناق وكان الظلام يحشرني داخل علبة صفيح موصدة - لا بد من النور .. صرخت مع الشمعات التي توقفت عن البكاء ..بعد إن سالت عبراتها انهار حزن جعلت عيونها تنطفئ ليختفي بصيص نور كنت استضيء به .. أدثر وجهي الذي ارتداه الخوف ..منزوية في وسط السرير أصطنع الأمان ..اطمئن نفسي بأنه لابد لليل أن ينجلي ..ولا بد للشمس أن تسطع .. وضعته رهان مع الليل أنني لن أنام حتى ينزل من عرشه الذي أوهن أجسادنا الضعيفة ..دمر أحلامنا الباسطة أجنحتها ..نصب أناس لا يعرفون سوى الجهل ..منح لهم الفرص وتركنا .. - لماذا هذا الظلم يا ديجور ؟! ليتك ترحل عنا ..وتدع الشمس تظهر علينا فلست إلا وهم وبصوت غاضب : - ماذا ؟ من يتكلم ؟! وكأنني اسمع ..من ينطق ! أصمتي يا امرأة ..ألا تعين أن صوتكِ عورة ؟! وأقطع غسق كلماته المتخلفة : - ماذا ؟! لو كان صوتي عورة فلماذا سمعة الله ؟! يصمت فتفصح عيناه الغاضبتان بنظرات تتطاير منها شرارات الغضب وتحاشي النظر إلي .. ليعود صوتي يجلجل : - أسمع ايها الظلام لطالما تحملت سطوتك ..لطالما تحملها موطني ..لقد ظلمتنا مزجت حياتنا باللون الأسود الذي يرتدك ..طمست عيون شبابنا بأوهامك السوداء ..لوثت أجسادهم بلياليك المظلمة ..قتلت عروبتنا ..دنست أوطاننا ..أرجعتنا إلى ما وراء عصور آنفه من الجهل والتخلف .. وأردفت صارخة : - هيا ابتعد عنا ..غادر سماء وطننا ..فلن نستحملك بعد الآن ..لن نستحمل آهاتٌ تسكبها على أجسادنا ..أترك مجالاً للشمس ..واخرج من خلف ستار الإسلام فهو دين الحبة ..دين السمو أما أنت يا ديجور فلا دين لك ..لذلك لن أنام ..سوف أوقظ كل النوم لنشعل شموع أمل تطالبك بالمغادرة ..فما عدت ترهبنا ..وما عادت بدعاتك تجدي ..فنحن قد غسلنا الوحل الذي لوثت به أجسادنا ..لن ننام بعد اليوم ..فالشمس سطعت لتبدد ظلامك المريب.