مليشيا الحوثي تتكبد خسائر فادحة في الجفرة جنوب مأرب    الرئيس الزُبيدي يدشّن بعثة المجلس الانتقالي الجنوبي في الولايات المتحدة الأمريكية    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك يقدّم استقالته لرئيس مجلس القيادة الرئاسي    المستشار سالم.. قائد عتيد قادم من زمن الجسارات    عدن تستغيث: لا ماء، لا كهرباء، لا أمل    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    صنعاء تصدر قرار بحظر تصدير وإعادة تصدير النفط الخام الأمريكي    عقد أسود للحريات.. نقابة الصحفيين توثق أكثر من 2000 انتهاك خلال عشر سنوات    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليافعيون الحضارمة .. خمسة قرون من الجهد الدؤوب
نشر في هنا حضرموت يوم 30 - 06 - 2014

في عام 1519م ( 925 ه ) ، أي منذ حوالي خمسة قرون مضت وصلت إلى حضرموت أولى الكتائب العسكرية من أبناء يافع وبطلب من سلطان حضرموت آنذاك بدر بن عبدالله الكثيري الملقب بأبي طويرق لتعزيز الدفاع عن أمن واستقرار دولته الممتدة من ظفار شرقاً إلى شرقي العوالق وبيحان غرباً ، ومن سواحل بحر العرب والمحيط الهندي جنوباً إلى الأطراف الجنوبية لصحراء الربع الخالي شمالاً .
وفي هذا يذكر الأستاذ الراحل محمد بن علي بن عوض باحنان في صفحة 504 من كتابه (جواهر تاريخ الأحقاف ) الصادر في جدة عام 2008م ونقلاً عن كتاب ( تاريخ حضرموت السياسي ) للأستاذ الراحل صلاح عبدالقادر البكري اليافعي ( أن السلطان بدراً أبا طويرق قد طلب من إمام (صنعاء) أن يمده بجيش فأمده بيافع ) ، وحيث أن السلطان بدر قد توجه بنفسه في ذلك العام إلى صنعاء لطلب المدد من إمامها لتثبيت أركان دولته المترامية الأطراف بعد أن فشل في إقناع بني قومه من آل كثير بمساعدته ودعمه في حكمه . وقد عرض إمام صنعاء على أبي طويرق مجموعة القبائل التي تنضوي تحت حكمه ، فاختار منها أبو طويرق خمسة آلاف مقاتل من يافع واصطحبهم معه إلى حضرموت . ويشير الأستاذ محمد باحنان في صفحة 479 من كتابه المشار إليه سابقاً أن بعضاً من جند يافع استقرت في الشحر ، وآخرون في دوعن ومنهم بني بكر وآل يزيد وآل البطاطي . وفي شبام استقر الموسطة . وفي تريم وسيئون استقر آل الضبي . وهكذا بدأ انتشار الجند اليوافع في مناطق حضرموت الشاسعة . وقد خاض أبو طويرق بهؤلاء أولى معاركه في بحران القريبة من القطن عند وصوله بهم إلى حضرموت ، حيث اشتبك مع قبيلة نهد وانتصر عليهم ، مما عزز وجود وأهمية الجند اليافعية في قوام جيش أبي طويرق .
ولا شك أن اختيار السلطان بدر أبو طويرق للمقاتلين من يافع بالذات لم يكن عرضياً ومصادفة ، وإنما لاعتبارات موضوعية وعملية ومنها كون هؤلاء اليوافع سنة شوافع مثلما هو حال أهل حضرموت ، بينما معظم القبائل اليمنية المحيطة بالإمام هي زيدية المذهب ، ثم أن اليوافع يتسمون بشدة البأس والصبر في القتال وهو ما يحتاج إليه السلطان بدر الكثيري لتعزيز جيشه وتثبيت دولته ، وكذلك كون منطقة يافع هي الأقرب جغرافياً إلى حضرموت مما يعني سهولة الانتقال السريع للمقاتلين من يافع إلى حضرموت ، كما أن الجوار الجغرافي بين حضرموت ويافع يعني إمكانية التقبل النفسي والاجتماعي والحضاري بين كل من الحضرمي واليافعي . كل هذه العوامل وغيرها ساعدت أبو طويرق على اختيار جنوداً من يافع بالذات .
