صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيمنا سر تميزنا
نشر في حشد يوم 19 - 02 - 2013

لا أعتقد أن هناك من يشك في أهمية القيم والاخلاق وأنهما صنوان لا يفترقان ، وجناحان لا يستغني أحدهما عن الأخر ، لأن القيم إذا وجدت فثمة أخلاق تدور في فلكها ، إلا أننا نشدد هنا على أهمية القيم كونها أعم وأشمل من الاخلاق لارتكازها عليها ،ومثل هذا الكلام نذكر به لتعرَّض القيَم الإيمانية على امتدادِ التأريخ لموجاتٍ متتالية من العبَث وتيّارٍ جارف من الانهيار، على الرغم من أن المجتمع يتقوّى بتَحصينِ القِيَم من ضررٍ يصيبها أو تيّارٍ جارف يهدِمها عبر تأسيس الجيل منذ نشأتِه على القِيَم وإبرازِ القدواتِ الصالحة للأجيال المؤمنة، والله تعالى يبيِّن لنا نماذجَ من القدوة الصالحةِ التي يجِب أن تقدَّم للأجيال حتى يتخلَّقوا بأخلاقها ويسيروا على نهجِها، على أن أجلُّ القدوات رسولُنا (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ))[الأحزاب:21]. ولم يحفَل تأريخٌ بخيرةِ الناس وعظمائِهم الذين زكَّى الله نفوسَهم وطهَّر قلوبهم مثلَما حفَل به تأريخُنا الإسلاميّ، فلِمَ تعمى الأبصار عنهم؟! أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، وعلى أن أخطر ما يهدِّد القيَم ويزعزِع بنيَانَها القدواتُ السيّئة المزيّنَة بالألقاب ، الذين يفتَقِد الواحد منهم إلى التحلّي بأبجديّات الآدآب والأخلاق الإسلاميّة، هذه القدواتُ السيّئة تعمل على خَلخَلة القِيَم وتشكّلُ نفوسًا فارغة من القِيَم سابحةً في الضِّيق، كما تروِّج له القنواتُ الفضائيّة مِن عريٍ فاضح وسلوكٍ منحط وتحلّل خاطئ يحطِّم القِيَم ويدمّر الأخلاقَ، ودَعوةُ صريحة لنبذِ الفضيلة لد تفاجأت والله من متصلة بأحد البرامج الفضائية المتخصصة بالأسرة تسأل عن زوجها الذي زوجها به أهلها دون رضاها لحمله شهادة الدكتوراه هل يجوز لها أن تطلب الطلاق منه لممارسته أخلاق تتنافى مع روح الاسلام منها انه يذهب إلى جامعته دون ان يغتسل من الجنابة ، بغض النظر عن الإجابة من يسمع مثل هذا الكلام يصدم فعلا من هكذا قدوات ليس لها من حض القدوة إلا الاسم ، صحيح قد يكون اسمها كبير ويوحي بالنخبوية والصفوة لكنها في مجال المعاملات والأخلاق صفر على الشمال لا تساوي سيئا .
كم نحن بحاجة اليوم إلى ان نعيد كثيرا من القيم التي غابت عنا على مستوياتنا الشخصية وهنا تكمن المشكلة أنها أخلاق وقيم التعامل اليومي ، والأشد من ذلك الغياب المطلق لمفهوم أن أعظم القِيَم وأساسُها الإيمان بالله تعالى، منهُ تنشأ، وبه تقوَى، وحين يتمكَّن الإيمان في القلبِ يجعل المسلِم يسمو فيتطلَّع إلى قيَمٍ عُليا،
ولا أعتقد أن هناك في هذه الدنيا ما هو أروع من القيم والثبات عليها وما ذلك إلا لأن الثَّباتُ على القِيَم حَصانةٌ للمجتمع من الذَوبَان، وتُفيضُ عليه طمأنينةً، وتجعل حياتَه وحركتَه إلى الأمام، ثابتةَ الخطى، ممتدّةً منَ الأمس إلى اليوم؛ لأنها في إطارِ العقيدة وسياجِ الدِّين.
