التلويح بالزحف يقابله استعداد لمصادمة قد تتجاوز التصادم مع قوات النظام كما حدث في مصر وتونس، إلى التصادم مع حشود الناس الموالين له، الأمر الذي قد يشكل فخا لصفة "السلمية" التي تمثل مصدر قوة واستمرارية للشباب. الزحف يعني الانجرار إلى دائرة العنف، وهو ما قد يشكل قضاء على حلم التغيير المنشود والهادف. الزحف يعني أن تكون مستعدا للموت في سبيل هدفك، فتجد نفسك مستعدا للقتل ورفع سلاحك في وجه مواطن مثلك، والزحف حين يقود إلى عنف بين مواطنين ومواطنين سيصبح حربا لا ثورة، والانتصار في الحرب يعتمد على القوة والعتاد، والسلطة تتفوق في هذين العنصرين حاليا، والناس بطبعهم مع المنتصرين. الأهم من هذا كله أن التلويح بالزحف والتصادم يلقي بالمزيد من الأثقال على ظهر المواطن الذي بلغ به اليأس مداه ليضيف إلى الانهيار الاقتصادي انهيارا أمنيا، ولا ينبغي أن ننسى أن هذا المواطن البسيط يمثل الأغلبية الصامتة الأشد تأثيرا بقراراتها؟ من المهم أيضا عدم التغاضي عن تأثير الظروف الاقتصادية والمعاناة اليومية في تعميق الانقسام الحاصل في الشارع، خصوصا في ظل سيطرة حالة الكبت والروح الانتقامية على المشهد. التصور الغالب في أذهان كثير من الناس هو أن أطراف المعركة الدائرة هما المؤتمر والمشترك، وعلى هذا الأساس يجري الانقسام والاستعداد النفسي بينهم. وفيما يشتد الخناق على الحياة اليومية للمواطن بشكل يتنامى تدريجيا، أصبحنا نعيش اليوم على واقع البحث عن واسطة للحصول على دبة غاز أو بترول، أو الحصول على دبة ديزل ولو بسعر مضاعف، والأفران التي هي مصدر الرغيف الذي يأكله الناس مهددة بالإغلاق، والبلد يخسر على الكهرباء في اليوم الواحد مليون ريال بسبب خروج محطة مأرب الغازية، وتوقف مواردها النفطية يعني دخول البلد في مرحلة "طفي"، وفي الانتظار ستون ألف وظيفة تحتاج إلى مصباح علاء الدين لكي توفر لها التعزيز المالي في خزينة شبة مفلسة وواقع شبه متوقف وبلد فقير مطحون حائر بين أحلامه وواقعه.