والملاحظ أن علاقة الحضارمة بساكني أرض يافع وعبر التاريخ هي بوجه عام سلمية وحضارية وتقوم على الاحترام المتبادل والانتفاع من المصالح المشتركة بينهما . وهي تكاد تخلو من الصراعات والنزاعات ولم تشهد هذه العلاقة شكل الاصطدام أو المقاومة أو الاحتكاك العنيف والتوتر إلا في فترة زمنية محدودة عندما سيطر القرمطي على بن الفضل في عام 905م على يافع واتخذ منها قاعدة أولى لحكمه وقبل انتقاله إلى المذيخرة بنواحي إب ، حيث تمكن ابن الفضل هذا من حضرموت في عام 913م وحاول أن يبسط فيها مذهبه المنحرف والشاذ بما أكثره من الإباحيات المحرمة إسلامياً . ولكن نفوذه في حضرموت لم يستمر طويلاً وكما جاء في صفحة 61 من كتاب ( المختصر في تاريخ حضرموت العام ) للأستاذ الراحل محمد عبدالقادر بامطرف في طبعته الأولى الصادرة بالمكلا عام 2001م .
وبعد حوالي قرنين من الزمن وتحديداً في عام 1705م ذهب سلطان حضرمي آخر وهو بدر بن محمد المردوف الكثيري ( بطل تحرير حضرموت من الاحتلال اليمني الزيدي) إلى يافع واستقدم منهم ستة آلاف مقاتل استعان بهم في ثورته ضد هيمنة الزيود على حضرموت آنذاك . وهذا ما يؤكد أن علاقة يافع بحضرموت لم تنقطع منذ عهد السلطان أبي طويرق وما بعده .
وإذا كنا قد أشرنا إلى أن عام 1519م هو بداية استيطان اليافعيين بحضرموت فإنما لكون هذا التاريخ موثقاً ومعروفاً ومتداولاً . لكن هناك من يشير إلى وجود يافعي مؤثر قبل هذا التاريخ وبأكثر من ستين عاماً ، وهو ما ذكره الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في صفحة 81 من كتابه المشار إليه آنفاً ، حيث ذكر أن بعض اليافعيين في الشحر بزعامة الشيخ مبارك الكلدي قد أوعزوا في عام 1457م للأمير محمد بن سعيد بن فارس الكندي الملقب بأبي دجانة حاكم حيريج والمجاورة لسيحوت الحالية بالهجوم على عدن عاصمة الطاهريين آنذاك للاستيلاء عليها رداً على قيام الطاهريين بطرد اليوافع من عدن مما ألجأهم إلى الشحر فاستقروا فيها وقبل وصول الكتائب العسكرية اليافعية المصاحبة لأبي طويرق . وكذلك هناك من يرى إلى أن علاقة أهل يافع بحضرموت كانت أقدم من ذلك ، بل وتمتد إلى عصور ما قبل الإسلام وتحديداً في عهد سيف بن ذي يزن عندما قام بثورته في عام 599م ضد الحكم الحبشي في صنعاء وما حولها ، وحيث أن هذا الملك اليمني قد استعان بالفرس ، فأمدوه بجند من فارس يقال ان معظمهم نزلاء السجون فيها . وقد نزل هؤلاء الفرس بشواطئ حضرموت بجوار قصيعر ، وكذلك نزلوا بشواطئ عدن . ولأن حضرموت حينها لم تكن تخضع لحكم ابن ذي يزن أو للأحباش وإنما كانت مستقلة في ظل ملوك كندة وبعض الزعامات القبلية فقد وجدت هذه القوة الفارسية مقاومة من قبل قبائل حضرموت في المشقاص وغيرها ، وهو ما ذكره الأستاذ الراحل عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي في كتابه عن المشقاص . والمهم أن سيف بن ذي يزن أرسل بعض قبائل بافع إلى حضرموت لمساعدة القوة الفارسية التي وصلت إلى أراضيها والتوجه بها إلى مأرب ثم إلى صنعاء وللإطباق على الأحباش هناك . ويرى البعض أن عدداً من هؤلاء الجند اليافعية ممن استعان بهم سيف بن ذي يزن قد استقرت في حضرموت ولم تتوجه مع القوة الفارسية . وقد أشار الأستاذ الراحل محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه ( الشهداء لسبعة ) إلى شيء من هذه العلاقة التاريخية القديمة التي تربط أهل يافع بحضرموت في عصور ما قبل الإسلام . ولعل هذا يعزز القول بوجود يافعي في حضرموت قبل عام 1519م .
