تعتبر السنة عند علماء أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً ، المصدر الثاني للتشريع ، فإذا صحت السنة والحديث ، من حيث السند فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت بمنزلة القرآن تماماً، في تصديق الخبر والعمل بالحكم ، وهي مبيّنة للقرآن الكريم ، والنبي صلى الله عليه وسلم المكلف بتبيين ما انزل إلى الناس وتأدية الرسالة . فالسنة هي الطريق المسلوكة والمفصلة لمجمل القرآن ، ويترتب على كل مسلم ، التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين ، بالاعتقادات والأفعال والأقوال،فمن علامات محبة الله عز وجل ، متابعة نبيه صلى الله عليه وسلم ،في أخلاقه وأفعاله وأوامره ونواهيه وسنته . . قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ((فكان علامة حبهم إياه، بإتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم )) فإن منزلة المؤمن تقاس بإتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم ، فكلما كان تطبيقه للسنة أكثر كان عند الله أكرم . فإن كل مسلم مأمور بأمر الله تعالى في الإقتداء به ، ومتابعته صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)) . فالسنة ومفهومها ،لا حاجة لها في إعادة النظر ، لأن السنة مرتبطة بالخالق سبحانه وتعالى ، وكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو من عند الله كما قال في محكم التنزيل : (( والنجم إذا هوى * ما ظل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)) . وبعد هذه المقدمة المختصرة ، التي أردت بها أن استهل بها موضوعي ، الذي أردت ا ن أُبيّن فيه بعض الأمور ، مما جاءت به بعض الأقوال الخطيرة ، التي نشرت في بعض المواقع الالكترونية وبالأخص (موقع هنا حضرموت) وكذلك في صحيفة شبام في العدد الصادر بتاريخ 20/نوفمبر في عددها ( 716) في مقال بعنوان (هل يمكننا إعادة النظر في مفهوم السنة؟) للكاتبة (عُلا باوزير) وهو الجزء الأول من المقال ثم أتبع بالجزء الثاني في الصحيفة نفسها في العدد (717) تتمة للموضوع نفسه . فكان العنوان خطير جداً لا يحتمل التسويف لقراءته والتأمل فيه وهذا ما حملني على الرد بكل بينة من باب التنبيه لكل قارئ والنصح للكاتبة ومبيناً أمور كثيرة منها: - الحديث النبوي الذي جاء في مستهل المقال وتحديداً الجزئية المشار إليها . . الذي أخرجه أبو داؤود والترمذي من حديث العرباض بن سارية قال : ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: (أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وأن تأمَّر عليكم عبد حبشي فأنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعظوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ظلاله وكل ظلالهٍ في النار ) والجزئية التي أشارت إليها الكاتبة من نص الحديث وهو (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعظوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ظلالة ظلالهٍ في النار). وما أحببت التنبيه عليه أمور كثيرة جدا منها : أولاً : صحة الحديث فهو صحيح سنداً ومتناً والسنة كما أسلفت تعني أفعاله وأقواله صلى الله عليه وسلم وما أقر منه وسكت عنه ، والإتباع للسنة يعني الإذعان والتمسك بالسنة لا كما وصفته الكاتبة بأن إتباع لأفعاله وأقواله يعني تقليدا كما جاء في سياق حديثها وعلى حد تعبيرها . فالأتباع للنبي صلى الله عليه وسلم وسنته أمر يقتضي الوجوب كما قال تعالى : ( قل أطيعوا الله والرسول فأن تولوا فأن الله لا يحب الكافرين) وقوله أيضاً : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا واطعنا وأولئك هم المفلحون) فهذا هو الإتباع والإذعان. أما التقليد كما عرفوه اللغويون هو الذي قلد غيره القلادة ولكن استعير هذا المعنى إلى المسلم الجاهل الذي يقلد بدينه غيره. فهنا يتبين جلياً الفرق الشاسع بين الإتباع والتقليد ، فمن تمسك بسنة المصطفى يعد متبعاً منصاعاً لأمر الله ورسوله . فالحديث أنف الذكر يردده علماء السنة بل اعتنوا به أخراجاً وشرحاً وفقهاً والدعوة إليه وعملاً بمقتضاه ، ولو تأملنا لما كتبته (عُلا باوزير) تجعل من تمسك وردده محل استنكاراً واستهجاناً كأن الحديث لا أصل له من الصحة