انها اعتادت في صعدة العمل ك"دويلة" خارج "الدولة"، وهي بعد اجتياحها العاصمة صنعاء نقلت ما اعتادت عليه في صعدة الجريحة المنكوبة إلى المدينة التي يربو عدد سكانها على 3 مليون نسمة، فانتشرت روائح تزكم الانوف جراء الشلل الذي ضرب عصب الدولة بما هي بيروقراطية وتكنوقراط، وبما هي إدارة وسلطة اجرائية وقرارات وخدمات. العاصمة تكون عاصمة "الدولة" كيفما اتفق، او لا تكون عاصمة أبدا. والحاصل أن الحوثيين لا يريدون "العاصمة" بما هي قرار، كما تفعل أية سلطة انقلابية. بل يريدونها "غنيمة" أو "ارض فتح"، لا يريدونها مركزا لإدارة الدولة لأن لديهم مركزا آخر في الشمال القصي! من هذه الزاوية يمكن تفسير الخط العام لسلوك الحوثيين العجيب في العاصمة الذي لم يتوقف عند "دار الرئاسة" و"القصر الجمهوري" بما هما رمزا السيادة وعنوانا السلطة التنفيذية في اليمن، بل انعطف بحدة هابطا نحو مؤسسات القطاع العام والدوائر الخدمية العامة بلوغا إلى "نقابة عمال البلديات والإسكان"!
لم يسبق لسلطة أمر واقع أن فعلت ما يفعله الحوثيون من اعتداءات وتعديات واجتياحات في"جسم" الدولة وتجريف في "عصب" المجتمع. وفي اليومين الماضيين عاود الحوثيون اعمالهم "الحربية" ضد عمال ونقابيي "الإدارة العامة للنظافة" لمجرد ان هؤلاء يشوشون على حركة الميليشيات داخل المؤسسات العامة ويحولون أحيانا دون استخلاص الميليشيات مقدرات المجتمع لنفسها.
اليمن ليس منكوبا بجماعة انقلابية كما قد يبدو لوهلة. لو أنها جماعة انقلابية لهان الأمر. اليمن منكوب بجماعة تصطفي _ بالوهم والخرافة_ نفسها لتتموضع في مواجهة "الجماعة الوطنية" وفوق "الكيان الوطني" لليمنيين وعلى راس "خرابة" أو "كوم" قمامة. لو ان الحوثيين "جماعة انقلابية" لما رأيناهم يجترحون "المعجزات" عبر القفز من فوق جدران المرافق العامة، لا الدخول من أبوابها العريضة، للاستحواذ على مخصصات المشاريع الخدمية أو الاستيلاء على المواد الاستهلاكية الضرورية (وبخاصة الديزل والبنزين) وتدشين أكبر سوق سوداء في اليمن. نحن إزاء جماعة فريدة من نوعها. تقول إنها في ثورة عظيمة. لكنها تذيق الشعب الذي ثارت من أجله صنوف الإذلال والهوان. ليتها عند هذا الحد تتوقف. بل تواصل اجتياحاتها في عصب الدولة و تجاويف المجتمع، مجرفة "البقية الباقية" من دولة اليمنيين. ومن ذلك غزوتها الأخيرة ضد "امانة العاصمة" ونقابة عمال البلديات والإسكان. هذه الغزوة التي ستجعل روائح الجماعة تزكم سكان العاصمة مجددا كما حدث الشهر الماضي (يونيو). فالنقابة تلوح بمعاودة الإضراب بعد اعتقال بعض اعضائها بينما أكوام "القمامة" تعاود الأرتفاع مجددا في ظل "لا دولة" الحوثيين. *** الحوثيون في مأزق كبير جراء تجريفهم مؤسسات الدولة ومرافقها الخدمية. وأظن ان بداية تحولهم إلى جماعة سياسية _ إن أرادوا_ تبدأ بفك الأرتباط بينهم وبين مواد الإغاثة والخدمات وبخاصة خدمة "النظافة"، الخدمة التي يحاولون فرض وصايتهم عليها فإذا بروائحهم "الطيبة" تنتشر في الآفاق، مذكرة سكان العاصمة ليل نهار، بالجائحة التي تعصف بهم، وبأن الخراب وأكوام القمامة المتعالية يكونان حيث تمتد الذراع الميليشياوي للجماعة.