وللأسف لا توجد لدينا معلومات موثقة كافية حول هذا الوجود اليافعي في حضرموت في العصور الغابرة حتى يمكن وضع صورة متكاملة عنه والذي يبدو أنه مرتبط بالنشاط العسكري لأبناء يافع في حضرموت عبر التاريخ . وهذا يعني أن هجرة اليوافع إلى حضرموت هي في المقام الأول هجرة عسكرية للدفاع عن دولة سيف بن ذي يزن في صنعاء أو للدفاع عن دولة أبي طويرق وآل كثير في حضرموت . ولا شك أن هذه الهجرة اليافعية وإن لم يكن طابعها مدني إلا أنها مكنت بعض أبناء يافع من الاستقرار في حضرموت ، بل واندمجوا مع المجتمع الحضرمي حتى أصبحوا جزءاً هاماً من هذا المجتمع الحضرمي ، بل ودعامة أساسية لاستقراره وأمنه ، وكما أشار إلى ذلك الأستاذ الراحل عبدالحكيم صالح العامري في صفحتي 101 و 102 من كتابه ( السلطان بدر بن عبدالله بن جعفر الكثيري المكنى أبو طويرق ) ، والصادر في تريم عام 2006م ، وحيث أشار إلى ( أن قبائل يافع قد شكلت عنصراً رئيسياً في جيش السلطان بدر أبي طويرق الذي خاض به العديد من المعارك لقهر خصومه وتوسيع أرجاء دولته فضلاً عن أنه كوّن منهم حاميات عسكرية تمركزت على طول البلاد وعرضها من أجل الحفاظ على الأمن والنظام ودعم الاستقرار في حضرموت ).
وهذا يعني أن قدوم آل يافع إلى حضرموت لم يكن بدافع الغزو أو الاحتلال لأراضي حضرموت ، وإنما أتوا كمحاربين ومقاتلين بطلب استقدام واستعانة من سلطان حضرموت الكثيري لتعزيز دولته ونشر الأمن والسلام في ربوع حضرموت . ومع مرور الزمن أصبح هؤلاء اليوافع حضارمة لا يعرفون وطناً لهم غير حضرموت ، وفيها ولدت وتربت ونمت أجيال متعاقبة منهم . ولا يجوز مطلقاً التفريق بينهم وبين بقية أبناء حضرموت .
واليوم فإننا نجد أن الحضارمة من جذور يافعية يشكلون إحدى القبائل الحضرمية المعروفة في حضرموت والتي يصل عددها إلى أربعة عشرة قبيلة حضرمية ، وهي بحسب الترتيب الأبجدي ولبس المكانة أو عدد السكان كل من : آل بلعبيد والحموم والديّني وآل ذييب وسيبان والشنافر والصيعر وبني ظنة والعوابثة وبني مرة ونهد ونوّح وبني هلال ويافع ، وذلك كما ذكر في صفحتي 42 و 46 من كتاب ( سيبان عبر التاريخ) للأستاذ سالم أحمد الخنبشي الصادر في المكلا 2007م والذي نقل بدوره هذه المعلومات من كتاب ( ادوار التاريخ الحضرمي ) للأستاذ الراحل محمد أحمد الشاطري وكتاب ( حضرموت : فصول في الدول والأعلام والقبائل والأنساب ) للشيخ الراحل عبدالله أحمد الناخبي .
