كان للشيخ/ صالح عبد الحميد بن صالح بن علي جابر (الشهير بصالح حبيب) دوراً بارزاً وكبيراً في مقارعة الحكم الماركسي الشيوعي الملحد الذي كان يهيمن على حضرموت وغيرها من مناطق الجنوب, لعل من أهمها معركة العضرس (إحدى ضواحي خشامر) التي دارت أحداثها في شهر شوال من عام 1392ه الموافق لشهر نوفمبر من عام 1972م, حيث خاض الشيخ غمارها بطلاً فذّاً لا نظير له وقد تجاوز السبعين من عمره, تمثَّلتْ فيه أبيات الشاعر/ إبراهيم طوقان: يَلقَى الخُطوبَ وَقَد طَغَى تَيّارُها فَإِذا بِهِ صَخرٌ هُنالك جَلْمَدُ وَإِذا بِها لُجَجٌ تَدافَعَ مَوْجُهَا فَيَصُدّها فَتحور عنهُ وَيَصمُدُ وقد اخترنا ما دوَّنه الكاتب والمؤرخ القدير الأستاذ/ سالم علي عبد الله الجرو في كتابه: (حضرموت, الإنسان والبصمة) عن تلك المقاومة الباسلة التي أبداها ذلك الشيخ المجاهد برفقة ثلاثة من أولاده لذلك الحكم الشمولي المستبد, وقد أوردناها نصّاً من الكتاب المذكور([1]): كان لا يثق كغيره في القيادة المحلية في مديرية القطن (كانت تسمى المديرية الوسطى) التي تعوَّدت على سجن رؤساء العشائر, ومن يظنون أنه عدو الثورة, وكذا اختطاف البعض منهم وإدخالهم في عالم النسيان, والويل لمن يسأل عنهم. لذلك رفض الانصياع لأمر الحضور ليلاً إلى مقر قيادة الشرطة, ووعد بالحضور في اليوم التالي صباحاً وليس ليلاً (عادة الذي يُستدعى ليلاً يختفي عن الأنظار, لذلك وعدهم بالحضور صباحاً على مرأى من الآخرين), هكذا تحادث مع المندوبين من لدن السلطة, غير أنهم اعتبروا ذلك تمرُّداً, فعادوا إلى القطن وأخبروا أصحاب القرار. هنا أدرك الشيخ/ صالح بأن الأمر قابل لعدة احتمالات, أسوأها المنازلة, فما كان منه إلاّ أن هيَّأ نفسه بمعيَّة أولاده الثلاثة. عاد الرفاق الثوّار معزّزين بقوة عسكرية ليقتادوا الشيخ المتمرد ويلقنونه درساً سبق وأن عرف عنه سابقاً عندما سجنوه مع معظم أفراد القبيلة (سبق وأن حوصرت قرية خشامر من قبل قوات المليشيا وأمطروها وابلاً من الرصاص طيلة الليل, وفي الصباح اقتادوا جميع أفراد القبيلة بالشاحنات إلى السجون) وآذوا البعض بأذىً لا يصدر من إنسان سوي, إلاّ أنهم وجدوا الشيخ وقد اختار المنازلة معهم من بيته النائي عن الديار والذي يبدو كقلعةٍ في (العضرس) فحاصروا المنزل, وأيقن الرفاق أن المواجهة لا تستغرق أكثر من ساعة وإن طالت ستكون سويعات يقتادونه بعدها ويمثِّلون به ليكون عبرةً للآخرين, غير أن المواجهة المسلحة استمرت لأيام ثلاثة, اشترك الجيش في آخر يومين من المعركة غير المتكافئة, اشترك بكامل قواه وأعداده الكبيرة, واستخدم المدافع الثقيلة ورجال الكوماندوز. بلغت الضحايا بين صفوف الرفاق من مليشيا وشرطة وقوات مسلحة عدداً كبيراً بين قتيل وجريح, شاهد كل من في قرية العقاد سيارات الإسعاف وهي تنقل الضحايا على مدار الأربع والعشرين ساعة إلى المستشفى بمدينة سيؤن. في اليوم الرابع هدأت حدَّة القتال لأن الضرب من جهة المنزل توقَّف بالتدريج مما يدل على النهاية المحتومة, وبات في حكم المؤكد أن الرجال الأربعة بين قتيل وجريح وفي أحسن الأحوال نفدت ذخيرتهم. قرروا الزحف واقتحام المنزل ,ورسم بعض المسؤولين الحال الذي سيكون عليه التعزير بهؤلاء المتمردين. زحفوا نحو البيت تحت تغطية النيران من الجهات الأربع واستطاعوا بجدارة الدخول وإمطار الممرات ومداخل الغرف بوابل من الرصاص داخل البيت في جميع الاتجاهات,خوفاً من خديعة أو مكر, فكانت الخدعة فعلاً, إذ لم يجدوا الشيخ/ صالح وأولاده, فقد غادروا منزلهم بسلام بعد انتصار ساحق على القوة الماحقة, وهزيمة نكراء لهؤلاء الرجال الذين كان بمقدورهم تحرير مدينة كاملة من قبضة عدو شرس. أُصيبت القيادتان (السياسية والعسكرية) بإحباط عندما وجدوا