لايمكن للحياة السياسية في اليمن ان تمضي في الاتجاه الصحيح في ظل تصدر تجمع الاصلاح للمشهد السياسي وادارته لمراكز القرار أكان على مستوى السلطة من خلال قدرته على تحريك دمى الحكومة التي تدين في اكثر من نصفها للولاء المطلق له ولرموزه من الساسة والمشائخ أو على مستوى المعارضة من خلال هيمنته على تكتل أحزاب اللقاء المشترك الذي اثبت فشله منذ قيامه حتى اللحظة بعد ان تمكن الاصلاح من خلال ادارته لهذا الهجين من القوى الساسية من وأد مشاريع بناء الدولة وتحديث المجتمع التي كانت تتبناها بعض الاحزاب الوطنية والتقدمية كالاشتراكي والناصري وتراجعها لمصلحة مشروع الاصلاح الظلامي . ان مجرد وصف هذا التجمع بكونه كيان سياسي يمثل تعديا على مفهوم السياسة إذ هو أقرب الى مفهوم الجماعات التكفيرية المتطرفه التي لاتحمل مشروعا نهضويا ولابرنامجا سياسيا يمكن الركون اليه في ما يتعلق بتطلعات قوى الحداثة لبناء دولة مدنية عصرية كحاجة ملحة في هذا البلد الذي عانى غياب الدولة ومؤسساتها المتوافقة مع متطلبات العصر منذ اكثر من الف سنة الى اللحظة.
كما ان محاولة بعض رموز الاصلاح الحديث عن تجمعهم هذا باعتباره امتداد لفكرجماعة الاخوان المسلمين في مصر والتي قامت على هدي أفكار مؤسس الجماعة سيد قطب فيه ظلم كبير للشيخ المجاهد سيد قطب ولفكره ولجماعته كون جماعة اليمن أبعد ما تكون عن أي فكر نهضوي واذا ما صح القول ان في إصلاح اليمن من ينتمي الى فكر الاخوان الذي جاء به قطب كياسين عبدالعزيز فوجود مثل هؤلاء هامشي في قيادة الاصلاح وفي صنع قراراته ورسم توجهاته التي يتولاها أميون وأمنيون وعسكريون ومشائخ قبائل ورجال دين متطرفون لايؤمنون بقواعد العمل السياسي ولاشروطه الا ان كان ذلك يعني تسليم شؤون ادارة الحكم لهم .
لقد أسهمت رموز الجماعات المتطرفة التي تكون اليوم تجمع الاصلاح في تأخير جهود بناء الدولة المدنية في شمال اليمن منذ قيام الثورة الى اليوم ،كما أسهمت في تدمير بنى الدولة القادمة اليهم من الجنوب بعد قيام الوحدة في العام 90م وتدمير مؤسساتها والقضاء على ثقافتها بل انهم دأبوا من خلال أفعالهم على تشويه مفهوم السياسة لدى قطاع واسع من الجنوبيين الذين عرفوا الاحزاب والنقابات ومارسوا النشاط السياسي منذ اكثر من ستين عاما وفق محددات وشروط العمل السياسي المتعارف عليها في كل العالم،كما عملوا على تشويش مفهوم الدين الذي كان ومازال الجنوبيون يؤمنون انه لله وهو منزه عن الغلو والدجل وأشرف من أن يستثمر في سبيل بلوغ غايات دنيوية رخيصة.
ان الحاجة لحل هذا التنظيم تبدو ملحة اليوم لإنقاذ الجنوب مما يحاك ضده من مؤامرات تستهدف هويته وتأريخه وتحاول سرقة مستقبله وكذا لتجاوز اشكالية معوقات بناء الدولة في شمال اليمن ،و حاجة حل الإصلاح هنا ليست من الإقصاء ولا تتعارض مع قواعد العملية الديمقراطية التي ترتكز اساسا على الحرية وتعدد الاحزاب لسببين وجيهين اولهما ان الاصلاح اثبت انه ضد اي ممارسة ديمقراطية سليمة وبأنه كان سببا رئيسا في تخلف الفعل السياسي في اليمن وأعاق بناء الدولة وقمع الأحزاب وهنا ينبغي ألا نصغي لاحاديث ساسة الاصلاح بأنهم كانوا خارج اسوار السلطة فيما مضى لأن قول كهذا يجانب الحقيقة باعتبار ان رموز الفكر المتطرف في الاصلاح هم من كانوا يديرون مفاصل الدولة حتى في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح فقد كانوا قيادات في حزبه قبل ان يكون لهم حزبهم وكانوا وزراء وسفراء ورئيسهم اليوم هو رئيس جهاز الأمن الوطني القمعي كما كانوا هم المرجعية التي تقر تشريعات القوانين وتعد مناهج الدراسة وتصيغ السياسة الاعلامية ولفتاواهم قوة أقوى من القانون.