وهذه القبائل الحضرمية جميعها تشكل في تقديرنا حوالي 60% من جملة الحضارمة في الوطن الحضرمي أي بعدم احتساب حضارمة المهجر . ويشكل الحضارمة من جذور يافعية في تقديرنا حوالي 15% من جملة أبناء قبائل حضرموت بالوطن . وهؤلاء الحضارمة من جذور يافعية يشكلون حوالي 10% من جملة سكان حضرموت بالوطن عموماً . وحيث أننا نرى أن سكان حضرموت المنحدرين من القبائل فيها تصل نسبتهم – كما أشرنا – إلى حوالي 60% ونسبة الهاشميين الحضارمة حوالي 15% ونسبة المشائخ الحضارمة حوالي 15% والنسبة المتبقية وهي 10% فهي للحضارمة الحرفيين وهم الذين قامت على جهودهم نهضة حضرموت العمرانية والاقتصادية والتجارية وغيرها . وجميع هؤلاء بلا شك حضارمة متساوون في الحقوق والواجبات ولا يجوز التمييز بينهم على أساس المجموعة التي ينتمون إليها . وما نطرحه الآن هو بقصد التعريف والمعالجة العلمية للإلمام بشكل أدق بكل الأبعاد الاجتماعية والنفسية والسياسية التي تحيط بمجتمعنا الحضرمي ودون الانتقاص من قدر أحد أو الغلو في مكانة مجموعة من السكان في حضرموت . ولعله من المناسب أن نشير هنا إلى عزمنا بعون الله تعالى لتناول شيئاً عن منظومة قبائل حضرموت كماً وكيفاً ودورها الريادي في تنظيم حياة المجتمع الحضرمي ، ومن ذلك ما قامت به بعض القبائل المعروفة في حضرموت مثل سيبان والشنافر واليوافع ونهد وكندة وغيرهم .
ولاشك أن لليافعيين الحضارمة دوراً لا يقل أهمية عن دور بقية قبائل حضرموت في دعم الأمن والاستقرار فيها . وقد ساعد انتشار وتوزيع المجوعات اليافعية على طول وعرض أراضي حضرموت في ذلك ، ففي ساحل حضرموت توزعت الحاميات اليافعية أو بمعنى أدق معسكرات الجند اليافعية أو ما عرف بمصطلح ( المكاتب ) على مجموعة من الأسر اليافعية ، وهي بحسب الترتيب الأبجدي آل بريك وآل البطاطي وآل عاطف جابر وآل الشيخ علي بن هرهرة وآل كساد وآل معوضة وآل النشادي . وهذه المكاتب السبعة أو الحاميات السبع لليوافع في ساحل حضرموت توزعت على كل من الشحر والديس الشرقية والحامي وتبالة وعرف وحصن خرد وغيرها وحسبما ذكر في صفحة 89 من كتاب الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف ( المختصر في تاريخ حضرموت العام ) . وفي داخل حضرموت تمركزت بني بكر وآل الضبي وآل يزيد والموسطة وآل النقيب وآل القعيطي مؤخراً . ومن هذه المجموعات اليافعية في ساحل ووادي حضرموت انحدرت مجموعات أخرى أصغر عمّت أرجاء واسعة في حضرموت بواديها وساحلها . وجاء في صفحة 5 وما بعدها من كتاب ( ملخص عن تاريخ يافع حضرموت ) الذي صدر بالمكلا عام 2008م وألفه الأستاذ خالد عبدالملك حسين بن همام – وهو من جذور يافعية – إن الأسر اليافعية في أرض يافع هي خمسة (مكاتب ) في يافع العليا وهي أبجدياً الابعوس والحضرمي والضبي والمفلحي والموسطي . وفي يافع السفلى خمسة ( مكاتب ) أخرى هي آل سعد وآل كلد وآل الناخبي وآل يزيد ويهر . أما في الأراضي الحضرمية فقد أشار الأستاذ خالد بن همام في كتابه هذا إلى ثلاثة ( مكاتب ) هي أبجدياً بني قاصد ويضم ست أسر كبرى متفرعة إلى أسر أصغر ، ثم الضبي ويضم ثمان أسر كبرى ، ثم الموسطة ويضم إحدى عشرة أسرة . وفي ذلك ذكر الأستاذ خالد بن همام أسماء لأكثر من مائة أسرة حضرمية من أصل يافعي . ولاشك أن هذا جهد طيب للباحث المجتهد الأستاذ خالد بن همام يشكر عليه لأنه يضيف معرفة جيدة وجديدة عن اليافعيين الحضارمة الذين أصبحوا جزءاً من كيان المجتمع الحضرمي . مما يجعلنا نقول أن علاقة هؤلاء بأرض يافع إنما هي من قبيل الحنين والذكريات وهي مسألة مقبولة ومشروعة . وربما بقي لدى البعض منهم ممتلكات مادية أو بقايا عائلة هنا أو هناك . أما المعايشة والمستقبل والمساهمة الجادة في التنمية لهؤلاء اليافعيين الحضارمة فهي لا شك لوطنهم حضرموت .
