- تخيلوا فقط.. الإنسان اليمني الذي لم يعد يجد أمامه أي شيء يبعث بالتفاءل..وكل ماحوله يحاصره بالكوارث والنكبات والملمات.. الكهرباء منذ نصف عام غائبة تماماً.. البترول والديزل والغاز لاجود لها.. الأسعار ارتفعت أضعافاً مضاعفة.. والسوق السوداء (البيضاء) منتشرة في كل مكان ومدعومة بل ومحمية.. والموت يطل عليه مابين وقت وآخر.. وليس هناك أي منزل لم يسلم من الضربات الجوية والقصف العبثي..!! - في ظل كل ذلك.. فاجأ الإنسان اليمني العالم بتحدى الوضع الصعب والحال الذي تجتمع فيه كل الأهوال ليحاول أن يفرح..وأن يقيم عرساً زفافياً.. ليغني وهو مثقل بالألم.. ويفرح وهو ملغوم بالحزن.. ويرقص وجروحه لم تندمل..!! - ذلك التحدي الذي أذهل العالم.. لم يعجب أحد القافزين إلى واجهة الدولة (بلا غسال) ويريد أن يكون قائداً ومسئولاً أمنياً وإدارياً وبيده كل شيء.. يأمر..ويغضب.. ويمنع.. ويسجن.. ويتهم.. ويحقق.. ويفعل ما يروق له.. ولا من يحاسبه.. ولا من يمنعه.. ولا حتى من يزجره.. فيكفي أن له لقباً أو كنية يدعى بها ولديه شاص ومرافقون.. وهو من أنصار الله!! - ولأنه (أبو مالك) فمن حقه أن يصادر أي فرحة في واقع تسيطر عليه (الأتراح) ومليء بالأحداث التي تقصف العمر.. وزاد ذلك الكائن أن أصدر أوامره بالقبض على الفنان الشاب المبدع عبدالله الصعدي وهو عائد إلى قريته (حبابه) وإيداعه السجن بتهمة (الغناء) وهو الصوت الشجي الذي يحاكي صوت وأداء الفنان الكبير المرحوم محمد حمود الحارثي.. وذات يوم أطربني ونحن في عرس وهو يغني بعد أن هطل المطر (بالنور يارافع السماء وفالق الحب والنوى.. ياممسك الطير في الهوا وخالق النور في الظلم..فضلك ياسائق المطر.. تحمد ياسائق المطر).. وهو الذي أدهشني في الأداء وهو يتوسل في أغنية.. "رب بالسبع المثاني وبقرأن معظم اصلح اللهم شأني واكشف الهم مع الغم".. وما بعد أبو مالك وأمثاله من هم وغم.. وكذا أغنية أخرى رائعة أوجهها لهم (لو تشتغل بالله ياقلبي لكانك مستريح..وخل خلق الله على الله إن يكن دينك صحيح!! - في السجن الذي لاينفع للاستخدام الآدمي ظل الشاب المثقف والإنسان الهادئ اللطيف عبدالله الصعدي ليومين بعد أن قاموا بمصادرة تلفوناته وإخفاء سيارته.. وظل بلا أكل ومابين فترة وأخرى يهددونه بالموت وبأنه سيكون عبرة لكل الفنانين الذين يلهون الأمة ويتسببون في نشر الفساد ولم يغادر السجن إلا بعد أن عرف مكانه أبناء قريته وبعد أن حرر التزاماً خطياً بعدم الغناء..!!! - ربما أن هذا (أبو مالك) أراد أن يثبت بأن الغناء حراااام.. وأن المسيرة القرآنية تمنعه.. ويعاقب من يغني بالسجن.. وربما أنه (ينزعج) جداً لأنه مايزال هناك في هذه البلاد المنهارة والمحاصرة والمدمرة من يفرح.. ومن يغني!! وربما إنه يريد من الذين يقيمون الأعراس الذهاب إلى الجبهات (ومش وقت العرس والغناء)..وربما إنه زعلان ويريد (زوامل).. أو إنه يعتبر الإنفاق على الأعراس (بذخاً وإسرافاً) ومن المفترض أن تذهب تلك الأموال إلى (المجهود الحربي) وربما إنه يحسد هذا الشاب (الفنان) لأنه يجد مصدر رزق ليعيش مع أطفاله في ظل حرب شرسة صادرت فرص العمل وأغلقت المصانع والشركات وحتى المدارس وأوقفت الأعمال في مجالات عدة !! - طبعاً يحصل هذا ونحن في حرب..والناس مطحونون ومشغولون بالحصار الخانق وبمن مات ومن بقي ومن دمر منزله ومن لا يجد قوت يومه.. وأبو مالك مشغول جداً بمن يغني في الأعراس وبتحويل الفنان الذي يسلي الناس إلى مجرم يجب القبض عليه وسجنه وتهديده بالقتل.. وإذا ما كرر فعلته فقد يتحول إلى داعشي!! طيب.. وكيف كان سيحصل في وجود مثل أولئك لو الحياة طبيعية وليس هناك لا حرب ولا حصار ولا قتال؟ ياساتر..!! - يا أصحاب أبو مالك .. قولوا لأبي مالك وأمثاله الناس مش ناقصين.. والجنان يشتي عقل.. وقولوا (للمتنبعين) الذين لايعجبهم النقد ولا يروق لهم تناول الأخطاء.. ويتفننون في الرمي بالتهم وتوزيع التهديدات.. يوسعوا صدورهم (شوووووية) ويبطلوا (هنجمه).. وقلة عقل!!