كلف ملك الأردن عبد الله الثاني رئيس الوزراء المستقيل عبد الله النسور بتشكيل حكومة جديدة بعد قبول استقالة حكومته مساء السبت، لتسفر مرحلة التغيير السياسي في المملكة عن تكريس عودة الوجوه القديمة إلى قيادة استحقاقات المرحلة الجديدة. ووفقا للتلفزيون الرسمي الأردني، جاء تكليف النسور نتيجة للتقرير الذي سلمه رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة صباح السبت للملك عبد الله الثاني عن نتيجة مشاوراته مع الكتل البرلمانية، والتي أسفرت عن اختيار أغلبية ضئيلة من النواب للنسور لتشكيل الحكومة الجديدة. وذكرت مصادر نيابية أن التقرير تضمن ترشيحين من النواب لرئاسة الحكومة الجديدة انحصرا بين النسور ونائبه في الحكومة المستقيلة وزير الداخلية عوض خليفات. وكان الملك قد كلف الطراونة -بعد افتتاح أعمال مجلس النواب الجديد يوم 10 فبراير/شباط الماضي- بقيادة مشاورات مع الكتل البرلمانية لترشيح رئيس للوزراء لتشكيل الحكومة الجديدة، بناء على تعهد ملكي سبق الانتخابات البرلمانية الأخيرة بتغيير نهج الحكومات لتصبح بناء على مشاورات مع البرلمان. مشاورات وأكد الملك في رسالة التكليف للنسور مساء السبت أن تكليفه جاء نتيجة هذه المشاورات التي استمرت نحو شهر، اعتبر مراقبون أن أداء البرلمان خلاله كان ضعيفا ومترددا. ولم يكن تكليف النسور مفاجئا للرأي العام الأردني بعدما ظهر أن هناك أغلبية في البرلمان رشحته لتشكيل الحكومة الجديدة، بينما التزم الملك برغبة الأغلبية رغم أن الدستور يمنحه حق تشكيل الحكومات وإقالتها وحل البرلمان والدعوة للانتخابات. وأثنى الملك الأردني في رسالة قبول استقالة الحكومة -التي لم يستمر عمرها أكثر من خمسة أشهر- على النسور بشكل لافت، بينما أكدت رسالة التكليف أنها جاءت بناء على المشاورات مع البرلمان ورغبة في ترجمة النهج الجديد والشراكة مع مجلس النواب لتشكيل الحكومات البرلمانية. كما دعا الملك عبدالله الثاني النسور إلى استمرار التقدم في عملية الإصلاح الشامل ووضع برنامج للنمو المستدام، وتعزيز سيادة القانون والحفاظ على الأمن، والاستمرار في وضع التشريعات السياسية والارتقاء بالعمل السياسي ومحاربة الفساد وضبط عجز الموازنة وتعزيز الاستقرار النقدي ووضع برامج لمواجهة الفقر والبطالة وحماية المستهلك، إضافة إلى توصيات تتعلق بالمجالين العربي والدولي. وكانت حكومة النسور الأولى قد اصطدمت مع الشارع منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعدما قررت تحرير أسعار المشتقات النفطية، مما أدى إلى رفعها بنسب بلغت 54%. كما كررت حكومته رفع أسعار المشتقات النفطية مرتين بعد ذلك كان آخرها مطلع الشهر الجاري. وأدى رفع الأسعار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى خروج مئات المسيرات في الأردن هتف عدد منها "بإسقاط النظام"، كما تحول عدد كبير منها إلى اضطرابات واشتباكات دموية بين رجال الأمن ومحتجين أدت إلى مقتل مواطن ورجلي أمن وجرح واعتقال المئات من المواطنين وإصابة عشرات رجال الأمن بجروح. "فقر النخب" وفي أول رد فعل على التكليف الجديد، اعتبرت الحركة الإسلامية -تيار المعارضة الرئيسي في المملكة والتي قاطعت الانتخابات الأخيرة- أنه يشير إلى عجز مطبخ القرار عن التغيير في المضمون والوجوه. وقال زكي بني ارشيد نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين للجزيرة نت إن "تكليف النسور إشارة واضحة من الحكم إلى أنه لا يوجد أي تغيير في الحياة السياسية، فالحكومة قبل الانتخابات هي نفسها بعد الانتخابات". عبد الله النسور (يسار) وعوض خليفات وأضاف أن "البرلمان الجديد أعلن فشله عن إنتاج أغلبية برلمانية برامجية وسياسية للتعامل مع المرحلة الجديدة، وهذا يعزز رؤية الحركة الإسلامية في فشل مسار الاصلاح الرسمي واستمرار الأزمة وضرورة الانتقال إلى طاولة حوار جاد تخرجنا من حالة المراوحة التي نعيشها". المحلل السياسي فهد الخيطان قرأ في إعادة تكليف النسور "المتوقع" إشارة "إلى فقر النخب السياسية عن خلق بدائل للوجوه الحالية". وقال الخيطان في حديثه للجزيرة نت إن "نهج الحكم أفقر البلاد سياسيا، ولم يعد لدى الدولة نخب جديدة قادرة على قيادة المرحلة الجديدة". وبرأيه فإن السبب في فقر النخب الأردنية يعود إلى فشل الرهانات على إنتاج قانون الانتخاب وجوه سياسية جديدة تحقق على الأقل مسار الإصلاح الرسمي الذي يقوده الحكم، وأن "مجلس النواب لا يستطيع حمل أفكار الملك نحو الإصلاح". وذهب المحلل السياسي إلى من دواعي إعادة تكليف النسور أنه بات مطلوبا منه الاستمرار في تنفيذ استحقاقات الاتفاق بين الأردن وصندوق النقد الدولي والذي لم يبق منه سوى خطوة واحدة تتمثل في رفع أسعار الكهرباء. وبرأيه فإن مشهد منح النواب فرصة تسمية رئيس للوزراء كان حقيقيا دون أي تدخل من جهات رسمية، "لكن النواب حولوه إلى مشهد كوميدي من خلال عدم قدرتهم على تقديم بدائل أو الائتلاف في أغلبية برلمانية حقيقية ومتماسكة". وكان مجلس النواب قد شهد الأربعاء الماضي خلافات حادة واشتباكات بالأيدي بين نواب مؤيدين ومعارضين للنسور، وصلت حد محاولة أحد النواب إشهار مسدس كان يحمله تحت قبة البرلمان، مما ولد حالة من النقد اللاذع للبرلمان الذي لم يكمل شهرا على بدء أعماله. اخبارية نت – الجزيرة نت