يختلف الناس كثيراً في أنماطهم السلوكية ويختلفون أكثر في نواياهم وآرائهم ومواقفهم من كل ما يدور حولهم من أحداث لكن كثيراً منهم يتشابه في المبدأ والعقيدة والقيمة الأخلاقية التي يعتنقها بشكل فطري أومكتسب بسبب وجود الوسط الملائم لبقائها بقوة رغماً عن رياح التغيير الثقافي التي تتعرض لها المجتمعات بوجه عام. ولأن المبادئ والقيم والعقائد وجدت كأصل وعرفت لتبقى وشرعت لتدوم. وكثيراً ما تتحد آراء البعض أو تختلف حول قضية معينة لكن قليلاً جداً ما تتحد أو تختلف حول قيمة ثابتة لأن الاتجاه المضاد حاضر بقوة في مسائل التشريع والتقويم والتقييم العقائدي والأخلاقي، وحين يحدث الاختلاف في قضية معينة من هذه القضايا أو المسائل يجب أن نعلم أن هذه هي البداية لفتنة قادمة لا نعلم آخرها لكننا نعلم تماماً بدايتها غير الخالية من الأيادي العابثة بفطرة الناس والعازفة على وتر الحلال والحرام والداعمة لآرائها بحجة الاختلاف بين العلماء كما يحدث في مسألة الحجاب اليوم، وهل اللثام عادة اجتماعية أم تشريع إلهي، وهل كان المدلول الشرعي لآية (وليدنين عليهن من جلابيهن) إسدال الجلباب من الصدر إلى الأسفل أم من أعلى الرأس إلى الأسفل.. وكثير من الحجج التي تبرر ما يحدث مؤخراً من كثير من فتياتنا ونساء مجتمعنا وهن ينزعن اللثام ولا يكتفين بذلك فقط بل يعمدن لتزيين وجوههن مستندات على اختلاف العلماء وكأنهن يصطدن الحجج الواهية لتبرير هذا السلوك اللامسئول. كنت في حلقة نقاش حول الدستور منذ فترة قريبة وتفاجئت حين وجدت البعض منهن تتعالى أصواتهن على خلفية الحجاب الإسلامي وقد تجاهلن المواد الدستورية التي نطمح إلى تعديلها وهي أكثر أهمية من مسألة الحجاب التي يفترض أن تكون محسومة ومنتهية بعد أن يقول صلى الله عليه وسلم : (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات) وبعد قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت ان يطلع عليه الناس) صدق رسول الله. تعالت الأصوات واحتدم النقاش وأصبحت هناك بوادر عدائية لكل امرأة تجاه الأخرى وكان لي رأيي الخاص الذي لا يمكن أن أتزعزع عنه، فأنا مؤمنة بأن المرأة يجب أن تبقى مستورة ولا يظهر منها ما يلفت النظر إليها وأنها كلما كانت مصونة كانت بعيدة عن الاستغلال والتحرش والأذى ومن المعروف أن مسألة التحرش التي تعانيها نساء المجتمع في الفترة الأخيرة جاءت ملازمة لتحويل الحجاب من قيمة إخلاقية إلى نوع من أنواع الزينة أو أداة من أدواتها.. أنا أؤمن أن بقاء اللثام يعني بقاء الحياء لدى المرأة لأن الحياء ليس إحساساً أو سلوكاً أو صفة خلقية فقط بل هو معنى مترجم لمشاعر إيمانية عميقة خاصة وأن الوجه يحوي رموزاً تعبيرية كاملة بدونها لا تصبح لرسالة التواصل بين الناس معنى، ويكفي أننا نضع “شبه لثام” يظهر العينان وجزءاً من الأنف.. هذا يكفي من وجهة نظري، فما الحاجة لإظهار الفم والخدين وما تبقى من الأنف؟!.. السؤال الأكثر إلحاحاً : لماذا نختلف في قضايا شرعية محسومة وتمس أخلاق الإنسان وذات صلة وثيقة بعقيدته وفيها ما يجب أن يكون قياساً لمستوى الطاعة والقبول بأمر الله ورسوله ؟! لماذا نحوم حول الحمى دون ان نخاف الوقوع فيه ؟! لماذا أصبح الدين ميداناً للمزايدة ؟!.. حين وصلت إلى منزلي وبعد أن دنا المساء بحلته الزاهية على مدينتي الجميلة وصلتني رسالة من رقم مجهول تقول (يا اخت القمر، مابش قمر ملثم)!. لكن صاحب الرسالة نسي أن القمر لا يمكن أن يظهر جميلاً إلا في ظلمة الليل، فالسواد الحالك المحيط بهذا القمر من كل اتجاه هو الذي أظهر نوره جلياً، وهذا هو الحال نفسه مع حجاب المرأة المسلمة، فالمرأة أجمل في سترها وحشمتها، فالحشمة تسوق الحياء إلى المحيا سوقاً، وأما ما يقوله البعض من سلوك بعض المحجبات فهؤلاء لا يمثلهن إلا أنفسهن وهن حالة شاذة لا ينبغي أن نقيس عليها قيمة إسلامية كقيمة الحجاب التي جاء بها الشرع حفظاً وصيانةً للأمن الأخلاقي في المجتمع وحتى يختبر عبرها مدى امتثال المسلمين لقول الله تعالى (وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) صدق الله العظيم.. أوليس ما يحدث اليوم من بعض نساء المجتمع في أمر الحجاب عصيان لله ورسوله؟! رابط المقال على الفيس بوك