ثمة أطراف تعمل على تشتيت طاقة المؤتمر وتفكيكه، باعتباره القوة التي مازالت تشكل تهديدا لهوسها في الانفراد، وتكمن المشكلة في تدخل الأحزاب الأخرى ومراكز القوى في شئون المؤتمر بوقاحة، والأخطر تدخلهم الخفي الذي يؤجج الاختلافات الطبيعية ويريدونها أن تتحول إلى صاعق لتفجير المؤتمر من الداخل بعد أن عجزوا عن تفكيكه والخطة الجديدة التي يعملون عليها هي إدارة صراعهم مع المؤتمر بوعي النظام السابق، فالبعض يريده أجنحة متعددة تنقسم على نفسها ثم تفكيكه إلى عدة أحزاب متصارعة حتى يتم توظيفها في تحصيل القوة وتحويلهم جميعا إلى ضحايا وتوابع للقوى المتناقضة جذريا في الساحة، ولكل طرف حساباته المرتهنة لمصالح أنانية لا مصالح وطنية. أما مسار الخطة الآخر فهو تصفية المؤتمر كمشروع منافس وتحويله إلى كتلة مائعة متحكم فيها وجناح تابع للإخوان ومراكز القوى التابعة لها، وإعادة بناء السيطرة والهيمنة الكلية على البلاد من خلاله ومن خلال الأجنحة الأخرى، وتحويل المؤتمر إلى فاعل لتصفية الخصوم وخنق التحول الديمقراطي المفترض حدوثه في المرحلة القادمة، طبعا تحويل المؤتمر إلى كتلة مائعة بلا مشروع مختلف ومنافس للقوى الأخرى سيعيد إنتاج الماضي على مستوى الوعي وطبيعة السيطرة والهيمنة ويعيق عملية التغيير من خلال إعادة توزيع القوة بما يجعلها مركزة بأيدي تحالفات القوى التي شكلت نظام صالح بدون صالح، العقدة المركبة بالنسبة لهم هي الرئيس هادي ومن معه وما يمثله من شرعية، والرئيس السابق وما يمثله من تحالفات شكلها خلال فترة حكمة، فصالح وهادي في حالة تمكنا من حل الإشكاليات التي أفرزتها التحولات وبأي طريقة سيجعل المؤتمر قوة ضاربة لا يمكن لأي طرف منافستها، وبالتالي فالخيار الأكثر جدوى هو بناء عوائق تعزلهما وتؤجج أي خلافات في بنية المؤتمر، بحيث يتحول إلى مشكلة وعقدة لا يمكن حلها إلا بتفكيكه أو تحويله إلى قوة ضعيفة يمكن التحكم فيها. قوة فخامة الرئيس هادي في الشرعية التي يملكها إلا أن الأطراف التي تريد المؤتمر حديقة خلفية لمصالحها تريد إقناع هادي أنه مشروعها، والهدف إقحامه في صراعات مع القوى التي خرج من قلبها ليرتهن لها، ومن ثم الاستيلاء عليه عبر تقنيات اتبعوها مع صالح في بداية حكمه، والأهم معالجة المشاكل الأكثر تعقيدا من خلال فخامة هادي، والتي تمثل لهم أرقاً بل ومعضلات لا يمكنهم تجاوزها، وفي الوقت نفسه التخلص من صالح بشكل نهائي باعتباره القوة الأكثر تحفزا في مواجهة مشروع هيمنتهم التي لم يتمكنوا من إنجازها عبر الانتفاضة الشبابية، وما يزيد من خوفهم هو أن القوى المحتجة فقدت لحمتها، ولم تتمكن من إنجاز تغيير على مستوى الوعي الشعبي، فما زالت القوة الانتخابية للمؤتمر متماسكة، بل إن تحفزها للمعارك الناعمة ستنمو بفاعلية وآليات مختلفة، وهذا الأمر قد يعيد ترتيب طبيعة الصراع والقوى التي تقود التغيير في المرحلة القادمة. الواقعية السياسية والتقنيات السياسية يحكمها وعي الصراع على القوة والمثاليات التي تطرح من قبل الفعاليات التابعة للإخوان وأجنحتهم ليست إلا الحجاب الذي يستر واقع لعبتهم الكبرى، فالخطاب المتدخل في شئون المؤتمر يبدو في ظاهره الرحمة إلا أن من يدرك واقع المؤتمر وطبيعة الصراع يدرك أن في باطن الخطاب خبث وعذاب وجحيم، صحيح أنهم قد تمكنوا من إنجاز بعض ملامح المشروع الذي يسعون إليه، إلا أن عليهم أن يدركوا أن