وفوق ذلك تقرر كثير من الدراسات أن للقيَم فوائد جمّة، فهي التي تشكّل شخصيةَ المسلم المتّزنة، وتوحِّد ذاتَه، وتقوّي إرادته، والذي لا تهذِّبه القيم متذَبذبُ الأخلاق مشتَّت النفس، ينتابه الكثيرُ من الصراعات، قال تعالى(( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))[الملك:22].وهي التي أيضا تحفظ الأمنَ، وتقِي من الشرورِ في المجتمع؛ لأنَّ تأثيرَها أعظم من تأثيرِ القوانين والعقوباتِ، فالقيَم المتأصِّلة في النفس تكون أكثرَ قدرةً على منع الأخطاءِ مِن العقوبة والقانون.
وتخبرنا الأيام أن بعر شواهدها وظروها أن أصحابُ القيَم يؤدّون أعمَالهم بفعاليّة وإتقان، وسوء سلوكِ القائمين على العمَل راجعٌ إلى افتقادهم لقِيَم الإيمان والإخلاصِ والشعور بالواجِب والمسؤوليّة.
إن ما يدعو للتعجب في هذا السياق أن الكثير ممن أعرضوا عن القيم من ابناء جلدتنا يدركون أن القيَم تجعل للإنسانِ قيمةً ومنزلة، ولحياته طعمًا، وتزداد ثقةُ الناسِ به، قال تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132]، وقال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28].
ولهؤلاء نقول لهم أنه عندما تنشأُ القيَم مع الفردِ مِن إيمانِه وعقيدتِه وخشيته لله ينمو مع نموِّ جسده فكرٌ نقيّ وخلق قويم وسلوكٌ سويّ، وتغدو القيَم ثابتةً في نفسه، راسخةً في فؤاده، لا تتبدّل بتبدُّل المصالح والأهواء كما هو في المجتمعاتِ المادّيّة، ويصغُر ما عداها من القيَم الأرضية الدنيويّة، قال تعالى(( وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)) [المؤمنون:71].
موضوعُ القِيَم ممتدٌّ في حياة المسلمين، فلا يقوم مجتمَعٌ مسلم تقيّ نقيّ حتى تحتلَّ فيه القيَم منزلتها الرفيعة في سلوكِ الفرد والأمّة والمجتمع، وأرني أخي القاريء مة كانت قيمها موزعة ما بين بر الوالدين، الإنفاق، الصِّدق، الوفاء، إِعمار الأرض، استثمارُ الوقت، إتقانُ العمل، الإنصاف، الشعور بالمسؤوليّة، أداءُ الفرائض، الامتناع عن المحرمّات. مِن قيَم الإسلام الخالدَة الصبر، حبُّ الخير، جهادُ النفس والهوى والشّهوة. من القيَم الحياء، العِفّة، الاستقامة، الفضيلةُ، الحجاب.
كثير من أمم الارض غيرا لمسلمة قد يكون لها كثير من الآخذ على ديننا لكنها لا تستطيع أن تتحدث عن قيمنا وأخلاقنا وسمو ما يدعو غليه إسلامنا ، إنَّ لدينا من الفضائل والقيَم ما لو أحسنّا عرضَها للآخرين وامتثلناها في حياتنا لكان لنا السموُّ والرِّيادة، وأسهمنا في نشر الإسلام قِيَمًا ومُثُلا مشرِقة.
