صعود شفيق الى جوار مرسي قد يقرأ بأنه خطوة أخيرة في طريق اعادة قصر عابدين إلى سكانه السابقين.. قد يقرأ البعض هذا الاعتقاد بسطحية أو بأنه ارتجالي وغير واقعي .. بيد أننا لو وقفنا قليلا امام حيثيات الحدث و معطيات الواقع المحيطة به و القواعد التي تدار بها اللعبة الدولية و الأجندات الأمريكية في المنطقة سنجد أنفسنا قريبين جدا من هذا الاستنتاج الذي طرحته في مقدمة هذا المقال.. لنقف قليلا و نستقرئ ماذا يمكن أن يحدث لكفتي الميزان التنافسي خلال جولة الإعادة المرتقبة و ذلك في ضوء ما أسفرت عنه الجولة السابقة من الانتخابات الرئاسية المصرية من صعود أحمد شفيق الذي يصنف بكونه يمثل النظام السابق أو ما يسمى " الفلول " و شريحة من الليبراليين المتخوفين من صعود الإسلاميين و ايضا الآخذين مواقف ضد الناصريين الجدد ..و ذلك في مواجهة محمد مرسي الذي يمثل حركة الأخوان المسلمين و يعبر عن حجمها في الساحة المصرية . لنتوقف مليا و نحاول مقاربة النتيجة المفترضة ايضا آخذين في الاعتبار تأثير التجاذبات السياسية و الأيديولوجية التي تشهدها الساحة المصرية و أيضا المحاذير و التحفظات الشعبية و الدولية التي تحيط بكل من هذين المتنافسين. كما لا يمكن في هذه الوقفة فصل الحدث الانتخابي عن أثر و تأثير الثورة المصرية و استحقاقاتها و موقعها من الحدث و مدى استمرار تأثيرها على التوجه العام أو العكس إذا أخذنا في الاعتبار الثورة المضادة و المؤامرات الداخلية و الخارجية عليها.. إضافة إلى الأخذ في الاعتبار قواعد اللعبة الدولية التي تدير المشهد العربي و من خلف الكواليس في مصر خصوصا .. تلك اللعبة التي تقتضي إعادة توزيع القوى على مراكز القرار و تستوجب المحافظة على التوازنات داخل المسرح السياسي و عدم وضع الدفة بيد سائق واحد وصولا إلى أن تبقى كل الأطراف مربوطة بخيوط اللعبة.. قد تكون العملية الانتخابية سليمة و هذا ما لم نسمع ما ينافيه ، غير ان اللعبة لم تكن هنا ، بل في طريقة اللعب بالمرشحين .. فالدور الذي لعبه الاخوان المسلمين الذين دفعوا بمرشح يمثلهم و يسعون لتنصيبه رئيسا و هو محمد مرسي و آخر يلعب دورا وسطيا و هو أبو الفتوح الذي استطاع ان يحول دون صعود صباحي مقابل اتاحة الفرصة لصعود احمد شفيق و هذا ما لم يكن في حسبان الأخوان على مستوى القاعدة الشعبية غير انه لا يستبعد أن يكون محسوبا على مستوى القيادة التي دفعت ابو الفتوح اصلا ليسحب التأييد على حمدين صباحي صاحب الثقل الثوري و القريب من البسطاء. في اعتقادي ان سير العملية الانتخابية بهذه الوتيرة وصولا الى هذه النتيجة التي اثارت سخط الشارع المصري لم يكن مصادفة فلم يكن لشفيق ان يصعد بهذه الطريقة لولا وجود تفكك داخل جمهور الثورة بين اخوان و بين ثوار مستقلين و ناصريين و بين ليبراليين متخوفين من الاخوان و بين ليبراليين يقفون ضد الاخوان و الناصريين معا.. هذا التفكك ليس صنيعة الثورة بالطبع ، بل صنيعة الثورة المضادة التي كانت تستفيد مما يخلفه استفزاز الاخوان للقوى الثورية الاخرى و نكثها للعهود التي قطعتها للثوار و سيطرتها على اغلب المقاعد البرلمانية متحالفة مع التيار السلفي .. كل هذه استفاد منها التيار الذي يمثله شفيق في استثارة حفيظة مناصريه و شريحة كبيرة من اصحاب المواقف المتحفظة ضد الاخوان و الناصريين معا.. الواقع يقول أن شفيق حصل على هذه الفرصة ليصعد الى الاعادة بمساعدة مباشرة أو غير مباشرة ، مقصودة أو غير مقصودة من الاخوان المسلمين الذين اعتقدوا ان مرشحهم سيكون بمأمن حين يواجه شفيق في جولة الإعادة على عكس ما لو كان حمدين صباحي هو من يواجهه في الإعادة ، الأمر الذي خلق انطباعا في أوساط الشباب الثائر و شريحة المثقفين و الصحفيين و السياسيين بأن الأخوان لعبوا مع من يسموهم " الفلول " أو بالأصح وقعوا في حبائل لعبة كانو يعتقدون انها لصالحهم و خصوصا حين دفعوا بالمرشح الاخواني " ابي الفتوح " كمرشح وسطي لغرض سحب بعض التأييد على حمدين صباحي لصالح صعود شفيق حيث سيضعون الجمهور المصري امام امر واقع .. إما اخوان أو فلول ، و هم في هذا لا يزالون مراهنين على أن اصوات المرشحين الذين سقطوا من جولة الاعادة لن تتجه الى شفيق بحكم العاطفة الثورية ، بعكس لو صعد حمدين الذين كان الاخوان و الفلول على يقين انه لو صعد الى الاعادة فإنه سيحضى بتأييد جماهيري عالي خصوصا و ان هناك ما يقارب نصف الناخبين لم يشاركوا في الجولة الأولى و من المحتمل ان يشاركوا في الاعادة.. فهل هذا الانطباع الذي انتشر في أوساط الجماهير المصرية سيبقي محمد مرسي المرشح الاخواني معزولا عن قوى الثورة الأخرى .. ؟!