الآخرين ليسوا أغبياء ولا نخبة المؤتمر ونخبة بقية القوى قطيع جماهيري في ساحة اعتصام، إنهم يدركون طبيعة الصراع، والغنائم التي يتحصلون عليها قد تدفع بعضهم باتجاهات انفعالية مع مشروع الإخوان، إلا أن الأمر في اللحظة المحورية للتحول سيتغير باتجاهات أكثر عقلانية ووفق حسابات تحددها مصالح بعيدة المدى. فخامة الرئيس هادي نقطة ارتكاز التحول والقوة الأكثر شرعية، القادرة على ضبط التحولات وفق المبادرة الخليجية، ولن تلهيه لعبة (الحوكلة) من أي طرف كانت، ولديه من الخبرة وتراكم التجربة ما يجعله قادراً على تحديد الخيارات الأكثر جدوى لتحقيق مهمته التاريخية، لم يعد لديه من الوقت ما يكفي لإدارة لعبة الصراع على القوة، وهذا ما سيجعل فعله مراهناً كليا على المستقبل وصناعة التاريخ بتقنيات سياسية تحمي التوازن الذي يؤسس لتحول ديمقراطي حقيقي، ويؤسس لدولة قادمة ستكون ولادة جديدة ليكون هادي رجلاً صانعاً لتاريخ لا رجلاً مسكوناً بهموم الغنيمة. ليس مهما أين موقع فخامة هادي التنظيمي، لأن مهمته أكبر من كل التنظيمات وشرعيته تتجاوز قوة الكل، فهو الشمس والبقية كواكب، هناك من يريده بعقلية طفل ساذج ليصارع على الفاني وينسى وظيفته الأساسية التي رسمتها له الأقدار وبموافقة الكل. الرئيس هادي يقود مهمة مستحيلة لإنقاذ اليمن وعلى الكل أن يعمل معه، أما قوته الأكثر فاعلية فهي المؤتمر لأنه الكتلة التي تقدره تقديرا حقيقيا وهو منها وفيها، عظمة فخامة هادي في شرعيته ومهمته التاريخية حتى لو كان عضوا في مجموعة حزبية للمؤتمر، وقوة المؤتمر بإسناد هادي بكل قوة لأنه المجد الذي سيصنعه سيكون مؤتمريا إن كان المؤتمر ذراعاً ناعماً لخدمة القوة الرئاسية. التاريخ لابد أن يتم إعادة صياغته والمسئول الأول في هذه المهمة هو فخامة هادي، والكبار لا يهتمون بالصغائر وعظمتهم في التنازلات التي يقدمها بما يمكنه من إنجاز مهمته التي ستجعله القائد الأول في تاريخ جمهوريتنا، ولن يضاهيه إن راهن على مهمته التي وضعها الله بين يديه قبل عباده القادة الذين مضوا أو من سيأتون. من كان مع اليمن والسلام والمستقبل وولادة تاريخية، فليكن سندا لفخامة هادي، حتى لا تورطه القوى الغبية في لعبة غبية لا هم لها إلا الانتقام وإعادة إنتاج التاريخ عبر نزوعات تصفوية جاهلة للتاريخ وحاجات اليمن ومتطلباته. لحمة المؤتمر قوة لفخامة هادي، فالبعض قد يتخلى عنه في منتصف الطريق إذا تفكك المؤتمر، أو تم تمييع قوته في صراعات العبث التي لن تخدم إلا قوى بليدة، اليمن ليس قلبها بل قلبها الغنيمة، كل مؤتمري من أول قيادي فيه إلى أصغرهم إلى كل محب ومؤيد للمؤتمر، عليهم أن يكونوا قوة داعمة بجهود مخلصة لفخامة هادي لإنجاز مهمته، ومن شذ عن الصف فسيلعنه التاريخ وستبتلعه اليمن. ليترك الإخوان وأجنحتهم المختلفة المؤتمر وشأنه، ويعالجوا التناقضات المجنونة التي يولدوها في صراعاتهم والتي ستجعل اليمن جحيماً يفشل مهمة فخامة هادي، أما المؤتمر فهو من هادي وهادي منه، ولحمته قوة ستتجاوز ما تنتجونه من تناقضات وصراعات كريهة منذرة بالشر لا بالخير، المطلوب من القوى المحتجة والمتناحرة أن تعالج مشاكلها وأن لا تصدرها إلى المؤتمر حتى يتمكن هادي من معالجة الجراح التي كانت خناجركم المسمومة شريكة في تعميقها وتوسيع نطاقها ومازلتم حتى اللحظة تبعثون الماضي بأبشع صوره وهذا ما سيعيق مهمة هادي التاريخية.