من أعجب وأرع المواقف التي يصلح الاستشهاد بها في هذا الموضع موقفا لإخت مسلمة تضع النقاب ، كانت تقوم بالتسوق في سوبر ماركت في فرنسا ،وبعد الانتهاء من التبضع ذهبت الى الصندوق لدفع ماعليها من مستحقات وخلف الصندوق كانت هناك امرأة متبرجة من أصول عربية فنظرت الى المنقبة بنظرة استهزاء ثم بدأت تحصي السلع وتقوم بضرب السلع على الطاولة ،لكن الأخت المنقبة لم تحرك ساكنا وكانت هادئة جدا مما زاد تلك العربية غضبا فلم تصبر وقالت لها وهي تستفزها لدينا في فرنسا عدة مشاكل وأزمات
ونقابك هذا مشكلة من المشاكل التي تسببتن لنا بها فنحن هنا للتجارة وليس لعرض الدين أو التاريخ فإذا كنت تريدين ممارسة الدين أو وضع النقاب فاذهبي الى وطنك ومارسي الدين كما تشائين ...توقفت الأخت المنقبة عن وضع السلع في الحقيبة ونظرت اليها
ثم قامت بكشف النقاب عن وجهها ،واذ هي شقراء ... زرقاء العينين
قائلة : انا فرنسية أبا عن جد ... هذا اسلامي وهذا وطني ... أنتم بعتم دينكم ونحن اشتريناه !
كانت المنقبة فرنسية الأصل ولكنها تخاف الله وتعلم ان الله حق
وهذا الموقف يذكرنا أيضا بحادثة وقعت للدكتور الشاعر / عبدالرحمن بن صالح العشماوي حين صعد إحدى الطائرات للسفر إلى إحدى الدولالاوربية ليتفاجأ على أرض المطار بمسلمة فقط بمجرد صعودها على لاطائرة قامت بنزع حجابها ليدور بنهما هذا الحوار الذي رسمه في هذه القصيدة التي تبين كثيرا من جوانب أزمنا القيمية التي يعيشه البعض منا قال لها شاعرنا
هذي العيونُ ، وذلك القَدُّ *** والشيحُ والريحان والنَّدُّ
هذي المفاتنُ في تناسُقها *** ذكرى تلوح ، وعِبْرَةٌ تبدو
سبحانَ من أعطَى ، أرى جسداً *** إغراؤه للنفس يحتدُّ
عينانِ مارَنَتا إلى رجل *** إلا رأيتَ قُواه تَنْهَدُّ
من أين أنتِ ، أأنجبتْك رُبا *** خُضرٌ ، فأنتِ الزَّهر والوردُ ؟
من أينَ أنتِ ، فإنَّ بي شغفاً *** وإليك نفسي – لهفةً – تعدو
قالتْ ، وفي أجفانها كَحَلٌ *** يُغْري ، وفي كلماتها جِدُّ :
عربيةٌ ، حرِّيَّتي جعلتْ *** مني فتاةً مالها نِدُّ
أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ ، بالنفس أعتدُّ
عربيّةٌ ، فسألتُ : مسلمةٌ *** قالتْ : نعم ، ولخالقي الحمدُ
فسألْتُها ، والنفسُ حائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْدُ :
من أينَ هذا الزِّيُّ ؟ ما عرفَتْ *** أرضُ الحجاز ، ولا رأتْ نجدُ
هذا التبذُّلُ ، يا محدِّثتي *** سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ
فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً *** ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ
قالت : أنا بالنَّفسِ واثقةٌ *** حرِّيتي دون الهوى سَدُّ
فأجبتُها _ والحزن يعصفُ بي - : *** أخشى بأنْ يتناثر العقدُ
ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا *** دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ
والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ
تظهر القصيدة فيما لا يدع مجالا للشك عظمةَ القيم في الإسلام، فهذه المجتمعات المتفلتة اليومَ تترنّح ويتوالى الانهيار لها منذ فجرِ التأريخ، تنهار المجتمعات لِضمور المبادئ وهشاشَة القيَم التي أقيمَت عليها، ويقِف مجتمع الإسلام شامخاً بقيمه، قويَّةا بإيمانه، عزيزاً بمبادئه لأنها أمّة القيم والمثُل والأخلاق. انهيارُ الأمم والحضارات المادية دليلٌ على أن قيَمَها ومثُلها ضعيفة نفعيّة، بل هي مفلِسة في عالم القيم، كيف لا وهي من صُنع البشر؟! كم مِن القتلى! كم منَ الجرحى! كم من التعهير والفجور يمارَس اليوم باسمِ الحريّة والحفاظ على المصالح!
