ليس الغرض من هذا المقال بحث مسألة الختايم وحكمها في الشرع, فهذا مجاله المجالس العلمية وأهل الشأن من العلماء الثقات وبطون المصنفات التي تناولت مثل هذه المسائل الشرعية, ولكن فحوى مقالي هي تساؤلات أردت أن أضعها بين يدي كل متابع ومهتم ومشارك, تبادرت إلى ذهني مباشرة وأنا أتابع هذا الزخم الكبير والحشد المهيب لأحداث الختايم لمساجد مدينة المكلا بفعالياتها المتنوعة, وربما غيري من المتابعين تبادرت إلى أذهانهم هذه التساؤلات وخاصة بعد موجة التغيير التي تطل علينا كل عام مع بداية ختم جديد تبدأ انطلاقته, و في تقديري الشخصي أن كل هذا الكم الكبير من الفقرات المتنوعة, لا تتناسب إطلاقا مع المقصد الأساسي للفعالية وهو ختم القرآن, لأن ختم القرآن الكريم عبادة جليلة وقربة عظيمة, والفرح بإتمام أي عبادة لا يكون عادة بقرع الطبول وحمل العصي والتراقص بها وامتطاء الجمال وأداء أدوار مسرحية وتمثيليات كوميدية, بل يكون بالشكر لله تعالى والتضرع له بقبول العمل وهذه هي السنة المتبعة عن السلف الصالح رضوان الله عليهم, كما ورد عن وهب بن الورد حينما رأى قوما يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين, بينما هذه الفعاليات هي أقرب إلى فلكلور شعبي تراثي فيكون مكانها أن تفرد لها مناسبة وطنية شعبية, وليس لختم كتاب الله الذي أمر الله بإجلاله وتعظيمه وتوقيره حيث قال ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) وكان الأحرى أن يقتصر برنامج الختايم على المحاضرات التوعوية العامة والندوات والمسابقات العلمية والثقافية بين شباب الحارات وعقد الملتقيات الدعوية والأمسيات الثقافية, فهذا النمط من الفعاليات ممكن أن يستسيغه الإنسان لأنه يتماشى مع طبيعة الاحتفالية, ولكن ما يجري بعيد كل البعد عن القرآن. هذه تساؤلات مشروعة ومستساغة ممكن يطرحها رجل الشارع البسيط , لأن الختايم بدأت في السنوات الأخيرة تأخذ طابع تراثي شعبي وتبتعد تدريجيا عن جو العبادة الذي يغلب عليه السكون والخشوع والتضرع, مما توحي لكل مراقب ووافد أنه أمام فلكلور شعبي وليست عبادة دينية, وبالتالي لابد على القائمين عليها والداعين لها من توضيح الأمر هل هي عبادة أم عادة؟, وهي طبعا بلا شك تختلف كليا عن العيدين لأنهما قد ورد النص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفرح بهما, بينما الختايم هناك من ينازع في أصل مشروعيتها بكيفيتها المعهودة, بل ويعتبرونها من البدع والمحدثات, فهي ليست من الأصول والثوابت والأساسيات التي لا يجوز تعديها ونقدها, وبالتالي ينبغي أن تكون الصدور منشرحة لسماع نقدها ومن ثم الرد عليها بعيدا عن التهجم والتهم والتجريح. مسألة أخرى من التساؤلات الواردة وهي تتعلق بأصل الختايم وهو ختم القرآن, فهل يتم ختم القرآن في هذه المساجد التي تحتفل بالختم؟ ومعلوم أن الختايم تبدأ من اليوم السابع أو التاسع, فما هو المسجد الذي استطاع أن يختم القرآن في تسعة أيام سواء في التراويح مع المصلين أو بفعل الإمام وحده, الذي أنا متيقن منه أنه لم يختم أي مسجد في المكلا بل في حضرموت كلها القرآن في تسعة أيام, وإذا كان الإمام هو من يتبرع بختم القرآن منفردا فهذا عمل فاضل عظيم له أجره عند الله تعالى, ولكن لماذا نحتفل بختم الإمام للقرآن, وهناك آلاف من الناس يختمون في رمضان. ومما مر عليّ أثناء متابعتي لأخبار الختايم أن من ضمن مقاصدها تحري ليلة القدر, ولهذا تم توزيع المساجد على الأوتار دون الشفع, وهذا من أعجب العجب, لأن ليلة القدر ترتجى في العشر الأواخر من رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم الصريح الواضح من حديث عائشة: ( تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان) أخرجه البخاري, وغيره من الأحاديث التي صرحت بأن ليلة القدر في الثلث الأخير ولو لا خشية الإطالة لسردتها حتى يستبين الأمر وتتضح الصورة. وما يفعله المحتفلون يتنافى مع المعنى الحقيقي للتحري والذي هو التوخي والقصد والاجتهاد, ولكن المحتفلون ينشغلون بالفرق الشعبية والكوميدية والإبل والتراث, ولم نر أي مظهر من مظاهر التحري, قال ابن عبد البر معلقا على أحاديث تحري ليلة القدر في العشر الأخيرة : وفي هذه الأحاديث الحض على التماس ليلة القدر وطلبها بِصلاة الليل والاجتهاد بالدعاء . ا.ه هكذا كانت عادة السلف الصالح في التحري. وآخر ما لفت انتباهي في هذه الفعاليات و خشيت منه كثيرا بعد ما رأيت أن الأمر ترك للتنافس المفتوح وغير المنضبط وخاصة بعد ذلك المشهد التمثيلي للسلطان القعيطي في أحد الختايم السابقة؛ أن يجرنا ذلك الإبداع المزعوم إلى فتح الباب واسعا لتمثيل بعض الرموز الحضرمية الدينية والذين لهم مكانة ومنزلة عند مؤيدي الختايم , وهذا العمل في حقيقته سنة شيعية رافضية درج عليها الرافضة في عاداتهم واحتفالاتهم السنوية من تمثيل شخصيات يعظمونهم من علماءهم وأئمتهم, وصل بهم الأمر فيما بعد إلى أن جعلوهم أندادا لله في ملكه وتدبيره. ستبقى هذه التساؤلات ترافق كل ختم يقام بنسخة جديدة ومطورة, طالما أن عملية التوسع والانفتاح على مصراعيها, وسيظل السؤال المطروح: هل الختم عادة يخضع للابتكار والاختراع, أم عبادة محكومة بضوابط وقيود شرعية؟, فإن كان عبادة فينبغي أن يصان القرآن من كثير من هذه الاحتفالات حتى لا تخرج تلك الختايم عن مقصودها الشرعي الذي يدعيه مناصروها, وإن كان عادة والغرض منها تحقيق الترابط والتراحم بين الناس فالأفضل أن تحوّل كل تلك الأهازيج والفعاليات تحت مسمى وطني شعبي مثل نجم البلدة أو نستحدث مناسبة اجتماعية تناسب جو الاحتفال, حتى لا نخلط الحابل بالنابل. هذه التساؤلات ستثير حفيظة البعض وستعتبره نوعا من التهجم على فئة ما أو تيار ما, وربما ذهبوا إلى أبعد من ذلك وتكلموا في النيات والمقاصد, بينما الغرض من هذه التساؤلات هو التبيين والتوضيح ومعرفة الصواب من الخطأ , لأن الختايم بنسختها الحالية أصبحت أقرب إلى الفلكلور, ومن الطبيعي أن يرافقها بعض النقد والتساؤل, والحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها, ولم نقصد بهذا شخصا بعينه أو فئة ما بقدر ما هي تساؤلات نضعها أمام القائمين عليها أيا كانت انتماءاتهم وولاءاتهم ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب ).