"هناء" شابة في ربيعها الثامن والعشرين , تعمل بائعة خضار متجولة في إحدى شوارع منطقة الشرج . وهي امرأة من النساء اللواتي إن جمعتك الصدف بهن تشعرك بقسوة الحياة ومرارتها , وعلمت بأن تلك المفاهيم الوردية التي تحملها في مخيلتك عن المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد وغيرها من الكلمات التي تم حشو عقلك بها في مادة الوطنية أثناء سنوات الدراسة الابتدائية ماهي إلا ترف فكري يجدر بك أن تنفضه من عقلك نفضاً إن كنت تحترم عقلك فعلاً..!! بدأت فصول الحكاية – حكاية هناء – في هذه الحياة تكتب مذ كانت في السادسة من عمرها , حيث ابتدأت تشق طريقها في عالم البيع والشراء , مساعدة بذلك والدتها في إعالة أسرتها البالغ عددها عشرة أفراد. لم يكن والدها يعمل آنذاك , ولم تستطع هي حتى إكمال الابتدائية من السلم التعليمي بل انقطعت عن الدراسة في الصف الثالث. وتزوجت في سن مبكرة لتنجب أربعة من الأبناء , وتتكرر المأساة بالنسبة لها فالزواج لم يعفها من مسؤوليات كثيرة كانت على عاتقها في بيت أهلها بل أضاف إليها حملاً آخر …فالزوج عاطل عن العمل أيضا..فاضطرت إلى العودة لبيع الخضار حتى تنفق على أبنائها وإخوتها ..! أما عن المضايقات التي تتلقاها أثناء العمل فحدث ولا حرج , ومنها مارأيته بأم عيني من تجاوز لأحد موردي البضاعة إليها وهي تتفاوض معه حول السعر وحديثه معها بطريقة غير لائقة تتضمن شتماً ومسبة أمام الجميع , مما حدا بي أن أتساءل بيني وبين نفسي عن تلك اللحية التي تتدلى من ذقنه إن كانت لها علاقة فعلاً بالالتزام الديني …أو حتى بالرجولة ..!! ووجدتني أتوجه بالسؤال إليها عن طريقة تعاملها مع هذه المضايقات , فأخبرتني بأنها تضطر أحياناً لأن ( تلزمهم حدهم ) على حد تعبيرها .. وحينما استفسرت منها عن الطريقة التي تلزمهم بها حدهم , ردت قائلة : بالقوة والهدّة ( المضرابة ).! تنهي هناء سرد حكايتها لي بقولها ( لو يشترى العلم بفلوس كان اشتريته ) وتمنت لو أنها تستطيع القراءة والكتابة .. هناء هي حالة من حالات كثيرة متشابهة , تمثل شريحة من النساء اللاتي يعملن في مهن وظروف لاتحفظ لهن كرامتهن الإنسانية .. ومشكلة هناء وغيرها ممن هن في حالتها تكمن في ثنائية متلازمة للطبقات المسحوقة في المجتمع وهي ثنائية الفقر والجهل ..فأينما حل الفقر تفشى الجهل وحيثما زال الفقر انحسر الجهل .. وبما إن الشغل الشاغل للإنسان هو تأمين وتحقيق حاجاته ويأتي في مقدمتها تأمين حاجته من الغذاء ليواصل مسيرته في الحياة , فإن الحديث عن التعليم وطلب العلم وأهميته في وسط لايستطيع تأمين حاجته من الغذاء ضرب من اللاواقعية والخيال بل هو كما يقال استهزاء وضحك على الذقون..! والحلقة الأضعف في ذلك كله هي المرأة , فلو تأملنا قليلاً لوجدنا أن نسبة انتشار الأمية بين النساء هي الأكثر في بلد تكاد الأمية تنتشر في أكثر من نصف سكانه ..وكذا الفقر … لكن المثير للجدل والتساؤل هو نسبة الفقر في محافظة حضرموت والتي ترفد البلاد ب70% من الدخل القومي , فقد ذكر بأن نسبة السكان الذين هم تحت خط الفقر 43% وفي رواية أخرى 50% فأين تذهب عائدات النفط والغاز ؟؟ ماذا لو اقتطع مانسبته 10% فقط من تلك العائدات لصالح مشاريع تساعد على تمكين المرأة اقتصادياً في هذه المحافظة ؟ أليس من حقنا أن نحلم بمدارس خاصة بالبنات في كل مديرية من مديريات المحافظة؟ هل من الإجحاف أن يكون للنساء مكتب خاص بسيدات الأعمال في المحافظة مستقل تماماً ..! ألن يكون من الإنصاف أن نجد من النساء من يمثلهن في المجلس المحلي بالمحافظة , أم أن المرأة لاتفقه شيئاً في أمور السياسة وصناعة القرار ! هل على النساء فقط أن يكدحن ويشقين في مهن مزرية ووضيعة أحياناً , ويتحملن كافة المسؤوليات في حياتهن وحياة أسرهن دون التفاتة منا لهذا الجهد الجبار الذي يبذلنه ..؟ يتوجب على المجتمع أن يساهم في اجتثاث الفقر والجهل المنتشرين بين النساء حتى نضمن لهن العيش بكرامة مصونة , ومتى ماحققنا لهن ذلك فإننا نحقق الاستقرار للمجتمع..