القاهرة - "الخليج": اعتبر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي مرشح الضرورة لإنقاذ مصر من حاله التيه، محذراً من ثلاث مشكلات رئيسية تواجهها مصر، ولا يمكن لها التقدم خطوة واحدة نحو طريق المستقبل قبل أن تجد لكل منها حلا، وهي: المياه والطاقة والغذاء . مشددا على ضرورة تشكيل جبهة وطنية جامعة، تضم كل الأحزاب والقوى السياسية المؤمنة بموجتي 25 يناير و30 يونيو، لتعمل معا من أجل مواجهة تحديات الأزمة المحدقة بالوطن . وكان هيكل يتحدث، الليلة قبل الماضية، لبرنامج "صالون التحرير"، الذي يديره الكاتب الصحافي عبدالله السناوي، على قناة "التحرير" الفضائية، بمشاركة عدد من كبار الصحافيين والكتاب في مصر . وصف هيكل المشير عبدالفتاح السيسي بأنه "مرشح ورئيس الضرورة"، إلا أنه قال إنه بصدد مهمة "شبه مستحيلة" . ورداً على سؤال حول رؤيته للتوفيق بين طرفي معادلة "الأمن والحرية"، قال هيكل إنه يرى وطناً "ينتحر باسم الحرية" . ووصف مصر بأنها أشبه ما تكون في حالة تيه في الصحراء، مشيراً إلى أننا قبل الحديث عن المستقبل، لا بد أن نكون متأكدين أننا نسير على طريق المستقبل بالفعل، بينما نحن في الحقيقة بعيدون جدا عن الطريق . وقال هيكل: إن مصر اليوم أصبحت أمام ثلاث قضايا، لا بد من حلها، وعلى نحو سريع، فنحن من جهة أمام أزمة مياه طاحنة في الطريق، ومن جهة أخرى لدينا أزمة طاقة فظيعة جدا، سوف تؤثر فينا بقوة، كما أننا أمام أزمة غذاء، إذ ليس لدينا ما يكفينا من الطعام، ومن ثم فلا بد أن تحل هذه المشكلات الثلاث لتضع نفسك على طريق المستقبل . ولفت إلى قيام السلطة في مصر- في فترة ما من تاريخ البلد ليس بعيداً- باختيار طريق مخالف لكل أصول أي استراتيجية مصرية، وهو ما أدى في النهاية إلى اختطاف البلد ودفعه إلى طريق وتيه آخر، غير طريقه، مشيراً إلى أن خطوط الاستراتيجية المصرية باستمرار كانت تنطلق من محاولة بناء قاعدة اقتصادية في هذا البلد، وأن له عمقاً وبعداً عربياً، وأن له مكانة في العالم، وأضاف هيكل: "في لحظة من اللحظات غيّرت مصر خرائطها كلها، ودخلت إلى طريق مجهول تقريباً" . ووصف هيكل مصر بالسيارة الكبيرة التي كانت تتجه نحو المستقبل، لكنها عند لحظة معينة، سارت باتجاه الصحراء لفترة طويلة حتى تاهت، وبدأت تتلف إطاراتها، وما حدث أن السيارة عند اغتيال الرئيس السادات، بدأت في التلف وفقدت أحد إطاراتها، وجاء بعده مبارك وتصوّر بخبرته كطيار، أن السيارة الكبيرة "طائرة"، فبدأ إصلاحها على أنها كذلك، لكنه لم ينجح لأنه كان يفعل شيئاً ضد طبيعة السيارة ولأنها ليست طائرة، وأضاف: "ظلت السيارة في طريقها معطلة والطريق إلى المستقبل معطل، حتى جاء المجلس العسكري بعد 25 يناير ،2011 وقد وقف هو الآخر أمام السيارة ولم يعرف كيفية إصلاحها، ثم جاء الرئيس السابق د . محمد مرسي، فرأى السيارة تعاني عدة أعطال لكنه اعتبرها "توك توك" وبدأ يقودها على أنها كذلك، وصعد معه في السيارة الأهل والعشيرة وأقفاص الدجاج، لكنها لم تمض بهم أيضاً على الطريق، إلى أن وصلنا إلى المرحلة الراهنة التي يقف فيها كل أصحاب السيارة أمام أعطالها . وأوضح هيكل أن مصر باتت في أمسّ الحاجة إلى مركبة تنقلها إلى المستقبل، مشيراً إلى أن هذه المركبة قد تكون هي الدولة أو المجتمع، وأضاف "المشكلة أننا لا نملك هذه المركبة بعد" . وقال: إن المشكلة الأساسية التي تعانيها مصر حالياً، ليست قضية مستقبل بمقدار ما هي قضية وجود، مشيراً إلى أن مصر- وللمرة الأولى في التاريخ الحديث على الأقل- تجد نفسها أمام مشكلة أن توجد أولاً، في وقت تحول فيه المحيط الذي من حولها، الذي كان باستمرار "أفقا تتحرك فيه"، تحوّل إلى محيط ضاغط . وأضاف هيكل: انظر إلى خريطة الإقليم، ستجد أن كل ما كان مجالاً مفتوحاً أمامك للحركة، أصبحت عليه الآن أخطار داهمة، فالشرق تقع فيه سوريا وتقع العراق وتقع فلسطين، بينما تضيع ليبيا في الناحية الأخرى، حيث الفوضى والأسلحة التي تأتي إليك من هنا ومن هنا . وقال هيكل: "لم تعد هناك سياسة في المنطقة، وإنما أصبح هناك فراغ فظيع، يستدعي كل ما حوله، والنتيجة أننا أصبحنا أمام مشكلة حقيقية . وعرج هيكل على ملف مياه النيل، مشيراً إلى أن مصر إذا لم تجد حلاً حقيقياً لهذه القضية في ظرف ثلاث أو أربع سنوات، فإنها سوف تجد نفسها أمام حالة جوع مائي، وقال هيكل: إن المشكلة الرئيسية في هذا الملف أننا تركناه في يد خبراء وزارة الري، بينما كان يتعين أن يعالج الموضوع على مستوى السياسة في إطار إفريقي حقيقي . وأضاف هيكل: "لو بدأ سد إثيوبيا يحجز المياه وهي عملية سوف تستغرق 7 سنوات لكي يمتلئ، فإننا سنكون وقتها أمام مشكلة كبرى . واعتبر هيكل أن الشعب المصري هو وحده القادر على تجاوز هذه المشكلات الكبرى، لكنه أضاف: "المشكلة أن الناس كلها مترددة الآن، فأنت كلما دعوت أحدا للمشاركة في المسؤولية، أو تولي أي من المناصب تجده يرفض، حتى المشير السيسي لا يزال متردداً حتى هذه اللحظة . وقال هيكل: "الكل يقف أمام احتمال المسؤولية متردداً وخائفاً، لأننا ببساطة لسنا على طريق المستقبل، فهل يعقل إذاً أن تدعوني للسفر وليس معي تذكرة ولا حتى فيزا؟ . وقال: إن مصر سوف تنطلق إلى طريق المستقبل عندما تحدد أولاً ماذا تريد، مشيراً إلى أن الأوضاع التي تعيشها البلاد حالياً لا توصل إلى المستقبل، الذي يتطلب السفر إليه الاعتراف بحزمة من الحقائق، أولها أين نقف وكيف نتحرك نحو المستقبل ثم متى تبدأ . وأضاف هيكل: لقد عشنا سنوات طويلة بعيدين عن الهدف وعن أية رؤية، وهي سنوات عانينا فيها الجمود والتجريف، حتى أصبحنا في ضوء ذلك بلداً لا يعرف حقائق ما عنده، ولا كيف وصل للوضع الراهن، بينما أبسط شيء أن نعرف الحقيقة ثم نحدد مرحلتين في الحركة، أن نعرف طريقاً للمستقبل ونرسم خريطة له، ثم نحدد بدايتها ونتحرك . واعتبر هيكل أن قضية العدل الاجتماعي الغائب، ستكون أولى المشكلات التي تواجه المجتمع المصري، مشيرًا إلى أن مصر أصبحت أمام أزمة بقاء، وقال: إن البداية ينبغي أن تكون بإرادة الشعب، لكنها في الوقت ذاته لن تتحرك إلا إذا عرف الناس الحقيقة، لأن ما يخلص الشعوب دائماً هو معرفتها بالحقيقة . وقال إنه لا يمكن الحديث عن دور إقليمي لمصر، بينما الوجود المصري نفسه موضع مساءلة، مشيراً إلى أنه قد أصبح لزاماً على الرئيس القادم والنظام الجديد، أن يواجها مع الشعب حقائق لا بد من مواجهتها، وفي مقدمة هذه الحقائق أن مصر بلد لا يمكن أن يعيش دوماً على المساعدات . وأضاف: "الناس تعبت بالفعل لأننا تركنا أساسيات الوجود في حد ذاتها وتحدثنا كثيراً في التفاصيل، بينما نحن في الحقيقة نواجه ثغرة قيم ومشكلة ثقافة . وأضاف هيكل: مصر لم تعد كما عرفتها، فملامحها تغيرت، وبالتالي فسؤال الثقافة سؤال حيوي في اللحظة الراهنة . وحذر هيكل مما وصفها ب "نتائج كارثية" إذا ما فشلت مصر في تجاوز التحدي الجديد الذي ينتظرها . مشيراً إلى أن الشعب المصري لا يبحث عن بطل، لكنه يبحث عن أمل بعدما قاسى طوال العصور الماضية، وأضاف هيكل: لا يجب أن يرد احتمال الفشل على بال أحد في المرحلة المقبلة، لأن الفشل معناه نتائج كارثية، والشعب المصري تحمل أكثر مما يستطيع أن يتصوّره أحد، كما أن الأوضاع الحالية لا يمكن أن تستمر، وطريق الندامة لا ينبغي أن يكون واردا، لأننا وصلنا إلى حالة أن