نحن مجتمع يعاني من أشكال فظيعة من الغش، التماطل، الرشوة، الفساد، التحرش الجنسي، العنف؛ لكنه ينتج خطابا طويلا عريضا عن الدين والتدين، عن الحلال والحرام وعن أهمية الدين في حياتنا. نحن مجتمع فيه أشخاص لا يزعجهم أن يتغيبوا عن عملهم ويبعثوا شهادات مرضية مزورة، وفي هذا غش وكذب واعتداء على حقوق الآخرين، لكنهم أول من يتصدر ومن ينتج خطاب الحلال والحرام.نحن مجتمع تقابل فيه يوميا أشخاصا لا يحترمون من هم أقل منهم شأنا، سواء في المستوى الاجتماعي أو المادي: عاملة النظافة، حارس العمارة، عامل النظافة في الشارع، وهلم جرا... لكنهم أنفسَهم أول من يرفع في وجهك خطاب الدين والتدين. تقابل شخصا لا يحترم قانون السير؛ لا يحترم الصف في الإدارات والمحطات وغيرها، ويفضل أن يعطي رشوة لكي يكون المستفيد الأول؛ قد يتحرش ببنت في الشارع، لكنه في موضوع تعدد الزوجات مثلا، أو في موضوع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة في مجتمع تفرض تحولاته الاجتماعية والاقتصادية هذا النقاش، يخرج لك لازمته الشهيرة: "لا... أنتم تريدون تعديل القرآن؟ كيف نناقش أمرا نزلت فيه آية قرآنية صريحة؟". أليست هناك آيات كثيرة أخرى يفترض أن تمنعكم عن الغش وعن العنف وعن التحرش وعن الكذب وعن استغلال واحتقار من هم أقل منكم شأنا وعن الحفاظ على الأمانة وعن وعن؟ ألا تتذكرون الدين إلا حين يتم تهديد مصالحكم الاقتصادية في الإرث، ومصالحكم الجنسية في تعدد الزوجات؟ الحقيقة أن الممارسة الدينية عندنا لا تستعمل كإطار أو كأساس لسلوك إيجابي لصالح الفرد والمجتمع، لقد أصبحت للأسف مجرد خطاب نلوكه حين يكون ذلك في صالحنا. لمنع سلوك معين يهدد مصالحنا؛ لكي يحاصر الرجل حرية المرأة في أمر ما؛ لكي نصل به إلى هدف ما؛ إلخ. الدين أصبح خطابا، بدل أن يكون