• ماذا لو تحول صالح إلى معارض؟ يقال أن المبادرة من إنتاجه، والمبادرة من وجهة نظري رائعة وهي الممكن الوحيد.. صحيح أنها أعادت إنتاج نظام صالح بحذافيره، فالصراع بين تكوينات نظامه كانت شديدة على الموار وكان لابد من صياغة ما يهدئ من روع مرتكزات نظامه، أخرجته المبادرة وتحول إلى كبش فداء لحماية النظام، وهذا الأمر أفقده السيطرة على النظام الذي تشتتت قوته ومازالت مشتتة، ويبدو أنها ستستمر، وهذا التشتت ليس مضرا إن تم ضبط التحولات وفق التقنية التي حددتها المبادرة، المشكلة أن نظام صالح الذي أنتجته المبادرة أفقدته وجود مركز مهيمن وهذا جعل النظام يعبث أكثر بالمواد التي يتم قسمتها، وأركان نظام صالح بعد التسوية بين أطرافه تعيد صياغة النظام من خلال ابتلاع القوى المعارضة له، والمشكلة التي يعاني منها النظام هو دور صالح نفسه، فقد صار لاعبا مؤثرا لا مهيمنا، ووجوده بحكم خبرته وتجربته تسبب الكثير من القلق لأطراف نظامه الذي مازال حاكما وبيده الأدوات الصلبة والناعمة للقوة، صحيح أنها غير متناغمة والصراع بينها شديد إلا انها تسعى لخلق حالة توافقية من دون صالح وهذا الأمر يتم باسم تصفية النظام السابق والتأسيس لنظام جديد. • العقدة المركبة في الصراع اليمني أن التوافق الذي يتم بناؤه في كل مرحلة من تاريخ الجمهورية يولد في قلبه انقسامات متعددة عادة ما تنتهي بالعنف، لأن المراهنة تتم على توزيع الغنائم وفق محددات القوة الواقعية وهي متحولة مع الزمن، ولا يتم التركيز على بناء القواعد التي تحكم الصراع، ولا يمكن بناء القواعد المحايدة ما لم يكن الانقسام حادا بين القوى الفاعلة، وهناك توازن فاعل بينها، بحيث يصبح خيارها الحتمي القواعد المحايدة أو صراعاً لا رابح فيه بل قد يصبح صراع فناء متبادل. • اللعبة التي تجري لإعادة تركيز القوة ستعيد إنتاج نظام أكثر بؤسا من نظام صالح، وهذا ما يجعل خروج ما يمثله صالح من اللعبة وبشكل نهائي مضرا بالتحولات ومسارا ثوريا لإنقاذ نظام صالح بدون صالح، لست مهتما بالكلام المتقن الذي تنتجه التنظيرات بل بالواقع كما هو بكل عيوبه ومشاكله، وبطبيعة المصالح التي تشكلها القوى المؤثرة. • بالعودة إلى السؤال: ماذا لو أصبح صالح معارضا؟ • إعادة تركيبة النظام السابق تتم بماكياج جديد وتحول صالح إلى معارض يبدو مستحيلا في ظل التسوية ومآلاتها قد تعيد صياغة النظام بطريقة أكثر جذرية مما لو تم إفشال التسوية أو تم إعاقتها، بالنسبة لصالح أصبحت القواعد المحايدة هي الخيار الذي سيمكنه من إدارة معركته وهذا ما يخيف أركان نظامه من أن يتحول إلى قوة موجودة حتى في حالة خسارة حزبه وحلفائه في الانتخابات التي ستتم وفق الدستور الجديد فإنه قد يقود المعارضة، وهذا ما يحتاجه لإعادة الاعتبار لتاريخه. • إن نقطة ضعف نظام صالح الذي أنتج بثورة أصبح رئيس النظام السابق، وهذا ما يجعل خروجه الطريق الوحيد لإعادة لحمة النظام عبر تحالفات جديدة بين أركان النظام السابق ولن يتم هذا الأمر إلا بخروج صالح وتشتيت قوته وتحويلها إلى أيقونة ملعونة لإشباع رغبة الغاضبين وتبرير شرعية نظام صالح بصورته الجديدة وجوهره الثابت. • المثالية التي يتم إنتاجها في بعض تكوينات المؤتمر والتي تركز على إخراج صالح وأجنحته المختلفة من اللعبة كليا هي أشبه بالتنظيرات الغبية التي يتم إنتاجها لإعادة تعمير مصالح خاسرين ورابحين ولا علاقة لها بالتحول الديمقراطي ولن تحقق الأهداف التي يتم الحديث عنها وهي كثيرة، ولن أتحدث عنها، ما يهمني أنهم يعتبرونها مدخلا لإنقاذ الهيمنة الإخوانية، وكأن الإخوان دائرة معزولة عن صراعات المراكز المحورية لنظام صالح، تاريخ الحركة وطبيعة تركيبتها ومحور الهيمنة في بنيتها يجعلها جزءاً من النظام السابق، ولن تتمكن من السيطرة بمجرد عزلها عن تشكيلات النظام السابق وستتحول المثاليات التي تطرحها دوائر مؤتمرية مقربة من هادي ومحسن وغيرهما إلى نقطة الارتكاز لإعاقة التحول، وسيتحول الرئيس هادي إلى قوة لإنتاج نظام صالح ثم كبش فداء يتم التخلص منه بنعومة وسلاسة. • المشكلة كلها مركزة في فهم قوى التغيير للعبة الصراع الراهن، ولصالح شخص في فهمه لدوره القادم، فإما أن يرتهن لوعيه السابق ليتحول إلى ضحية مركبة لنظامه أو أن يتحرر من قيوده ويعيد صياغة وجوده لصالح لعبة جديدة تمكنه من لعب دور إيجابي يمكنه من إثبات وجوده من خلال الدفع بالتغيير الجذري لصالح القواعد المحايدة وبناء الدولة والمراهنة على المستقبل، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستحميه وتمكنه من القضاء على نظامه الذي ابتلعه ويريد الفتك به ليعيد إنتاج نفسه. • اللاعب الخارجي كان له دور محوري وأساسي في خروج صالح هذا يحتاج منه أن يعيد ترتيب أوراقه خارج سياق الرغبة بالانتقام، لأنه قد يفقد الكثير لأن الانتقام يحرق صاحبه ويفقده قدرته على إدارة السياسة بلغتها الواقعية، وعندما أقول واقعية هنا أقصد أن السياسة طاقة يديرها العقل الباحث عن التغيير بما ينفع الناس ويراكم قوة القيادة، وليس المشروع الناضج إلا المقدمة الأولى للفعل السياسي.