كيمنيين، يبدو أن مصر ليست أقرب إلينا من حبل الوريد فحسب، بل لقد أصبحت الآن -أيضاً- أقرب كسر عشري لقياس نوايا ورغبات فرقاء الداخل على مختلف انتماءاتهم، وكل فريق (هنا) يشجع فريقاً (هناك)، وكلٌّ يغني على ليلاه في مصر، تاركين قضايا البلد بكل تعقيداتها ومشاكلها إلى حين ميسرة. من يسمع أو يشاهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح الآن وهو يتكلم بإعجاب عن تماسك وشرف المؤسسة العسكرية في مصر، وانحيازها الكامل للشعب يعتقد أن "صالح" بسلامته كان مجرد سائح يتمشى في اليمن، أو أنه طيلة ال 33 عاماً التي حكم فيها لم يكن القائد الأعلى للقوات المسلحة، بل كان- على وجه التحديد- مجرد "عسكور" عاكف على بناء وتقوية جيش إمبراطورية "سنحان" وجميع الأهل والأصدقاء! وأما الذي يسمع الجنرال العجوز "علي محسن" وهو يتحدث عن ثورة 30 يونيو بوصفها انقلاباً على الشرعية فإنه بلا شك سيموت من الضحك، خصوصاً وأن هذا القائد الهمام-كان ولا يزال- يعتقد بأن "الفرقة الأولى مدرع" ليست جيشاً مسخَّراً لخدمة اليمن، بل هي مجرد "وديعة إسلامية" وضعت لديه، ويمكن تسميتها مثلاً ب"وديعة البركة".. وبالتالي فإن الجنرال الحاذق لم ينقلب في 18 مارس 2011 على رئيسه، بل كل الذي فعله هو أنه سلم الوديعة لأصحابها و"انضم" ليحمي الثورة (!) ولكأن ثورة 11 فبراير امرأة خرقاء حتى لتحتاج إلى "نهَّاب" كبير ليحميها، تماماً مثل "محسن"، أحسن الله إليه. المؤتمر الشعبي العام وأنصاره، هم الآخرون، أصبحوا يتكلمون مع إخوان الداخل الآن من "النُّخر" ويقولون لهم نكاية "الله، هو ملطام السيسي لسه مكفاكوش والا موه".. وفي المقابل أيضا تجد إخوان اليمن- كالببغاوات تماماً، ليل الله مع نهاره يرددون عبارة "الشرعية" أكثر مما رددها "مرسي" ذاته.. على أن خطابهم لا يزال هو ذات الخطاب الذي يصعب عليه بأي حال من الأحوال تجاوز "الصنم" ! وكله كوم، وتوصيف الإخوان لكل مؤيدي "مرسي" بأنهم "لاعقو البيادة" !! واللي يسمعهم يقول إن "فرقة حيا بهم حيا بهم" التي ابترعوا لها، انضمت إلى الثورة ببوكيهات ورد وجوارب! وأن "حامي الثورة" قائد "حافي" خاض في صعدة ست حروب "مراجمة بالصنادل"! وأما الناصريون المغبونون أساساً- من النظام السابق- ومؤخراً من محاصصة التجمع اليمني للإصلاح، فهؤلاء (وأنا أنتمي فكرياً لهم) عاشوا حياتهم السياسية- ولا يزالون كما هم- مفتونين بإرادتي "عبدالناصر والحمدي، تاركين فتيانهم الأحياء وقضاياهم الحية للفراغ وجالسين "يدوروا اللي ماهلوش" ولسان حالهم يغني "يا لاقي الضايعة"، ولما سطع نجم السيسي مؤخراً، جانا الفرج وانتعشوا لكأنهم وجدوا في السيسي "عمهم الباشت" و"عررر" حد يقرب مننا بعد الآن"! يتشابه الاشتراكيون مع الناصريين- تماماً- في هذه الجزئية، إذ تواطأ هذا الحزب الأممي الكبير مع الإقصاء ومع جرائم التخوين والتكفير التي مارسها "إخوان اليمن" على الكل أثناء ثورة 11 فبراير، ولا يزالون يمارسونها حتى اللحظة، ولكنك حينما تبحث عن مجد الحزب الاشتراكي الآن، ستجده هو الآخر كياناً عالقاً عند أغنية "جيفارا مات"، وما أسوأ المراهنة على إرادة الموتى!؟ لا شأن لي بالتبرير أو الإيضاح إذا ما كان الذي حدث في مصر ثورة أو انقلاباً، أو فول مدمس.. ما يخصني الآن أولئك المتنطعون الذين توفرت لهم فرص بالهبل لبناء دولة حقيقية في اليمن، وكذا لبناء جيش حقيقي، ومجتمع متماسك، لكنهم وللأسف الشديد، حكموا اليمن بهاجس إقصائي مقيت وبنزعة لصوصية كريهة، وبدلاً من أن يخجلوا من أنفسهم، تجدهم الآن يتفلسفون بشأن مصر، وكأنها عُزلة في العصيمات أو سنحان! (يتبع غداً: إزاي فكيكه). [email protected]