اما جهة الجنوب فإن وقف نشاط الاصلاح يبدو ضرورة عاجلة لعوامل عدة ابرزها ان نشوء الاصلاح ارتبط بأول مؤامرة حيكت ضد الجنوبيين ودشنت خطة الالتفاف على مشروع الوحدة بحسب ماجاء في مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر مؤسس الحزب ورئيسه الذي قال: انه اتفق مع الرئيس السابق على تأسيس الاصلاح لتعطيل اي توجه لشريك الوحدة الجنوبي ا لحزب الاشتراكي جهة تفكيك بنية الدولة القبلية ومحاولة اقامة دولة مدنية حديثة.
كما ان الاصلاح عمل على تسميم الحياة السياسية وتدمير الوعي المدني لدى ابناء الجنوب من خلال ممارساته التآمرية غير المنضبطة في ادارة نشاطه السياسي الساعي للهيمنة على الجنوب والقضاء على ما تبقى من بنى الدولة المدنية فيه ومحاولة إعادة صياغة تفكير ووعي أبناءه باتباع كل الطرق والوسائل وعلى قاعدة ميكافيلي -الغاية تبرر الوسيلة - ناهيك عما ألحقه هذا التنظيم من تشويه للدين وقداسته في وعي العامة من أبناء الجنوب، ما يعني ان استمرار نشاط الاصلاح في الجنوب ينطوي على خطر داهم على الوعي المدني الذي تكون على مدى أكثر من مائة وخمسين عاما هي فترة الاحتلال البريطاني وحكم الحزب الاشتراكي وكذا على عقيدتهم الدينية المعتدلة وعلى ثقافة التسامح والتعايش بين مكونات المجتمع.
ان انقاذ الجنوب من مؤامرة ظلامية تستهدفه وتستهدف الحياة المدنية فيه وكذا تغيير الاوضاع في الشمال عما هي عليه من جمود وتخلف يضع النخب السياسية والثقافية والاعلامية المتنورة ورجال الدين أمام مهمة قيادة حملة شاملة للمطالبة بحل هذا التنظيم أو على الأقل وضع ضوابط لنشاطه تلتزم فعلا بشروط وضوابط العمل السياسي وتصب في اتجاه بناء الدولة المدنية ،كما ان على قادة و مثقفي الحراك ورجال القانون فيه مخاطبة المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية وكذا الدول الراعية للمبادرة الخليجية لأن تتعامل مع جرائم الاصلاح بحق الجنوب بإعتبارها مفتتح كل الجرائم التي ارتكبت في حق الجنوب وضد مشروع الوحدة وان من أبرز عوامل زرع الثقة التي ينبغي ان تقدم للجنوبيين لدخول مؤتمر الحوار ينبغي البدء بحل هذا التنظيم او استبعاده من أي حوار يتعلق بالجنوب ورفع يده عن كل مايتعلق بالحنوب وقضيته كونه كان شريكا اساسيا في كل مالحق بالجنوب من مظالم و خاض حربا شاملة ضد الجنوب من خلال فتاوى رموزه الدينية ومؤامرات ساسته ومساهمة جحافل مجاهديه في اجتياح الجنوب ونهب مشائخه ومتنفذيه للأخضر واليابس فيه ومازال الى اللحظة مسلسل هذه الحرب التي تستهدف الجنوب أرضا وانسانا مستمرا وفي مختلف الاتجاهات وبمختلف الوسائل وابرزها مساعيه لتزوير ارادة المجتمع والتعدي على حقه في تبني قضاياه المشروعة والدفاع عنها.