وللإنصاف وللموضوعية العلمية لابد لنا أن نقول أن هجرة أبناء يافع إلى حضرموت وإن كانت في بداياتها ومهنة أفرادها تتصل بالنشاط العسكري لأبناء يافع واستعانة الآخرين بهم إلا أن هناك هجرة مدنية وسلمية لعدد من أبناء يافع إلى حضرموت ، حيث كان من بين هؤلاء علماء ودعاة وتجار ورجال دولة وإدارة وفلاحين وملاحين وغيرهم . وقد استقر هؤلاء في حضرموت منذ عقود من الزمن مما ساعد الحضارمة من الاستفادة من خبراتهم وقدراتهم . وهذا تجلى بشكل واضح بعد إقامة السلطنات الحضرمية على أيدي اليافعيين الحضارمة ومنها سلطنات آل بريك في الشحر وآل كساد في الحامي والمكلا وآل القعيطي في القطن و المكلا والتي امتدت إلى معظم أراضي حضرموت . وكانت هذه السلطنات الحضرمية مثالاً طيباً للأنظمة الناجحة التي تخدم مجتمعاتها والتي تجد احتضاناً جماهيرياً لصلاحها وجدوى بقائها واستمرارها . ولاشك أن الحضارمة بمساندتهم لهذه السلطنات ذات الجذور اليافعية وتقبلهم لها قد أعطوا نموذجاً راقياً وحسناً في التعامل الإيجابي مع الحاكم الصالح والعادل والقائم بأمور البلاد والعباد حتى وإن كان وافداً عليهم وليس غازياً لأرضهم ومذلاً لهم . وبالمقابل فإن هؤلاء الحكام الحضارمة من جذور يافعية كانوا حضارمة في المقام الأول فأخلصوا لحضرميتهم وبذلوا من أجلها الغالي والنفيس ، ودافعوا عن الأرض الحضرمية لكونها أرضهم كحضارمة . أما جذورهم اليافعية فهذا شأن وجداني وعاطفي ، وهي وشائج الذكريات والعلاقات الإنسانية القديمة ، وهي مسقط رأس الأجداد . والمهم ألا يصطدم هذا الشعور العاطفي عند هؤلاء ليافع بالانتماء لحضرموت بعد أن أصبحت وطناً لهم ومكان إقامة واستقرار لأجيالهم المتعاقبة منذ خمسة قرون ونيف . بمعنى أنه ليس من الضروري عليهم ترك ما يرونه أنه مصدر عشقهم واعتزازهم بموطن أجدادهم أرض يافع طالما وأن انتمائهم إلى حضرموت له المكانة اللائقة به في نفوسهم وأفكارهم وأعمالهم .