بمجرد إعلان النتيجة النهائية بصعود " مرسي و شفيق " لمرحلة الاعادة في الانتخابات الرئاسية المصرية تبادرت الى الأذهان فكرة اسقاط ما حدث في اليمن على مدى اكثر من عام من الثورة على ما كان يدور خلف الكواليس خلال فترة الانتخابات الرئاسية المصرية و فترة التنسيقات التي سبقتها.. فبرغم اختلاف الوضع الذي كان يعيشه الاخوان في مصر عنه في اليمن كليا الا ان ما جرى خلال هذه الانتخابات أثبت ان الاخوان يعملون بوتيرة واحدة في كل الاقطار العربية و يسيرون وفق توجيهات موحدة دون مراعاة لخصوصية كل قطر و تركيبته السياسية و الايديولوجية و خصوصية مصر بالذات.. و عليه فإننا حين نقرأ الحدث المصري الهام في ضوء كل تلك الاعتبارات المذكورة أعلاه و خصوصا اللعبة الدولية و الأجندات الأمريكية التي تمكنت من السيطرة على مخرجات الثورات فليس ببعيد أن الأمر سيفضي إلى نفس النتيجة التي آلت اليها الأمور في اليمن: " الرئاسة فلول .. و الحكومة اخوان" مع اختلاف السيناريو و الإخراج بحسب ما تقتضيه الفوارق الكبيرة بين مستوى وعي الشعبين و الثقافتين و تركيبة الدولة و أشكال القوة و النفوذ في كل من اليمن و مصر .. غير أن المخرج و السيناريست واحد و هو الذي يمتلك القرار الأخير في المشهد العربي عموما و هو اللاعب الأمريكي .. و أيضا العقلية التي تحرك المشروع الاخواني هي نفسها في اليمن و مصر و غيرها .. و إن كانت هي المرة الأولى التي ينعكس المشهد اليمني على المشهد المصري منذ عصر النهضة.. وبالرغم من حصول الأمريكان على تعهدات اخوانية بعدم الاخلال باتفاقية السلام مع اسرائيل إلا ان ثمة اشياء تترك باب المحاذير الأمريكية من التيار الاخواني مواربا في المرحلة الراهنة الأمر الذي يجعل من غير الممكن ان تسمح أمريكا و لا اللعبة الدولية عموما بتسليم الاخوان كل مقاليد الحكم في مصر كما هو الحال في كل الدول التي تقع ضمن الخارطة الأمريكية في المنطقة ، فاللعبة الدولية التي تتزعمها امريكا في المنطقة تقتضي خلق توازنات تضمن بقاء الخيوط تحت التحكم و بالتالي تضمن عدم خروج دولة كمصر عن المشروع الامريكي الذي يرتكز على امن و سلامة الكيان الصهيوني ، كون مصر مرسوم لها أمريكيا أن تبقى حارسة البوابة الجنوبية. عموما يظل ما طرحته هنا مجرد تحليل قد يكون موفقا في ملامسة ما وراء الحدث و قد يكون اغفل بعض الأشياء التي يمكن ان تغير مسار كل هذه القراءة .. و فوق كل هذا تظل مصر أم الدنيا هي مصر الحرية و الثورة و حاملة لواء التغييرات التاريخية في الوطن العربي على مدار التاريخ و يظل الشعب المصري هو نفسه الشعب المصري الذي يأبى أن ينساق وراء المؤامرات و يفاخر بمدنيته و عشقه للحق و للكرامة و غيرته الخرافية على مصر وعلى العروبة .. و حده الشعب المصري من سيحسم هذا الضجيج و هذه الزوبعة التي شغلت العالم . و أنا شخصيا لا أتقبل فكرة أن يتكرر النموذج اليمني في مصر لأن مصر اكبر من أن تصاغ بتلك الطريقة لأن ذلك سيكون بمثابة المعيار الذي ستقاس اليه انجازات الثورات العربية تاريخيا.. 30 مايو 2012