لا أستطيع أن أحصي تلك المجالس التي أحضرها والتي يتم من خلالها جلد أنفسنا – أقصد الحضارم – بعنف وشدة حتى أصبح هذا الروتين يغلب على كثير من مجالسنا الحضرمية هنا في المهجر وكأننا لا نملك سوى خطاب الجلد والسلخ لأنفسنا, وقد غابت كل إيجابياتنا وحسناتنا ومعروفنا, ولم يبق غير التوبيخ والتقريع والسلخ للشخصية الحضرمية, وأصبح الحديث في هذا المجال يستهوي بعضاً منا ويتلذذ به ويتفكه, ظانين أننا نقوم بعملية تصحيح المسار لأنفسنا ونقدها كي نتخطى سلبياتنا الموروثة من عقود من الزمن, وتزداد حلاوة هذا النوع من الحديث عندما نستشهد بأمثالنا الحضرمية التي فيها نوع من التهرب واللامسؤولية, وترى الرؤوس تميل صعودا ونزولا مؤيدة هذا النوع من الحديث, بل وداعمة له. وسوى أكانت هذه الصبغة التي دوخونها بها إخواننا حضارم المهجر هي صبغة مفطورة عليها الشخصية الحضرمية أو كانت نتيجة لمرحلة معينة ذات طابع معين؛ هي من جعلت الحضرمي يصبغ شخصيته بهذه الصبغة السيئة, سوى أكانت الأولى أو الثانية فالكل الآن متفق على أنها مرحلة مضت وقد طوتها الأيام, وأصبحت في خبر كان, وضرورة التأكيد عليها في كل خطاب ومناسبة هو بمثابة من يعيد الفلم آلاف المرات حتى مله المشاهدون وسئموا منه. أيا كانت الحقيقة , فأنا لا أريد أن أشغل حاضري بماض هو في نظري خاطئ وسلبي, ولا أريد أن أصبغ خطابي بصبغة الإحباط من كثرة النقد لصور الماضي ومرارته, وإذا كان النقد لا يحمل في طياته روح التفاؤل والايجابية فهو بمثابة قتل الحاضر, وعدم ردم الماضي السيئ, وأنّا لأمة أن تقوم وقد قتلت حاضرها ولم تردم ماضيها السيئ. إن حصر أنفسنا في أزمة مضت, لها ظروفها وملابساتها ودوافعها, تحولت عند بعضنا لأزمة شعورية ونفسية, أنستهم الفرص المتكاثرة أمامهم في طرق التصحيح الصحيحة, وكيفية معالجة الواقع بعيدا عن الوقوع في شرك الماضي السلبي. لا نريد لشباب حضرموت أن تسيطر عليه تلك الحقبة بمواقفها وأمثالها ونتائجها, لأننا للأسف وإلى الآن لم نستطع أن نتقن مهارة توظيف الماضي لصنع حاضر إيجابي, مما أوقع شبابنا أمام ماض يحمل كثيرا من السلبيات والتعقيدات, مع عدم امتلاكه لأدوات التنقية والفلترة الصحيحة والسليمة لهذا الماضي, وبالتالي كانت النتيجة أننا نردد مآسينا وأوجاعنا ونلقي بها أمام عتبات غيرنا نستجدي حقا ضائعا وشعبا مشتتا, تماما كاليهود الذين أشغلوا العالم بنواحهم على ( الهولوكوست ), والفرق بيننا وبينهم أنهم نجحوا في توظيف ماضيهم لصنع مستقبلهم بينما نحن وقفنا عند عتبات الماضي ولم نتجاوزه. ليس من الحكمة أن نتتبع عوراتنا التاريخية, مع عدم قدرتنا على تنقية مستقبلنا منها, لأن هذا التصرف يفسد حالنا ويخلق أزمات إضافية أمامنا, وعندما ننظر في السياق القرآني في حديثه عن الماضي الجاهلي وما فيه من انحرافات وتجاوزات نجد التنبيه لهذا الماضي وما فيه من صور سلبية مع التركيز على إظهار عظمة الحاضر والمآل الذي آلت إليه الجماعة المؤمنة, كما في قوله تعالى(اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) هذا هو المنهج الصحيح لمن أراد أن يجمع بين ماضيه وحاضره في أي عملية تربوية تصحيحية. أتمنى من كافة الأطراف المؤثرة في الساحة الحضرمية ( أفرادا ومؤسسات ) أن نتجاوز خطاب السلخ والجلد وأن نركز على الفرص المستقبلية والمجالات التي نستطيع من خلالها أن ننشئ شبابا متفائلا إيجابيا يشق طريقه لخدمة أمته وعقيدته.