لقد كانت هذه القيَمُ وغيرها مغروسةً في أجيال السلَف الصالح قولا حكيمًا وفعلا ممارسًا من حياته التي كانت مصابيحَ تربويّة في ليلِه ونهاره وصبحِه ومسائه. أضاءَت سيرتُه الطريقَ لأجيال الصحابة، فتشرَّبوا القيمَ الخالدة، حتى غدت نفوسهم زكيّةً وعقولهم نيّرة، وغيَّروا بذلك الدنيا وأصلحوا الحياة. لم يعرفِ الخلقُ منذ النشأةِ الأولى مجتمعًا تجلّت فيه القيَمُ بأسمى معانيها مثل المجتمعاتِ الإسلامية.
الدعوةُ الإسلامية رسَّخت القيَم، انتشرت بالقيم، تغلغلت في النفوس بما تحمِل من قيم، شملت مختلفَ جوانب الحياة؛ الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والفكريّة، منظومةً متكاملة لا يمكن فصلُها.
القيَم تدفع المسلمَ وإن كان في ضائقة ماليّة إلى إغاثة الملهوف وإطعامِ الجائع، وتجد المسلمَ المؤمن يمتنِع عن الرشوةِ والسرقة، والمرأةَ تحافِظ على كرامَتِها وتصون عِفَّتَها وتنأى بنفسِها عن مواطن الفتنةِ والشبهة ولا تستجيب للدّعاوَى المغرِضة والمضلِّلة؛ ذلك أن الإيمانَ هو النبعُ الفيّاض الذي يرسِّخ القِيَم وتُبنى به المجتمعات ويوفِّر لها الصلاح والفلاحَ والأمن والتنمية.
وهنا لا بد لي من أن أقرر حقيقة يشهد الجميع بها أو على الأقل لن يعترض عليها احد هو أن أيُّ عملٍ اجتماعيّ أو اقتصاديّ لحلّ مشكلات المجتمع يهتمُّ بالقيَم المادية ويتجاهل القيَم الإيمانيّة فإنه يسلك طريقَ الضَّعف ويقذف بالجيل إلى حياةِ الفوضى والعبث، ويقتلُ فيه روحَ المسؤولية والفضيلة. وما أصاب المسلمين اليومَ مِن قصورٍ ليس مرجعُه قيَمَ الإسلام ومبادِئَه ومقاصدَه وغاياته، وإنما سببُه الفرقُ بين العِلم والعمل والفصلُ بين العقيدة والمبادئ والقِيَم، واللّحاقُ بركب الحضارة لا يكون على حساب الثوابت، إنَّ ثوابتَنا وقِيَمنا نحن المسلمين هي سبَبُ عزِّنا وهي سبَبُ تقدُّمنا، ويجب أن يعرفَ كلُّ فردٍ في الأمّة التي تريد النهوضَ إلى المجد أنَّ العقيدة هي التي تبني القوى وتبعثُ العزائمَ وتضيء الطريقَ للسالكين. إنَّ الحفاظَ على قِيَم الحياء والحِشمة والعفافِ والبُعدَ عن الاختلاط وعدَم ابتذالِ المرأةِ تَظلّ أحدَ أكبر صمّامات الأمان للمجتمع إزاءَ الكوارث الخلُقيّة التي أصابت العالَمَ اليومَ في مقتَل.