والعبارة فيها شيء من التنقص بقولها : (علماء زماننا) وتنقص بمن ينتسبوا للدعوة السلفية التي رفع الله قدرها وعظم شأنها . فالسنة النبوية الصحيحة والثابتة عن رسول الله تُعد ديناً يدين الله وشرعا ومنهاجاً فهي لا تتبدل ولا تتغير بتغير الظروف الزمانية والمكانية والاجتماعية والحضارية كما جاء في اعتبارها وتعبيرها . وليس في هذا الحديث النبوية وما جاءت به الآيات الكريمة في القرآن العظيم والكثيرة من تعارض وتضاد بين وجوب الإتباع والدعوة للتفكر والتبصر للعقل . فالتفكر كما قال تعالى ( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) وقوله أيضاً : ( وفي أنفسهم أفلا يبصرون) وغيرها من الآيات فلا تعارض حتى يكون الجمع ، فمفهوم السنة والإتباع فيما قصده النبي صلى الله عليه وسلم واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار فمقصوده قد جاء جلياً ما فهمه وعمل به ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أتوا في أفضل عصر ومصر من القرون المفضلة الثلاثة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) فهذه تزكية من النبي الذي لا ينطق عن الهوى لهم والذي أوصانا بأن نقتفي أثرهم من بعده صلوات ربي وسلامه عليه . فالطريق معبده ومسلوكة وواضحة لا حاجة أن نقحم أنفسنا بالابتداع وسلك طريقاً غير طريق محمد ( وخير الهدي هدي محمد ) صلى الله عليه وسلم . واخرج الإمام احمد وابن حبان عن المقداد بن معد يكرب قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا إنني أوتيت الكتاب وما يعدله ) وما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبو هريرة وأبو ذر أنه قال صلى الله عليه وسلم ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله) . وقد أجمع الصحابة والتابعين على حجية السنة ووجوب التمسك بها كما نقل هذا الإجماع الإمام الشافعي رحمه الله تعالى فقال : ( من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس ) . ونجد إن الكاتبة في الحلقة الأولى من مقالها تحدد درجة الأتباع وتقعد قواعد من تلقاء نفسها وتخلط بين الأركان الذي لا يصح إسلام المرء إلا به وبين درجات الإتباع من غير تبصره وعلم منير . وأيضاً ما أثار تعجبي ما أدركته في المقال من التخبطات والتناقضات فيما أوردته الكاتبة في المقال تغيب الصواب الذي يترتب علينا جميعا الإذعان له ثم العودة لجادة الصواب في بعض الجزئيات نفسها مما يدل على أنها لا تجهل الصواب . . ولكن يباغتني السؤال. . إذاً علاما هذه الصولات والجولات ؟ أرى الصواب في موضع أخر من المقال في المحور نفسه مما يثلج الصدر ويضع في النفس إحسان الظن . . ولكن لا يمنع في كل الأحوال من التذكير والتبيين والنصح كما قال تبارك وتعالى ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) مع إن الله وصفهم بالإيمان وزكاهم به إلى إنهم في حاجة للذكرى ليتعلم الجاهل ويتنبه الغافل . وفي ملخص هذا الرد الذي أسأل الله أن ينفعني به ويلهم الأخت / عُلا باوزير كاتبة المقال الصواب والرشد والتبصر بالخطأ والرجوع عنه وأذكر نفسي وإياها بهذه النصيحة وأقول : إن من الأحرى بنا والأتقى لنا الابتعاد في الخوض في مثل هذه المسائل التي ينبغي أن نتركها لأهل العلم الراسخين ، لأن كل فن له أهل يرجع إليهم وجوباً ، قال تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) وعن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما ظل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا وأوتوا الجد ثم تلى قوله تعالى ( وما ضربوه لك إلا جدلا) رواه الترمذي. ونصيحتي الثانية إلى كل رئيس تحرير صحيفة أو موقع إلكتروني التثبت من أي مقال قبل نشره خصوصاً ما يتعلق بأمور الدين التي لا يحسنها إلا العلماء وأهل العلم ولا نترك المجال لكل من هب ودرج . وكلمتي الأخيرة هي إنني لا أعني بهذا الرد بأنني من أهل العلم والعلماء ولكن حسبي في هذا المقام أني تحدثت من باب الغيرة وما أحطه من دراية واطلاع في هذا الباب وأن أقول بما اعلمه ومن باب قوله صلى الله عليه وسلم ( من كتم علماً يعلمه لجم بلجام من نار يوم القيامة ) هذا فأن أصبت فمن الله وان زللت فمن نفي والشيطان ) والله من وراء القصد