أنفسهم وجهاً لوجهٍ أمام هزيمة صارت حديث الناس إلى يومنا هذا. أمّا الشيخ/ صالح وأولاده فقد وصلوا سالمين إلى الأراضي السعودية طريق الصحراء حيث كان في استقبالهم العديد من أفراد الجالية الحضرمية مهنِّئين بالنصر وسلامة الوصول. استقر الشيخ/ صالح في مدينة جدة حتى وافته المنيَّة تاريخ: 24/10/1412ه. انتهى كلامه. ويقال أن صالح منصر السييلي قال حين هجموا البيت ولم يجدوا فيه أحدا : إن نجاة صالح حبيب وصمة عار في جبين الثورة. وحينما وصل الشيخ صالح إلى شرورة في البلاد السعودية استقبله أصحابه ومحبوه، وقال شاعر من بالعبيد: تعديت العرق ياحاني القرنين ماجابتك بو قلعة وبو مقصين طريق العز ذي عديتها وين وهت لي من خبارك هي ولعلام فأجاب الشيخ صالح: مسينا والمحط عاروس سيبان وقسمنا البضاعة بيننا البين ولا حد قد حضر ما بين الاثنين وقسمنا البضاعة وكل شيء تام وباكازم غزو لا جول جحين ووقعت وقعة مثل وقعة حنين كما خلد الشاعر الحضرمي محمد بن علي الحبشي هذه الحادثة بقصيدة رائدة بعث بها من مقر إقامته في إندونيسيا، ونشرتها مجلة نداء الجنوب يقول في مطلعها : إبدي بربي عدّ ما هلّ القمر = وعدّ ما تنبت شجاره بالثمر = في الروضة الغنا وفي المرعى الخصيب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب والفي صلاة الله على خير البشر = شفيعنا يوم الكريهة والخطر = ما غرّد القمري وطير العندليب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب خيّل مخيلة مخصبة من فوق سر = هبّ لَزْيَب والجوّ قتّم واكفهر = وبا يقع بالبخت ولاّ بالنصيب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب قال الفتى المهجوس قد جانا الخبر = قالوا لنا المغوار صالح قد حضر = خاض المعامع والمعارك من قريب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب يا بن علي جابر ترى روعك بدر = فزت بيوم النصر مَرّة والظفر = علَي قسم بالله لا مثلك ذكر = دوّرت ثمْ دوّرت في بحر وبر = والله لا بلحق كما صالح حبيب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب ميتين قاومهم بنفسه وانتصر = واعياله الشجعان ثلاثة نفر = دخلوا وسط نيران تتلهّب لهيب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب عبد الحميد الفحل عكّر واعتكر = أيضاً وعبد الله على النكسة طمر = وسالم الكرّار يصربهم صريب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب ذا من أباة الضيم والله لا صبر = وجهه نقي ساعة ميازين العبر = وش با يوطّي رأسه الحر الصليب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب تسعين عاضلهم على أرباع الستر = والقائد المغرور سلّم وانتحر = غُلُط في الحسبة وظنّ صالح قريب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب كالحُمُر فرّوا أو كما وحش البقر = من قَسْوَرة فرّت عليهم لا زأر = صوته شبيه الصاعقة يرهب رهيب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب عيون به كالجمر تتطاير شرر = من شافهن سقّف من الميدان فر = توقد كما جمر الغضا لي في الكريب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب فرّوا من الميدان حثّال البشر = هجم وطاردهم وخلاهم طيَر = في المعركة روّاهم الموت الغريب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب تفخر بك الأمة على طول النظر = وحي خشامر لي أنجبت هذا الأبر = عالم وفاضل بطل في الهيجا وذيب خذها ومت يهناك يا صالح حبيب خاتمة: هكذا كانت ملامح ومعالم تلك الحقبة التاريخية والتي حاول المكر الماركسي بخبثه ودهائه تغييبها وطيها عن الجيل الجديد, حتى لا تنكشف حقيقة كثير من الوجوه اليوم التي تدعي عدالة القضية الجنوبية وتتربع على عرش القيادة فيها, فياليت قومي يعقلون.