أنت أيها الشاب الطيب الذي كنت متحمساً في غاية الحماس.. كم مرة قلت لك: قبل أن تحكم على هذا الشخص أو ذاك ضعه أولاً فوق كرسي. قبل أن تحكم على هذا الحزب أو ذاك دعه يجلس فوق الكرسي. الكرسي هو الآية، وهو الآلة التي تكشف حقيقة كلِّ من يجلس عليها، ومن كراماتها أنها تريك أشياء لم تكن قبل ذلك قادراً على رؤيتها، وتجعلك تعرف الأشخاص على حقيقتهم، وتظهر لك الأحزاب على حقيقتها لأعلى ما ترفعه من شعارات. اُنظر مثلاً: ذلك الذي قلت عنه إنه ثوري زاهد وإنه مثال للنزاهة والزهد الثوريين.. بمجرد أن جلس على نصف كرسي تبيَّن أنه مثال للنَّهم والشراهة. الآخر الذي طالما أشدتَ به في كلِّ مجلس وقلت عنه بأنه سخَّر وقته وجهده وعلمه في مقارعة الفساد وفضح الفاسدين، اتَّضح بعد جلوسه فوق بقايا كرسي أنه فاسد أكثر من كلِّ الفاسدين. الثالث، العالم المتواضع الذي كان ينتقد ويسخر من المسئولين وهم في مواكبهم المسلحة، والذي قلت واثقاً بأنه لن يقبل أن يمشي بحراسة.. رأيته بعد جلوسه مباشرة على نصف الكرسي وفي رفقته ثكنة عسكريه، وكان منتفخاً كالطاووس. إنها آية الكرسي، فضحتهم كأفراد وعرَّتهم كأحزاب، وأظهرت أنهم أكثر تهافتاً وتكالباً من سابقيهم على المناصب والوظائف والمال العام. فقط ميزة هؤلاء اللصوص الذين سرقوا ثورتكم، وسرقوا دمكم، وسرقوا حلمكم.