التطورات الميدانية المتلاحقة في الجولان السوري، وفي ريف القنيطرة تحديدا، كما في ريف درعا، يمكن وصفها بالدراماتيكية بدون مبالغة، لاعتبارين أساسيين، أولهما أن المعارك بين المعارضة المسلحة وقوات النظام وحلفائه التي تشهد تقدما ما على الأرض لصالحه يقودها حزب الله جهارا نهارا بمشاركة نحو 2000 من نخبة مقاتليه. وتهدف في مراحلها الأولى، بحسب فهم الإسرائيليين، إلى الاستيلاء على مواقع استراتيجية وفرض سيطرة نارية على المنطقة الحدودية من القنيطرة شمالا، إلى درعا جنوبا، قبل محاولة إعادة احتلالها وحشر المعارضة السورية في المنطقة منزوعة السلاح التي يتراوح عمقها ما بين 500 متر في أضيق نقطة و10 كيلومترات في أوسعها. الاعتبار الثاني يكمن في أن إسرائيل قالت إن تحويل جبهة الجولان السوري إلى جبهة قتالية نشطة ضدها بإشراف إيراني ومن خلال حزب الله هو خط أحمر لن تسمح بتجاوزه، وكي توضح ذلك قامت بعملية الاغتيال في القنيطرة، حيث قتلت الجنرال الإيراني وقياديين من حزب الله. تحدي إسرائيل كما توقعت "العربية.نت" خلال المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، والتي تم احتواؤها بعد رد الحزب بعملية مزارع شبعا، بأن الاختبار لن يطول، وسيكون محكّه جبهة الجولان السوري تحديدا، وكما أشرنا فإن إسرائيل قد تكون فعّلت جبهة الجولان عسكريا من حيث لم ترد، منذ عملية الاغتيال المذكورة. والتحدي الماثل أمام الإسرائيليين الآن هو كيف ترد على الحاصل، هل تلجأ إلى تدخل عسكري لوقف سقوط جبهتي الجولان ودرعا بيد حزب الله، ما قد يعيد فتح الباب على مصراعيه أمام شبح حرب شاملة، أم لا تتدخل طالما أن المعارك تدور من الشمال إلى الجنوب ولا تصل غربا إلى السياج الأمني في الجولان المحتل، وترك المعارك بين مختلف الأطراف تضعف جميعها حتى بثمن ضرب ردعها ومصداقية تهديداتها. من الناقورة إلى درعا بينما ينشط حزب الله على بعد 8 كيلومترات فقط من السياج الأمني في الجولان، فإن الأمر لا ينذر بالنسبة لإسرائيل بانهيار قدرة ردعها فقط، وإنما يرسم سيناريو " الكابوس" بنظرها. من خلال بدء فعلي بتوحيد جبهتي لبنانوسوريا في جبهة قتالية واحدة تبدأ من الناقورة اللبنانية وتمر من شبعا (المثلث الحدودي بين سورياولبنان وإسرائيل بحكم احتلالها الجولان) لتصل إلى درعا جنوبا حتى الحدود الأردنية. وحين سئل رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي عن التطورات موضوع الحديث في الجولان السوري قال "لا شك لدي بأننا سنعود للقتال قريبا على الجبهة الشمالية"، ومن تساءل عن ماهية الجولة التي قام بها جهاد مغنية ومن معه في القنيطرة والتي انتهت إلى "الاغتيال" الإسرائيلي يمكنه أن يتابع الإجابة عن الأرض فلم تكن على الأغلب، إلا تحضيرا لحملة عسكرية على المعارضة السورية المسلحة كما يحدث الآن، وتحويل كما تعتقد إسرائيل، جبهة الجولان إلى منطلق لهجمات وردود على أي غارة إسرائيلية في العمق السوري تستهدف شحنات أسلحة في طريقها لحزب الله، أي خلق جبهة رادعة من جهة يمكنها أن تكون بديلا عن الجبهة اللبنانية. خيار الخط الأحمر واللافت للنظر أن الإعلام الإسرائيلي تحدث عن زيارة رئيس الحرس الثوري الإيراني الجنرال سليماني لجبهة الجولان قبل أيام، وتتوقع أن تتواصل المعارك التي أبطأتها الأحوال الجوية والعاصفة الثلجية خلال أيام، بحيث تبقي إسرائيل أمام خياري الخط الأحمر الذي يعني التدخل عسكريا، أو غض الطرف حاليا، ما يعني خطا أخضر لزيادة جغرافية عمل حزب الله في الجولان السوري وصولا إلى محيط درعا. والقلق الإسرائيلي من الحاصل يتمثل باستنفار مقاتلات سلاح الجو التي تنفذ طلعات يومية ليلا ونهارا فوق الجبهة المتحركة، إلى جانب طائرات الاستطلاع واستنفار القوات البرية أيضاً، بالتوازي مع قصف لمقاتلات النظام السوري على مواقع المعارضة المسلحة، وصولا إلى تخوم المنطقة منزوعة السلاح أحيانا. ومن الواضح أن إسرائيل فشلت حتى الآن في ترسيم خط أحمر (جبهة الجولان السوري) رابع بخصوص الأزمة السورية، يبيح تدخلها العسكري، كما هي الحال بالنسبة للخطوط الثلاثة الأخرى، الأول: منع نقل أسلحة استراتيجية ونوعية لحزب الله، الثاني: الرد على أي سقوط لقذائف عبر الحدود، والثالث: السلاح الكيمياوي السوري. الطرف الثالث لمنع كسر قواعد اللعبة التي بدأت تتغير كما يفهم من جبهة الجولان السوري، تواصل إسرائيل تمرير رسائل تتراوح بين التطمين أحيانا، كما في المواجهة الفعلية الأخيرة وصولا لاحتوائها، أو التهديد باستخدام العصا العسكرية الغليظة لمنع تحول الجولان السوري إلى جبهة قتال بعد 40 عاما من الهدوء التام. وكما كشفت "العربية.نت" لأول مرة منذ أسابيع بشأن قناة الاتصال غير المباشر بين إسرائيل ومثلث حزب الله وإيران وسوريا، فإن الطرف الثالث ليس دولة واحدة بل دول عدة، من بينها روسيا الاتحادية والولايات المتحدة عبر اتصالاتها المباشرة مع الإيرانيين على طاولة الحوار "النووية" إلى جانب قائد قوات اليونيفل في جنوبلبنان، تبقى الإشارة إذن إلى أن الأيام والأسابيع المقبلة تبدو حاسمة لمعرفة إن كانت تحمل في جعبتها مواجهة جديدة على الجبهة القتالية بين حزب الله وإسرائيل أم لا.