من غير المبالغة القول إن اليمن - دون اصطفاف وطني ومصالحة حقيقية - تذهب إلى عنوان مجهول، يصعب أن نتجاوز أو نغفل هواجسه والقلق حياله وتصوّر احتمالاته ومآلاته المُرعبة على بلادنا. لسنا متشائمين أبداً، ولن نكون كذلك، غير أنّ هناك شيئاً اسمه المصارحة والشفافية في الطرح والتي تحتّم علينا - بناءً على معطيات الواقع - الاعتراف أن هناك الكثير من المخاطر التي ينبغي على كافة الأحزاب والسياسيين مواجهتها بوعي ومسؤولية وتجرُّد من كل الأحقاد والأنانيات والأمراض والتراكمات من أجل البلد وأطفاله ومستقبل أجياله. وفي هذا السياق نعتقد أن خطاب الأخ عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية عشية عيد الفطر الفائت قد اكتسب أهمية استثنائية، ولعلّ هذا ما جعل المجتمع الإقليمي، ممثلاً بمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والمجتمع الدولي ممثلاً بسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية والاتحاد الأوروبي يسارعون إلى مباركته ودعمه والثّناء على مضمونه، وخاصّة ما اشتمله من دعوة صريحة لمختلف المكوّنات السياسية والشرائح الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني للاصطفاف الوطني والمصالحة الشاملة الّتي لا يُستثنى منها أحد.. لقد جاءت دعوة الرئيس إلى المصالحة والاصطفاف الوطني نتيجة لإدراكه العالي وإحساسه العميق بخطورة المرحلة، وما تتطلّبه من إجراءات ومعالجات سريعة وعملية من الجميع، وأوّلها تقديم تنازلات من مختلف القوى والأطراف تُسند وتُواكب وتُنجح تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل؛ ما يعني أنه من دون ذلك لن تتمكّن الدولة من مواجهة التحدّيات التي تتربّص بها وبكيانها ومؤسّساتها. والواقع أن الرئيس كان قد سبق ذلك حينما أشار لبعض هذه التحدّيات قبل الخطاب العيدي، وتحديداً في تاريخ 16يوليو 2014م حينما قال: نواجه تحديات اقتصادية وأمنية خطيرة جرّاء التخريب والتهريب والإرهاب، وفي 2 يوليو قال أيضاً: «الوضع الراهن أفرز معطيات تتطلّب تفسيراً يقوم على الدّعوة إلى اصطفاف واسع». إذن نحن - بالفعل - أمام منعطف حسّاس وخطير يستدعي من الجميع التخلّي عن العناد والمكابرة والخصومة وتصفية الحسابات على طريقة “تغلب” و“تميم” و“داحس” و“الغبراء” لأن السفينة في نهاية الأمر ستغرقُ بالجميع، ولن يجد أحد معجزة أو سفينة خاصة به تُنجّيه كسفينة نبي الله نوح التي نجّته هو ومن آمن معه من ذلك الغضب الربّاني الطوفاني العظيم الذي أغرق الأرض بمن عليها. أمّا ذلك الذي يقول: “عليّ وعلى أعدائي” فهو مخطئ جداً وأحمق جداً، لأنه في هذه الحالة يستدعي العصبية الجاهلية وكل أسباب ومقوّمات الصراعات المتخلّفة ويتناسى أننا في عصر الحريات والحوار والشراكة والديمقراطية والمدنية المنشودة. وقبل هذا وبعده، ليس من المنطق والحكمة أن يقرّر البعض أن يكون مصير أكثر من «26» مليون إنسان متوقفاً على حالته النفسية ومزاجه أو مزاج ومصالح مجموعات صغيرة من السياسيين والنافذين والمنتفعين وأصحاب الامبراطوريات المالية والإعلامية والفتوى وغيرها من الوسائل والإمكانات التي تُغري بعضهم إلى الاستمرار في عنادهم ومقامرتهم ورغباتهم الغرائزية في الانتقام من الآخر على حساب وطن بكامله ومستقبل أجيال وأمّة بحالها. دعونا من الخصومة التي لا طائل منها، الوطن يعاني على مختلف الجوانب والأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية، الإرهاب ينهش كل يوم في جسد الشعب ومؤسساته ومنشآته ودماء أبنائه من الجيش والأمن والمدنيين، وطوابير الفقراء تمتدُّ إلى ما وراء المنظور في العاصمة والمدن الأخرى وعواصم والمحافظات، وبنات اليمن وبنوه من أطفال ويافعين وشباب يصطفّون لآلاف الأمتار في قلب العاصمة وغيرها في انتظار متصدّق عليهم بقليل من المياه والكثير من المستشفيات لم تعد قادرة حتى على استقبال الحالات الطارئة وتقديم الإسعافات الأولية، وخذوا لكم مثالاً على ذلك بواحد من أكبر المستشفيات الحكومية في العاصمة الذي عجز المعنيون في قسم الطوارئ قبل أيام عن إيجاد إبرة “فولتارين” مهدئة لحقن شخص تم إسعافه إليه بسب التهابات حادّة وألم شديد كان يعانيه في الكُلى. والأمثلة على معاناة الناس كثيرة ولا تُحصى ليس آخرها الإنفلات الأمني والظلام الدامس وتصحّر القيم وجفاف الحلوق المكلومة والمفجوعة بفقد عزيز وضياع عمر من الادخار والمغالبة والصبر والأحلام، وربّما لا مجال هنا لكي نسرد الكثير منها من خلال هذه التناولة والمساحة. باختصار.. أنتم اليوم - أيها السياسيون وقيادات الأحزاب - أمام مسؤولية تاريخية عليكم تحمُّلها، وإنقاذ البلد من عواصف الفوضى والتخريب وكل الطامعين في كعك وتركة هذه الدولة التي ننتمي إليها جميعاً ونفخر بها جميعاً ونخاف عليها جميعاً من كل معتدٍ أثيم وخائن متربّص وجبان.