الثورة فعل استثنائي يلجأ إليه الإنسان عند ما يفشل في تغيير وضع حالي غير مرغوب فيه وفقاً للبروتوكولات الطبيعية المتبعة في إحداث التغيير للانتقال إلى وضع مرغوب فيه ، و لابد أن يقترن ذلك الفعل بإرادة قوية و عزيمة صلبة تحملان صاحبهما على قبول التحدي و تقديم التضحيات المطلوبة لتحقيق التغيير المنشود . و بهذا فإن حلول شهر رمضان بساحتنا هو إعلان ثورة شاملة في مختلف المجالات ، ثورة على أهوائنا ، ثورة على أنفسنا ، ثورة في أخلاقنا ، ثورة في تعاملاتنا ، ثورة تنقلنا من الانحدار الأخلاقي و الإيماني الذي نتمرغ فيه إلى السمو الروحاني و الارتقاء الأخلاقي ، و من الضعف و العجز أمام أهوائنا و شهواتنا و حظوظ أنفسنا إلى مراتب القيادة و السيادة . و ذلك لأن صوم رمضان و ما يتطلبه من الفرد يعتبر عند بعض الناس عبادة ليست باليسيرة و أهدافه عظيمة و التزاماته جسيمة حتى يحقق غاياته المرسومة . إذن فهي ثورة رمضانية لها هدف سامي يتمثل في الانتقال بنا من حالة البعد عن الخالق و المهيمن جلا و علا و الانشغال عن الغاية التي خلقنا من أجلها بالأمور الهامشية إلى حالة القرب من المولى و الصلة بخالقنا و من حالة الغفلة إلى حالة متقدمة من المراقبة و من الأخلاق الرذيلة إلى فضائل الأخلاق و أكملها و من الانقسام و التخاذل إلى الترابط و التكافل . لا شك بأن ذلك لن يتم إلا لم علت همته و قويت إرادته و تمكن من مجاهدة نفسه و انتصر على حظوظها و شهواته و قاوم تظليلات الشيطان و ملهياته أما أصحاب النفوس الضعيفة و الهمم المنكسرة و الإرادة المتدنية فمحال أن يصلوا إلى غاية أو يبلغوا إلى النهاية . يأتي رمضان للمرة الثانية و شعبنا يخوض ثورة سلمية مستمرة و منازلة لا مهادنة فيها ضد الفساد و المفسدين فنستلهم منه معاني الصبر و المصابرة و الإرادة و الجهاد و نستمد منه الزاد الروحاني الذي نتقوى به علي مشاق الطريق و تضحياته و نجدد العهد مع الله و مع شعبنا أن نستمر في ثورتنا حتى نحقق كافة أهدافها . يأتي رمضان ليقول للثوار إن الثورة فعل دائم لا يتوقف و لا يعرف الاستعجال أو اليأس و فيها من التضحيات و الصبر و الجلد و تحمل الأزمات ما لا يطيقه إلا الرجال و الثوار الحقيقيون فلا تهزمنكم الثورات المضادة و لا يفت في عضدكم المتآمرين فثورتنا باقية ما بقى الشباب و لا يمكن أن يقبل عقل عاقل ما يحلو لألسنة البعض أن تلوكه من أن الثورة قد فشلت أو خُطفت أو سُرقت أو تم الالتفاف عليها فهذا الكلام لا يردده إلا واحد من اثنين إما أن يكون من الحاقدين و المتربصين بالثورة الذين يظنون بغبائهم و سذاجتهم أنهم قادرون زرع اليأس في صفوف الثوار أو التحريش بين مكونات الثورة المختلفة و كم واهمون في ذلك أو أن يكون من المتحمسين و المستعجلين الذين غابت عنهم الحقائق على أرض الواقع و تأثروا بشائعات الثورة المضادة و ما أعنفها و لكننا نقول لهم يجب أن تقيم الثورة بحسب الأحداث و الوقائع في الميدان لا بحسب ما يقوله و يكتبه عنها خصومها و إنما النصر صبر ساعة . أيها الثوار في كافة الساحات و الميادين إن ثورتنا لا شك و لا ريب بأنها تمضي الإمام و في الاتجاه الصحيح و إن كانت الخطوات بطيئة نوعاً ما إلا أنها ناضجة أننا نرفض الثورات المسلوقة كما نرفض الثورات المسروقة و قد حققت الكثير و الكثير لا يتسع المجال لذكره و الحياة أمل و نضال أيها الشباب فلا يأس و لا مهادنة و لا استراحة و لنجعل من رمضان فرصة لتقوية صلتنا بالله الذي نستمد منه وحده النصر و التمكين و نجدد العهد للشهداء و الجرحى و المعتقلين أننا مستمرون في الثورة حتى نحقق أحلامهم ، رمضان فرصة لتسوية صفوف الثورة و تغافر الزلات و التسامح و توحيد الجهود و ترك الشقاق و الاختلاف و الكيد السياسي و لن يستطيع أي كان سواء كان حزباً أو جماعة أو طائفة أو جهة معينة أو فرداً أن يدعي أنه هو الثورة أو قدرته على إنجاز أهدافها بمفرده و من نصر إلى نصر .