ولاشك أن أرض يافع رغم صغر مساحتها والتي لا تزيد عن 3500 كيلو متر مربع ، وهي مساحة تماثل مساحة جزيرة سقطرى إلا أنها قد تركت أثراً عاطفياً ملحوظاً في اليافعيين الحضارمة الذين استقروا في حضرموت ، وحيث أن الأرض اليافعية لها تاريخ موغل في القدم وتتسم بسمات حضارية معروفة . وقد عرفت هذه المنطقة قديماً باسم ( دهس ) أو (دهسم) أو ( سرو حمير ) وينسب سكانها إلى يافع بن زيد بن مالك بن زيد بن رعين وينتهي نسبه إلى حمير وسبأ . وهي لا تبعد عن ميناء عدن بأكثر من خمسين كيلو متراً مما جعل سكانها يستفيدون من إمكانات هذا الميناء الكبير عبر العصور . والمعروف أن تربة أرض يافع تمتاز بخصوبة عالية في الإنتاجية الزراعية لطبيعتها البركانية الجبلية ، كما تمتاز باعتدال مناخها طيلة العام ، وحيث أن أعلى قممها وهي قمة جبل ( ثمر ) تصل إلى حوالي 2000 متر فوق سطح البحر ، كما أن بها وفرة من المياه تفتح آفاقاً طيبة للنشاط الزراعي لسكانها ، وحيث ينتج فيها حالياً الحبوب والفواكه والبن والقات . ولاشك أن زراعة القات في يافع هي وصمة عار في جبين أهل يافع لأنها لا تستقيم مع جملة المبادئ والقيم والأخلاقيات الإيجابية المعروفة عن أهل يافع ، وهي قيم ومبادئ إيجابية يشترك معهم فيها أبناء حضرموت ، وهم الذين يرفضون وبشدة القات زراعة وتجارة واستهلاكاً . ونسأل الله عزّ وجل أن يمكن أهل يافع في أرضهم من التخلص من هذه الآفة التنموية والاجتماعية والأخلاقية الخطيرة حتى ينعم أهلها بالخير والفلاح والتطور والرقي ، وحيث يقدر عدد سكانها بحوالي 400 ألف نسمة ( 2004م ) موزعين على ثمان مديريات أربعاً منها في محافظة أبين وأربعاً أخرى في محافظة لحج . ولم يحسب ضمن هؤلاء المهاجرين من يافع مباشرة وهم يقدرون بأعداد كبيرة لم يتم إحصائهم بعد .
وقد ترك لنا اليافعيون الحضارمة إرثاً حضارياً طيباً وكما ترك الهاشميون الحضارمة والمشائخ الحضارمة من ذوي الجذور العراقية وغيرهم ممن أتى إلى حضرموت من شرق أو غرب أو شمال أو جنوب براً أو بحراً ، وحيث ان هؤلاء جميعاً قد اندمجوا في المجتمع الحضرمي وساهموا فيما تعتز به حضرموت اليوم من تراث حضاري في المجالات الاجتماعية أو الفكرية أو الثقافية أو العلمية أو الإدارية أو التنموية أو غيرها مما لا يستهان به . وقد وجد هؤلاء تقبلاً حسناً لهم بين قبائل وعشائر حضرموت ، مما يجعلنا نقول وبثقة مطلقة وتامة أن حضرموت اليوم وهي تعتز بكافة أبنائها من قبائل وعشائر قديمة أو وافدة ومن مجموعات سكانية انحدرت من جذور متعددة هي بلا شك وحدة واحدة وملتحمة في نسيج اجتماعي وثقافي وفكري يجمع ولا يفرّق ، ويأصّل للخير ولا يقصي أحداً . وأنه لا مكان لنزعات عنصرية ضيقة أو استعلائية مقيتة أو مذهبية منحرفة أو تطلعات فردية أنانية ، فكل ذلك مرفوض رفضاً مطلقاً فلا مجال إلا للخير والتعاون من جميع أبناء حضرموت ، وهو ما تحتاج إليه حقاً حضرموت اليوم وحضرموت الغد لبناء المستقبل المشرق والمستقر الواعد بالخير والأمان والازدهار بعون المولى جلّت قدرته وتعالت مشيئته .
المكلا- حي السلام
24 يونيو 2014م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.