وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي ب «مرشح ورئيس ضرورة» في الانتخابات الرئاسية المصرية، قائلاً: كنت أتمنى أن يكون هناك مرشحان آخران، لولا التجريف الذي شهدته مصر، وكل هذا القحط الذي حدث في الأفكار وفي البشر والمشروعات والطموحات. وقال هيكل، خلال أولى حلقات برنامج «صالون التحرير»، الذي يُقدمه الكاتب الصحافي عبد الله السناوي على فضائية «التحرير»، والمذاع أمس: «أنا قلق على المشير السيسي، لأن جمال عبد الناصر كان يشتغل في السياسة قبل 1952، أما عبد الفتاح السيسي فهو ضابط في المؤسسة العسكرية، ولم يكن له دخل في السياسة، وهذا جزء من تردده الكبير جداً»، نافياً في السياق ذاته قيامه بوضع البرنامج الانتخابي للسيسي. واستطرد هيكل: «حتى هذه اللحظة، نحن رأينا المشير السيسي في معارك دفاعية، ونراه اليوم يتقدم إلى معارك هجومية في ميدان هو لم يتأهل له.. هو مرشح ضرورة يحتاج إلى كل البلد، وإذا تصور أحد أننا نتحدث عن بطل منقذ فنحن نتكلم عن وهم، نحن فقط نريد رجلاً قادراً على اتخاذ قرار مستقبل».
وشدد على أهمية وجود مجلس أمناء للدولة والدستور مع المشير السيسي، نافياً أن يكون ذلك المجلس أشبه ب «الاتحاد الاشتراكي» الذي عرفته مصر في حقبة الستينيات. وأوضح الكاتب الكبير أن المشير السيسي، لديه تأييد شعبي، لكن ليس له ظهير سياسي، وهو لا ينوي أن يؤلف حزباً. وتابع: «السيسي مهيأ لأنه لا يوجد غيره على فرض الناس الذين ينتخبونه.. السيسي مرشح ورئيس ضرورة، لكن المهام المقبلة تختلف عن مهامه السابقة»، واصفاً مُهمة السيسي ب «شبه المستحيلة».
3 مشكلات ولفت الكاتب الصحافي الكبير، إلى أن مصر تواجه ثلاث مشكلات رئيسة، ولا يمكن لها التقدم خطوة واحدة نحو طريق المستقبل، قبل أن تجد لكل منهم حلاً، وهي مشكلات المياه والطاقة والغذاء، مشدداً على ضرورة تشكيل جبهة وطنية جامعة لكل الأحزاب والقوى السياسية، لتعمل معاً من أجل مواجهة تحديات الأزمة المحدقة بالوطن. وفي ما يتعلق بمستقبل مصر، قال هيكل: «أعتقد أننا بعيدون جداً عن طريق المستقبل، حتى هذه اللحظة تقريباً، نحن في حالة تيه في الصحراء، ولدينا 3 قضايا رئيسة، أبرزها قضية المياه التي هي أزمة مياه طاحنة ستواجه مصر، فضلاً عن أزمة الطاقة، وأزمة غذاء، ولا بد أن تحل هذه المشكلات الثلاث، لنضع أنفسنا في مصر على طريق المستقبل». وشبّه هيكل الاستراتيجية المصرية بالمركبة التي ضلت طريقها في فترة ما من تاريخ مصر، وقال «عند اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، بدأت السيارة الكبيرة في التلف، وفقدت أحد إطاراتها، وجاء بعده الرئيس مبارك. وتصوّر بخبرته كطيار أن السيارة الكبيرة «طائرة»، فبدأ إصلاحها على أنها كذلك، لكنه لم ينجح، وظلت السيارة في طريقها معطلة، والطريق إلى المستقبل معطل، مع تراكم المشاكل تزداد مشكلات الأعطال، حتى جاء المجلس العسكري بعد 25 يناير 2011 ولم يعرف كيفية إصلاحها. وكذلك الرئيس المعزول محمد مرسي، إلى أن وصلنا إلى المرحلة الراهنة، التي يقف فيها كل أصحاب السيارة، وهي سيارة الوطن، أمام أعطالها، وهي تسير بطريقة خاطئة، وبالتالي، فإن أول خطوة لا بد أن نفعلها، هي محاولة إيجاد طريقة للوقوف على طريق المستقبل، وقبل أن تقف على طريق المستقبل لا يجب أن نتحدث أو نسأل عن اتجاه المسيرة». ونوه الكاتب الصحفي الكبير بأن المشكلة الأساسية ليست قضية مستقبل، بمقدار ما هي قضية وجود، قائلاً: «أعتقد أنه لأول مرة في التاريخ المصري الحديث، نقف أمام مشكلة «أن نوجد أولاً»، في وقت تحول المحيط الذي من حولنا، والذي كان باستمرار «أفقاً نتحرك فيه»، إلى محيط ضاغط علينا، في ظل المشكلات التي تشهدها دول عربية عديدة».
جوع مائي وفي ما يتعلق بأزمة المياه، لفت هيكل إلى أنه خلال ثلاث أو أربع سنوات، إذا لم تجد مصر حلاً حقيقياً لتلك الأزمة، فسوف تكون أمام حالة جوع مائي، قائلاً: «لقد تركنا ملف المياه لخبراء وزارة الري ووزراء الري، وهذا موضوع كان يجب أن يُعالج على مستوى السياسة في إطار أفريقي حقيقي، ومصر الآن ليس لديها هذه الأطر، لأنها أمام مشاكل وجودية، عليها أن تحلها أولاً.. وعامة، فلو بدأ سد إثيوبيا يحجز المياه وسوف يستغرق 7 سنوات لكي يمتلئ، فمصر سوف تكون أمام مشكلة حقيقية».