ومسألة لا بد من التطرق إليها نتحدث بها حتى لا تغيب عنا المفهوم البواسع للتدين المنظبط الذي تسمو معه الروح ، وتسكن إليه الروح ، فهل هناك من ينكر أن القيم تذبُل وتتوارَى في المجتمع إذا ضعُف التديُّن في الفرد والمجتمع، فعقوقُ الوالدين، الكذِب، الغشّ، تضييع الأوقات، الاختلاطُ، خروج المرأة عن سياجِ الحِشمة والعفاف، الانكباب على الدنيا، وغيرُ ذلك أثرُ ضعفِ التديّن ووَهن علاقةِ الناس بربهم؛ لأنهم يفقِدون الطاقة الإيمانيّةَ والشعور بالجزاء الأخرويّ، فأزمَةُ الأمّة اليوم أزمةُ قيَمٍ إيمانية، لا قيَم مادية، وقد سجَّلت الأمّةُ في فتراتِ رسوخ الدّين وعلوِّ الإسلام مبادَراتٍ مِنَ الأعمال الخيِّرة والسّلوك الرشيد أثارتِ الإعجابَ وأدهشتِ المنصفين، قال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17].
المزرعَة الأولى لبناءِ القيم أسرةُ يقودها أبوان صالحان، يتعلَّم الولد في البيت والمدرسةِ القيَم ويمتثِلها، يمارس الفضيلة وينأى بنفسِه عن الرذيلة.
وعمليّة بناء القيَم عملية دائِمة مستمرَّة لا تتوقَّف، وهي أساسُ التربية في البيت والمدرسة والأسواقِ وكافّة نواحِي الحياة، كما يجب التحذيرُ من المفاهيمِ التربويّة المستورَدَة التي تتعارَض مع قيَم الإسلام، ولا سيّما في ظلِّ العولمة، وإزالَة كلِّ ما يخدِش الحياءَ ويحطّم القيَم، كما نطالب المجتمعَ بكل أفراده وجميعِ مؤسَّساته العامّة والخاصّة أن يتعاونوا في نشرِ القيم وتثبيتها في النفوس، ثم متابَعَتها حتى تصبِح جزءا أصيلا في سلوكِ الناس وتعامُلِهم. غرسُ القيَم بالقدوة والسلوك أكبرُ أثرًا وأعظم استجابةً وأسرعُ قبولا، ومن أجلِ ذلك قدّم ربُّ العزة وحيَه وجعل الدعوةَ على أيدي الرسلِ ليكونوا قدوةً لأمَمِهم، قال تعالى: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].
كيف لا أومن بالله، وهل*كيف لا أبصرهُ في خَلْقِهِ
كيف لا أحيا به، والروحُ من*كيف لا تسْعَدُ نفسي بسنا
وأنا، في سرِّ كُنهي، من أنا؟؟*لذوي الألباب فيه مُلْتَبَسْ
في الضحى،في الفجر،في جنح الغَلَسْ*أمره، في غور ذراتي انبَجَسْ*
نوره في كل ترديد نَفَسْ*أنا من إبداعهِ السامي قبسْ!
يقال أن كلبا قال لأسد أنت الأسد وكل الحيوانات تهابك أعطني اسمك ..
فقال الأسد موافق ولكن على شرط : أن لاتأكل من هذا اللحم حتى أرجع اليك ..
فقال : الكلب هذا سهل أنا موافق .
فلما جاع الكلب : قال لنفسه وماذا في اسمي فأكل اللحم ..
وهذا صاحب الهمه الضعيفه .. ودني النفس ..
بيع المبادئ لاينقص منها شيء .. وانما النقص في النفوس الضعيفة التي رضيت بالدون ببيعها .. على حد قول القائل :
بعها فأنت لما سواها أبيع .. لك عارها ولها المقام الأرفع ..
أخيرا نقول كما قال الشاعر
حياتي بالقيم أحلى*وغاياتي بها عليا
وكل سعادتي أني*بمسؤولية ٍ أحيا
إله الناس كرمني*لأني لست عاديا
ويفرح لو ألاقيه*بروح ٍأحسنت سعيا
إله الناس كرمني*لأني لست عاديا
أقدر دور من حولي*أزيد بحقهم وعيا
بلادي أمتي أهلي*فلست بدونهم شيئا ً
أقدر دور من حولي*لأني لست عاديا
أحب يدي إذا أعطت*إذا عاشت يدا ً عليا
وأبني عز أخرتي*بخير حياتي الدنيا
أحب يدي إذا أعطت*لأني لست عاديا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.