ما ابتلي اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر بشيء اسوء من تطاول الموقع العسكري والموقع \" المشيخي \" , فمع ان \" العسكري \" و \" الشيخ \" موقعان طبيعيان في الدولة وفي المجتمع الا ان وضعهما بعد قيام ثورة 26 سبتمبر هو غير الطبيعي . العسكر جزء من \" المكوّن الانساني \" في الدولة , و \" المشايخ \" جزء من المواقع الاجتماعية في المجتمع , وعلى ذلك فوجودهما ضمن الاطر الطبيعية لهذا الوجود هو امر ليس موضع نقد او مطالبة بإقصاء او الغاء , بل اننا عندما نطالب بذلك فأننا نمنح الذين يجاوزون وضعهم الطبيعي من العسكر و \" المشايخ \" مأخذا لصدّ المطالبة بإعادتهما الى الوضع الطبيعي لهما . وعلى ذلك فليس لنا مشكله مع العسكر ولا مع \" المشايخ \" وانما لنا مشكله مع تطاول بعض العسكر وتطاول بعض \" المشايخ \" , اي انه لا مشكله معهما وانما مع \" فضولهما \" . يمارس بعض هولاء \" الفضول \" بشكل واسع , فيتعاطون مع ما ليس لهم شرعية او صلاحية للتعامل معه , ولا ينضبطون بالقانون والنظام , ولا يقفون عند حدود ما يحق لهم وما لا يحق , ويرون انفسهم فوق القانون عندما يتعلق الامر بهم او بنفوذهم او مصالحهم . ومن ثم يقفوّن حجر عثرة امام اداء الكثير لمهامهم او ممارسة صلاحياتهم , وامام نيل الكثير لحقوقهم كذلك , وهذا الامر بلغ الى الحدّ من نفوذ الدولة و تقلص هيبتها وفقّد قدر من سيادتها , كما انه يتسبب في اضطراب كبير في الحياة العامة للمجتمع . يخطى الكثير عندما يتصور ان مهمة العسكر هي حماية الوطن ومكتسباته , فهذه المهمة منوّطة بالعسكر وبغيرهم , وتقتصر مهمة العسكر في القتال عندما يقرّر المعنيون بحماية الوطن ومكتسباته القتال لحمايتهما . اما يجب ان يضطلع به العسكر فهو اما تنفيذ قرار بالقتال او العمل على حفظ \" الجاهزية \" للقتال فيما اذا طلب ذلك في اي وقت منهم . ويخطى البعض عندما يعتقد ان مهمة \" المشايخ \" هي مهمة وطنية او مهمة رسمية , فمهمتهم هي مهمة عرفيّة في اطار من ارتضى بذلك من افراد قبائلهم , و ما يجب ان يضطلع به \" المشايخ \" هو حل المشكلات بين المتراضين على تفويضهم في حلها من ابناء قبائلهم , وتمثيل قبيّلتهم او عدد من ابنائها في اي شأن تتراضى القبيلة او البعض من ابنائها على ان يتولى \" الشيخ \" تمثيلهم فيه . لا يجب ان نتصور ان ظاهرة \" العربدة \" التي يقوم بها بعض \" المشايخ \"وبعض العسكر هي ناتجه وجودهم بصفاتهم الرسمية كقادة في الجيش او صفاتهم الاعتبارية \" كمشايخ \" في القبائل , وانما هي ناتجة عن \" عقلية اقطاعية \" قد تتجسد في عسكر او \" مشايخ \" او غيرهم عندما تجد مجالا لتجسدها . \" عقلية الاقطاع \" هذه وجدت لها مجالا عقب ثورة 26 سبتمبر وبدئت بتكويّن \" حالة إقطاع \" لها في البلد مستفيدة من عدم اكتمال بناء دولة \" الجمهورية \" . وتم تبنّيها و تنميتها خلال فترة حكم الرئيس علي صالح كتحالف بين عسكر و \" مشايخ \" لتوسيع وحفاظ على \" حالة اقطاع \" تشاركاها . وها هي – العقلية الاقطاعية - من احداث 2011م وحتى اليوم تعمل جاهدة على الحفاظ على بقاء \" حالتها الاقطاعية \" ومحاولة تعزيزها . الدولة شخصية اعتبارية ذات سيادة وذات تأهيل يمنحانها شرعية إنضواء غيرها من الشخصيات المعنوية والاعتبارية في المجتمع تحتها . وهي من يضطلع بالمهام الوطنية والرسمية , وهي صاحبة الحق في ادارة الشأن العام بما يحقق المصلحة العامة وتقوم الدولة بإدارة الشأن العام عن طريق \" المكوّن الانساني \" فيها , وهم مجموعة الافراد الذين يشغلون مواقعها الوظيفية , ليس بصفتهم المعنوية او الاعتبارية , وانما بصفتهم الرسمية \" كموظفين \" في مواقع محدده لها مهام محدده وذات سلطات ومسئوليات محدده كذلك . ولا يجب ان يقوم بحق ادارة الشأن العام او ان يشاركها فيه غيرها ايا كان وايا كانت الصفة المعنوية او الاعتبارية التي يحملها , ولا ان يجاوز من يحمل صفة رسمية فيها اطار وظيفته وحدود صلاحياتها . اي بلد كان وبلدنا احدها امامه حالتان , \" حالة إقطاع \" و \" حالة دولة \" , وهما حالتان لا يمكن ان يقوما في مكان واحد معا , فأما \" اقطاع \" واما دولة . والكل في بلدنا يتغنّون بالدولة ويرفعون شعارها , ولكن هناك من يفعل ذلك لأنه لا يمكن فعل غيره . والمعيار الذي يمكّنا من تمييز من ينشد \" دولة مدنية \" ومن يتغنى بها ويرفع شعارها وتصرفاته تصب في اتجاه استمرار \" اقطاعيته \" او \" الاقطاعية \" التي يرتبط بها هو معيار الالتزام . من يتصرف خارج اطاره الذي تمنحه اياه صفه معنويه او اعتباريه ما , ومن يتجاوز بتصرفاته حدود صفته الرسمية , كلاهما لا يريد ان تقوم \" دوله \" مهما تغنى بها ورفع شعارها والعكس بالعكس . ولان بعض العسكر وبعض \" المشايخ \" هم بالدرجة الاولى من يجب ان تحدّ او تحدد تصرفاتهم , لنرفع ونعمل جميعا تحت شعار \" العسكر للمعسكر و \"المشايخ للقبيلة \" .. والدولة للوطن \" . عبدالوهاب الشرفي [email protected]