تكون أو لا تكون ومن هنا يجب أن نبدأ . وقال: علينا أن نواجه الحقيقة، فوفق الدستور الجديد نفقات التعليم نصف أو ثلاثة أرباع الدخل القومي، واستمرار العشوائيات ونسبة الأمية كما هي تعد إهانة، لكن ليس لدينا الموارد التي تمكننا من تنفيذ مطالب التعليم والصحة والعدل الاجتماعي، وتوزيع الثروة في مصر لم يكن في يوم من الأيام بمثل البذاءة التي عليها الآن . واعتبر هيكل أنه لا فائدة من برامج تطرح دون وجود موارد، مشيرا إلى أن الأحلام تتحقق حين تمسك الفرصة باليد، وليس ب"المجد التليد" . وعرج هيكل على الموقف الأمريكي من ثورة 30 يونيو، مشيراً إلى أن كل موقف في الدنيا من مصر، يتوقف على الوضع بداخلها . وحول ما يعتبره البعض تطابقاً بين ما جرى في العام 1952 وبين ما يجري في مصر اليوم، اعتبر هيكل أن الفرق كبير بين المرحلتين، مشيراً إلى أن ظروف مصر في العام 52 تختلف كثيراً عن ظروفها في الوقت الحاضر . وأضاف هيكل إن قيمة تجربة عبدالناصر أنها أصبحت نموذجاً تتم دراسته والاستفادة منه دون تكراره، لأن الظرف الإقليمي والعالمي مختلف، فضلاً عن اختلاف الظرف الوطني، وقال هيكل: أعتقد أن المشير السيسي هو مرشح الضرورة، وقد كنت أتمنى أن يكون هناك مرشحون آخرون، لولا التجريف الذي حصل في مصر، وكل هذا القحط اللي حدث في الأفكار وفي البشر، والمشروعات والطموحات، وأضاف هيكل متسائلاً: أليس غريباً بعد سنين طويلة من نهضة أو يقظة هذا البلد أن نسأل الآن عن سؤال وجودي نكون أو لا نكون؟ وأضاف هيكل: أنا قلق على المشير السيسي، فقد اشتغل جمال عبدالناصر في السياسة قبل أن يكون ضابطاً، بينما عبدالفتاح السيسي ظل ضابطا في المؤسسة العسكرية، من دون أن يكون له دخل في السياسة . وتطرق هيكل لبعض ما تنشره بعض وسائل الإعلام المصرية، التي تزعم قيامه بإعداد البرنامج السياسي للمشير السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، واصفاً هذه الأنباء بأنها "خزعبلات" . وأضاف هيكل: من المفترض أن يضع المشير السيسي برنامجه بنفسه، وأعتقد أن جزءاً كبيراً جداً من تأخره في إعلان ترشحه، يكمن في أنه يفكر فيما يستطيع أن يفعل، فهو يعلم أن المهام المقبلة تختلف عن المهام التي قام بها حتى الآن، ونحن جربناه في معارك دفاعية هو والمؤسسة التي معه، وأنقذوا ثورة 25 يناير ومنعوا ضربها، وفي 30 يونيو/حزيران جاؤوا ليصححوا خطأ هم وقعوا فيه، وقال هيكل: حتى هذه اللحظة نحن رأينا المشير السيسي في معارك دفاعية، ونراه اليوم يتقدم إلى معارك هجومية في ميدان هو لم يتأهل له، وبالتالي فإذا تصور أحد أننا نتكلم عن بطل منقذ، فنحن نتكلم عن وهم، نحن نريد فقط رجلا قادرا على اتخاذ قرار مستقبل، وحركة نحو المستقبل، وعليه وهو يقدم على هذه الخطوة أن يدرك أن كل البلد لا بد أن تكون حاضرة، وألا يغيب فيها طرف . ولفت هيكل إلى اقتراح كان قد طرحه قبل ثورة يناير بشهور قليلة، عندما طالب بتشكيل مجلس أمناء الدولة والدستور، في محاولة لإيجاد طريقة للانتقال السلمي للسلطة بين مبارك وما بعده، وقال هيكل: لا بد من تشكيل مثل هذا المجلس ليعمل مع المشير السيسي، وليكون ظهيراً له في معاركه المقبلة، على أن يشكل هذا المجلس بمشاركة كل رؤساء الأحزاب وممثلي كل القوى، ليكون بمثابة شبه جبهة وطنية منظمة . وأضاف هيكل: السيسي عنده تأييد شعبي لكن ليس له ظهير سياسي، وهو لا ينوي أن يؤلف حزباً ولا أتصور ذلك، ومن ثم فإن وجود مجلس أمناء الدولة معه أمر ضروري، شريطة أن يضم هذا المجلس ممثلين للشباب، وأن يعمل المجلس كجبهة وطنية، تدرك أن أمامها 4 أو5 سنين، تصلح فيها العربة وتضعها على طريق المستقبل . الخليج الامارتية