كثير من القوى السياسية كانت تتعامل مع الحوثي وجماعته بصفتهم قوة فتية تحمل طموحا شبابيا متجاهلين البعد الحقيقي لهذه الحركة المنبثقة من فكر سلالي غير قادر على مواكبة العصر الحالي التي تعيشها الأمم الأخرى. ولا أدري كيف انطلت تلك الحيلة على بعض القيادات السياسية المتقاطرة على صعدة رغم أن ادبيات حركة الحوثي كانت شبه واضحة لا تحتاج إلى تمعن كبير حتى نقول أنها أخفت وجهها القبيح. فحركة الحوثي تبنت منذ نشأتها فلسفة ثورة الخميني الداعي لتجسيد دولة ولي الفقية وهي فلسفة مبنية على معتقدات شيعية تؤمن بضرورة خروج اليمني من صعدة والسفياني من الشام متخيلا -الحوثي- أنه اليماني الذي قالت عنه كتب الإمامية. فجهل عبد الملك الحوثي ومحيطة بالمفهوم السياسي لإدارة الدول جعله ينساق بغباء كبير وراء الأكاذيب التي سوقتها كتب الشيعة الامامية المتعلقة بظهور المهدي من سردابه ليخلق عداوات مع القوى والأحزاب السياسية التي سعت لتخرجه وجماعته من جماعة متمردة إلى مكون سياسي يمثل في معظم دوائر الدولة لتجد نفسها هذه القوى تقف ضد الحوثي بعد مناصرتها له مدركة حجم الجريمة التي ارتكبتها بوقوفها إلى جانبه. فما يحمل فكر لا يمكن التعايش معه فهو لم يأت كما كان يدعي لتخليص مجتمعه من مظلومية سياسية حلت عليهم من قبل نظام صالح ولا من أجل اشراكه ضمن المكونات السياسية في الحياة العامة.. انما يحمل فكرا لا وجود له الا في عصور ما قبل الحداثة فسعى لفرض أجندته على الأحزاب و المناطق والمحافظات ليتجاوز بذلك مكانة الدولة مستخدما مجاميعه المسلحة لاسقاط ما تبقى من مؤسسات حكومية بما فيها مؤسسة الرئاسة والجيش والأمن . وهي أفكار لا يوجد لها أساسيات في المجتمع اليمني ولم تنطبق مع بعده المذهبي . وبما أن الحوثي لم يمتلك معرفة بالعوامل السياسية والأدبية لتوظيف مشروعه على المجتمع اليمني جعل حركته تهوي في اوج قوتها لتجعل من انتصاراتها السريعة مقدمة لهزيمة بمجرد خروجها من وكرها في مران . فهي حركة مختصرة على إطار جغرافي معين لا يمكن لها أن تتمدد. فالتنوع الاجتماعي في اليمن يصعب عليه تقبل الحوثية كحركة سياسية فما بالك أن تتحول إلى حركة تدير الدولة خاصة أنها تحمل نفسا سلاليا وطائفيا وهو النفس الذي جعل بعض المناطق تعلن رفضها للحوثي قبل انقلابهم على هادي ومؤتمر الحوار . فخروج أبناء محافظة البيضاء لمواجهة الحوثي كانت مقدمة للتجاوب الشعبي الرافض لتحول الحوثية من جماعة متمردة إلى جماعة تدير الدولة ولو كانت تحظى بغطاء اممي من بن عمر وهادي تحت اسم اتفاق السلم والشراكة . لم يكن يدرك عبد الملك الحوثي أن جماعته وفكرها لن يلقي قبولا في أوساط اليمنيين بما فيهم بعض المناطق المحسوبة على المذهب الزيدي كما هو حال مديرية أرحب ونهم والجوف فمابالك بمن لا ينتمي إليه؟ فالشيء الوحيد الضامن لوحدة المكون اليمني هو البعد الوطني وليس البعد المذهبي أو فكر الخميني وهو ما لم يكن الحوثي ليفهمه في حينه طالما وهو لايعي البعد الاجتماعي لليمن ومكوناتها السياسية