واستطرد: «لا أحد اليوم يقبل بالمسؤولية، والكل يقف أمام احتمال المسؤولية متردداً وخائفاً، لأننا لسنا على طريق المستقبل، لافتاً إلى أن المهمة التي تنتظر أي رئيس مقبل، هي وضع مصر على خريطة المستقبل». وأضاف: «يجب أن نعرف الحقيقة وكيفية مواجهتها، عشنا سنوات طويلة جداً بعيدين عن الهدف وعن أية رؤية، وعشنا سنوات طويلة من الجمود والتجريف في مصر».
العدل الاجتماعي وأكد الكاتب الكبير أن أول المشاكل التي تواجه مصر، هي أن العدل الاجتماعي غائب عن المجتمع المصري، وهناك خلل كبير جداً، مشدداً على أهمية أن يعرف المصريون الحقيقة كاملة، ثم يتم تحديد مسار المستقبل، إذ لا يمكن الحديث عن دور إقليمي لمصر، والوجود المصري نفسه موضع مساءلة، وعلى الرئيس المقبل والنظام الجديد أن يواجه مع الشعب حقائق لا بد من مواجهتها، كما أن مصر لا يمكن أن تعيش على المساعدات. وأكد أن مصر تواجه ثغرة قيم ومشكلة ثقافة، ومصر لم تعد كما عرفناها، وملامحها تغيرت، وبالتالي، فسؤال الثقافة سؤال حيوي في اللحظة الراهنة، مشيراً إلى أن الشعب المصري لا يبحث عن بطل، لكنه يبحث عن أمل، مشيراً إلى أن الشعب المصري تحمل أكثر مما يستطيع أن يتصوّره أحد، كما أن الأوضاع الحالية لا يمكن أن تستمر. وعن نصائحه لمن يتولى المسؤولية خلال الفترة المقبلة، قال: «أدرك تماماً ضرورية العدل الاجتماعي والتعليم، لكن علينا أن نواجه الحقيقة، فوفق الدستور الجديد، نفقات التعليم نصف أو ثلاثة أرباع الدخل القومي، واستمرار العشوائيات ونسبة الأمية كما هي تعد إهانة. لكن ليس لدينا الموارد التي تمكننا من تنفيذ مطالب التعليم والصحة والعدل الاجتماعي، وتوزيع الثروة في مصر لم يكن في يوم من الأيام بمثل البذاءة التي عليها الآن، ولا فائدة من برامج تطرح من دون وجود موارد».
الموقف الأميركي وبشأن الموقف الأميركي من مصر عقب ثورة 30 يونيو، قال هيكل: «الموقف الأميركي وموقف أية دولة أخرى يتوقف على الوضع بداخل مصر.. وقد قال لي أمير قطر السابق، إن مصر لو في موقعها الحقيقي ما كان في مقدور أحد مهاجمتها.. الدور الأميركي مؤثر في مصر مع الأسف الشديد، بحيث أصبح قادراً على أن يأمر وينهى، وعلينا البحث عن أسباب تنامي نفوذه».
الأجيال الجديدة ورداً على سؤال حول مشكلة الأجيال الجديد في مصر، أجاب هيكل: «أعتقد أنها مظلومة، فهي لا تعرف حقائق العالم»، متطرقاً إلى حوار الرئاسة المصرية مع الشباب، قائلاً: «من الظلم اختزال العمل الوطني في الأحزاب السياسية الآن أو في المستقبل، في اللحظة الراهنة، تشكيلات العمل الوطني تتجاوز التشكيل الحزبي، ومهمة هي فكرة ما يسمى مفوضية الشباب التي تجمع كل أطيافه من أجل إدارة حوار وطني حقيقي جاد بينهم».
العالم العربي وذكر هيكل أن العالم العربي يقع، وما كان مجالاً للاطمئنان أصبح مصدراً للقلق، وقال إنه لا أحد يتخيّل كمية السلاح المتدفقة إلى مصر من ليبيا، وروى أن أحد الأقمار الصناعية التقطت صوراً لثلاثين أو أربعين سيارة كانت تنقل سلاحاً من ليبيا، وأن أحد الأطراف الدولية أبلغت مصر بها، وحين تمت ملاحقتها لم يتم ضبط سوى سيارة واحدة. وشدد الكاتب الكبير على أنه «إذا توفرت الإرادة من دون وجود وسائل لتحقيقها، سنصاب بالإحباط»، واختتم بالقول: «مصر تحتاج إلى «تجريدة» فكرية تخطيطية، وليست عسكرية.
محاورون شارك في إدارة الحوار مع هيكل، كل من المستشار السياسي والاستراتيجي لرئيس الجمهورية د. مصطفى حجازي، والروائي البارز بهاء طاهر، والروائي الكبير يوسف القعيد، ورئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم» ياسر رزق، ونائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية د. عماد جاد، والكاتبة الصحافية والإعلامية فريدة الشوباشي، ورئيس تحرير جريدة «الأهرام» محمد عبد الهادي علام.